التعاونيات .. رافد مالي لأسر تعيلها النساء في غزة

الرابط المختصر

غزة - محمد مصعب/شاهين - مضمون جديد

حتى في ايطاليا، يعرفون مفتول رفقة عروق (أم رامز)، تلك المراة الغزية التي اصبحت رمزا لهذه الاكلة الشعبية الفلسطينية، وايضا لنجاح تجربة التعاونيات التي تشكل احد ادوات الصمود في القطاع المحاصر.

وقد لمع نجم هذه المرأة الستينية عندما فازت عام 2002 بالجائزة الاولى في مهرجان دولي سنوي يقام في ايطاليا لاكلة المفتول او (الكسكس) كما تعرف في بلاد المغرب العربي.

وحكاية شهرتها بدأت مع رصاصة اسرائيلية اقعدت زوجها عام 1989، واضطرتها للبحث عن سبيل لاعالة ابنائهما التسعة.

تقول ام رامز انها وجدت ضالتها حينها في المفتول الذي كانت تبرع في اعداده وطالما نال استحسان العائلة.

وتضيف انها عندما عرضت على بعض الاقرباء والجيران ان تعد لهم المفتول لقاء اجر متواضع، لاقت تجاوبا وحماسا شجعاها على البدء.

وهكذا، حولت منزلها المتواضع في حي الشيخ رضوان في غزة الى معمل صغير راحت تنتج فيه ما معدله ثلاثة كيلوغرامات يوميا، وكان ابناؤها الصغار يتكفلون بايصال هذه الكمية الى الزبائن الذين اخذ عددهم يتزايد باضطراد، حتى اصبح من بينهم محلات تجارية.

ولم تكد تمضي بضع سنوات حتى كانت ام رامز تخلق واقعا اقتصاديا مريحا للاسرة مكتها من الخروج من عنق زجاجة الفقر المستفحل في قطاع غزة.

وحسب تقارير للامم المتحدة، فان حوالي 65% من سكان غزة البالغ عددهم نحو 1,6 مليونا، يعيشون تحت خط الفقر العام، في حين ان ما نسبته 38% منهم يعيشون في حالة من "الفقر الشديد".

ويصل معدل البطالة للذكور والاناث في القطاع الى نحو 45% من القوى القادرة على العمل، في حين تصل البطالة بين النساء الى 28%,

تعاونية المفتول

مع نمو الطلب على مفتولها، بدأت ام رامز تبحث عن جهة تدعمها لناحية تطوير ادوات العمل وكذلك تسويق منتجها، وقادها البحث الى جمعية التوفير والتسليف المنبثقة عن جمعية الاغاثة الزراعية التي قدمت لها المساعدة في هذا المجال.

وجمعية التوفير والتسليف هي تجمع تعاوني تقتصر عضويته على النساء، ويمول ويدار من قبل عضواتها.

وتمارس الجمعية نشاطي التوفير والتسليف إلى جانب نشاطات تنموية أخرى، وتهدف إلى تنمية المرأة الريفية الفلسطينية وتعزيز دورها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية.

وقد ساعدت الجمعية ام رامز على الانضواء في اطار تعاونية الشيخ رضوان في غزة، والتي وصل انتاجها في بعض السنوات الى 40 طنا من المفتول كانت 25 منها تذهب الى الاسواق الخارجية والباقي للسوق المحلية.

ويوجد في قطاع غزة عشرات التعاونيات الانتاجية التي تنضوي في اطارها مئات النساء ممن تشبه حالتهن حالة ام رامز، لكن لا يوجد احصاء رسمي دقيق لعدد هذه التعاونيات ، بسبب ان الكثير منها غير مسجل.

ويعود عدم تسجيل بعض التعاونيات لاعمالها رسميا الى عدم وجود إجراءات واضحة للتسجيل هذا بالاضافة الى ارتفاع قيم الالتزامات المادية المطلوبة وصعوبة جدولتها خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يعاني منها سكان القطاع.

وتخضع تعاونيات قطاع غزة للقانون المصري للتعاون للعام 1933 الذي لا يزال ساريا.

وكما توضح ام رامز، فقد تدربت في هذه التعاونية التي تضم نساء اخريات في حي الشيخ
رضوان، على تعبئة وتغليف المفتول وذلك بعد فحصه والتأكد من جودته.

وفي منزلها الذي حولت قسما منه الى مصنع صغير تقول ام رامز بفخر "منزلى عنوان للمفتول الغزى الذي تألق ولا يزال رغم الأحداث المتلاحقة في المجتمع الفلسطيني والتي كانت بمثابة الكارثة خاصة خلال العام 2006 حيث الحصار والانقسام وحرب 2008-2009".

وسيطرت حركة حماس على قطاع غزة عقب مواجهة دامية مع فتح في 2007، تلاها تشديد للحصار الإسرائيلي وإغلاق المعابر كما تعرض القطاع لحرب إسرائيلية في نهاية 2008 خلفت آلاف الشهداء والجرحى ودمارا للبنية الاقتصادية.

وتقول ام رامز "هناك الان الكثير من الصعوبات تواجهنا كانقطاع التيار الكهربائي، وفقدان المحروقات، وغلاء أسعار الدقيق وشحه بين الفينة والأخرى ".

وتضيف "اليوم ما يتم تصنيعه من المفتول هو للسوق المحلية فقط، ويتم بيع الكيلو بنحو 4.5 شيكل" اى ما يعادل دولارا و25سنتا.

الارملة سالمة

سالمة أبو مصطفى (ام حسام)، توفي زوجها عام 1977، وترك لها ولدا وبنتا تمكنت من اعالتهما حتى تخرجا من الجامعة بفضل عملها في اطار تعاونية للاعشاب الطبية والزعتر في رفح جنوب قطاع غزة.

واليوم تقود ام حسام (60 عاما) هذه التعاونية التي تعمل فيها 67 امراة.

وتروي قصتها مع التعاونية قائلة "واجهت صعوبة في بداية مشوار حياتي إذ توفي زوجي وترك لي طفلين ولا اعرف من أين لي ان أوفر لهم الخبر وبعض المستلزمات الضرورية لا سيما المأكل والمشرب والملبس".

في البداية عمدت الى زراعة قطعة أرض مساحتها 400 متر مربع تقع بجوار منزلها الذي كان عبارة عن غرفة مسقوفة بالزينكو.

ولما لم يكن هذا كفيلا بتامين احتياجات الاسرة، فقد لجأت الى جمعية التوفير والتسليف في رفح لتتلقى سلسلة من الدورات التدريبية التى مكنتها لاحقا من الانخراط في في العمل ضمن تعاونية الأعشاب الطبية والزعتر.

وتوضح أم حسام أنها تشارك في المناقصات التى تتضمن توريد أعشاب طبية أو زعتر وكذلك التوابل حيث تعمل على الاستفادة من الأعشاب المتوفرة لديها وكذلك شراء أعشاب أخرى من نساء يعملن على زراعتها ومن السوق المحلية.

وتقول :" اعمل أنا وابنتي داخل المنزل من اجل انجاز المطلوب في وقت قصير(...) ابنتى أنهت الدراسة الجامعية وكذلك ابني. وكان تعليمهما حلما طالما راودني ومكنت من تحقيقه".

اشراف ومتابعة

وكما تؤكد ابتسام سالم رئيسة مجلس إدارة جمعية التوفير والتسليف، فقد نجحت الجمعية، وهي الاولى من نوعها التي انشئت في قطاع غزة، في تشكيل وتمويل العشرات من التعاونيات النسائية في عدة انحاء من القطاع، ومنها تعاونيات لمفتول والألبان والنحل والأعشاب الطبية، وكذلك تعاونية الاجبان.

وتقول سالم ان الجمعية "تقدم الإشراف والمتابعة للنساء وتعمل على تسويق الإنتاج سواء على الصعيد المحلى أو الخارجي وكذلك إلى الضفة الغربية".

ونفذت الجمعية ما يزيد عن ١٥٠٠ مشروع صغير‏ ومنتج تديره نساء في قطاع غزة.

وتلفت الى ان عملية التصنيع تخضع لفحوصات مخبرية، وكيميائية، وكذلك فحوصات ميكروبية للتأكد من صلاحيتها ومطابقتها للمواصفات العالمية.

وتنوه الى ان ابرز المعوقات التى تواجه جمعيتها، وكذلك الجمعيات المماثلة في تنفيذ المشاريع تتمثل في الحصار والإغلاق الذي يمر به قطاع غزة، الذي حال دون توفير المواد الخامة المستخدمة في إنشاء المشاريع، وتسويق منتجات الجمعية وكذلك منتجات التعاونيات التى تقدم لها الجمعية الإرشاد خارج قطاع غزة.

ويبلغ عدد جمعيات التوفير والتسليف النسوية التعاونية 12 جمعية مرخصة، 11 منها في الضفة الغربية وواحدة بفرعين في قطاع غزة.

وينصب عمل جمعيات التوفير والتسليف على تدريب عضوات وكوادر الجمعيات من النساء الريفيات، في المواضيع ذات العلاقة المباشرة بأنشطة الجمعيات وطبيعة عملها، مروراً بتنظيم العلاقة ما بين الجمعيات ومرجعيتها القانونية الممثلة بوزارة العمل الفلسطينية.

ويتضمن ذلك الحصول على التراخيص اللازمة لممارسة هذه الجمعيات لعملها وانتهاءاً بعمليات تطوير هذه الجمعيات، لترقى إلى مستوى المؤسسات المالية الاقراضية، وتنظيمها في إطار قانوني رسمي يدافع عن مصالح عضواتها ويعمل على تنميتها واستدامتها.

وبهدف تنظيم عمل هذه الجمعيات في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، فقد تم تشكيل الإتحاد التعاوني التخصصي لجمعيات التوفير والتسليف التعاونية، الذي حصل على الترخيص المطلوب لممارسة نشاطاته في 2005.

وفيما يؤكد مختصون على اهمية دور الجمعيات التعاونية في خفض معدلات البطالة والفقر في قطاع غزة، الا انهم يرون ان الحصار ادى الى توقف نشاط العديد منها خاصة الجمعيات الإسكانية، وذلك نتيجة عدم توفر مواد البناء والجمعيات الزراعية بسبب منع تصدير المنتجات الزراعية الى الضفة الغربية والخارج.