الاحتجاجات العمالية تسجل رقما قياسيا في الاردن
عمّان / الاردن - شيرين مازن - أُعد هذا التقرير لصالح مشروع مضمون جديد للصحفيين
قال العامل الذي رفع لافتة تطالب بزيادة اجره اثناء كان يقف وسط احد الاحتجاجات العمالية التي سجلت اعدادها رقما قياسيا في الاردن: "الناس بدها تعيش..خليهم يعتصموا ويحصلوا حقوقهم بإيدهم".
وشهدت المملكة أكثر من 400 احتجاج عمالي خلال الشهور الخمسة الاولى من هذا العام، وفقا لمشروع "المرصد العمالي" التابع لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية.
وكان المرصد قد سجل 140 احتجاجا لعمال في القطاعين العام والخاص على السواء خلال عام 2010.
وباستثناء عدد قليل منها، فان الاحتجاجات يجري تنظيمها بمبادرات من العمال انفسهم وفي معزل عن هيئاتهم النقابية، وابرزها الاتحاد العام لنقابات العمال.
ويؤكد العامل خالد محمود الذي يعيل سبعة ابناء ان ما يدفعهم الى تجاوز نقاباتهم والنزول الى الشارع للاحتجاج هو "ضعف هذه النقابات ودورها السلبي في تحصيل حقوقنا ومتابعة أصحاب العمل".
ويضيف انه في ظل غياب الدور الحقيقي للنقابات "يجد العامل نفسه وحيدا يطالب بأقل حق يجب أن يحصل عليه وهو أن يعيش حياة كريمة".
ومن جهته، يقول حسن الصبيحي الذي فصلته شركة مياهنا مع مجموعة من زملائه، وشارك في نحو 48 اعتصاما منذ حزيران/يونيو 2010، ان "الوسيلة الوحيدة لإيصال صوتنا هو الاعتصام أمام المؤسسات والهيئات ذات العلاقة لنقول لهم: أطفالنا للبيع والسعر مغر مقابل كرامة".
ظاهرة خطيرة
وكما يرى احمد عوض مدير مركز الفينيق، فان تسجيل اكثر من 400 احتجاج خلال فترة خمسة اشهر يشكل "ظاهرة خطيرة ومؤشرا على تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية لبعض فئات العاملين".
ويؤكد عوض ان هذه الاحتجاجات كانت عمالية مطلبية صرفة، ولم تلعب الاحزاب السياسية دورا في تشكيلها، وان شاركت في عدد منها.
واعتبر ان ذلك "يقدم حقائق جديدة ينبغي الالتفات إليها، كوجود قيادات شابة جديدة في مواقع العمل، وتجاوز الحراك للأحزاب السياسية والنقابات العمالية التقليدية".
وقد سعت الحكومة من جانبها، الى اظهار تفهمها للاحتجاجات، واقرت ضمنيا بان قانون العمل المؤقت الذي قامت بسنه قد اسهم في تراجع اوضاع العمال وسلبهم الكثير من حقوقهم، كما سلبها هي ايضا القدرة على التدخل الفاعل لصالحهم في مواجهة تغول بعض اصحاب العمل.
فقد وصف وزير العمل محمود الكفاوين الاحتجاجات في تصريحات منشورة بانها "أمر طبيعي" و"تعبر عن رأي العاملين ورفضهم لأوضاعهم المعيشية والاقتصادية".
وأكد كفاوين أن قانون العمل "قابل للنقاش والتطوير" داعيا النقابات الى حوار "من أجل التوصل الى قانون عمل عادل لكافة الأطراف العمال وأصحاب والعمل وبما يضمن الحماية الحقيقية للعامل".
وفي مطلع اذار/مارس الماضي، صدر حكم قضائي بعدم دستورية هذا القانون، وسبق وتلا ذلك قرارات قضائية مماثلة بعدم دستورية قوانين مؤقتة اخرى لها علاقة مباشرة بالعمال كقانون الضمان الاجتماعي.
وبحسب ما يراه نقابيان بارزان، فان زيادة الوعي ووسائل الاعلام وهامش الحريات، شكلت عوامل اسهمت في زيادة الاحتجاجات.
فمن ناحيته، قال رئيس "النقابة العامة للعاملين في البترول والكيماويات" خالد الزيود أن "زيادة الوعي العمالي واهتمام الاعلام بهذا الجانب ساهما في زيادة الاحتجاجات".
واضاف ان "نشاط بعض المؤسسات في مطالباتها العمالية ساهم في انتقال الاحتجاج الى مؤسسات أخرى".
في حين اعتبر خالد ابو مرجوب رئيس "النقابة العامة للعاملين في الخدمات العامة والمهن الحرة" زيادة الاحتجاجات الى "ارتفاع سقف الحريات..الى جانب زوال كافة موانع الاحتجاج من قمع وتخويف للعمال".
ويشير مرجوب بذلك الى قانون الاجتماعات العامة الذي جرى تعديله اخيرا، بما ازاح الكثير من القيود التي كانت مفروضة على التظاهرات والاعتصامات.
كسر الحاجز
وبينما نجد شريحة اخذه في التزايد من العمال الذين قرروا كسر حاجز الخوف والالتحاق بركب الاحتجاجات، الا ان هناك عمالا من شرائح اخرى لا يزالون محجمين عن المشاركة تحسبا للعواقب.
ومن هؤلاء العامل احمد الذي يؤكد انه يعاني اوضاعا وظيفية ومعيشية صعبة نتيجة تدني اجره، لكنه يفضل الصمت خشية فصله من العمل.
وتكابد قطاعات واسعة من العمال مصاعب اقتصادية في ظل الارتفاعات الكبيرة والمتواصلة في أسعار السلع والخدمات الأساسية، والتي لم يواكبها ارتفاع الأجور والرواتب بالمستوى ذاته.
يقول احمد، وهو عامل في آحد المصانع وأب لثلاثة أطفال، أنه يتقاضى 160 دينارا (225 دولارا) يدفع 70 منها ايجارا لمنزله، وما يتبقى يكفيه بالكاد لعشرة ايام، مما يضطره لاقتراض المال حتى يتمكن من الانفاق على متطلبات الحياة لبقية الشهر.
وهو اذذاك يؤكد ان "من حق العامل أن ينظم الاحتجاجات للمطالبة بزيادة الرواتب ورفع الحد الادنى للاجور وتحسين الاوضاع المعيشية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة".
لكن احمد الذي رفض نشر اسمه كاملا، يقر بانه لم يشارك في اي احتجاج خوفا على "لقمة العيش" على حد تعبيره.
وبحسب القانون، فان الحد الآدنى للاجور في الاردن هو 150 دينارا (210 دولارات تقريبا). لكن اعدادا كبيرة تشكو من ان اصحاب العمل يخالفون القانون مستغلين حاجتهم الى العمل.
وكمثال على ذلك، فان تغريد، وهي فتاة تخرجت حديثا من الجامعة وتعمل معلمة في مدرسة خاصة، تؤكد انها تتقاضى 80 دينارا شهريا، لكنها توقع على استلام 150.
وهي كما تقول، لا تستطيع الاحتجاج، لان صاحب المدرسة سيقوم ببساطة باعادتها الى صفوف البطالة المستفحلة في البلاد، وسيوظف غيرها فورا، وربما باقل من اجرها.
وتصل نسبة البطالة في الاردن الى نحو 14 بالمئة بحسب ما تعلنه الحكومة، في حين تؤكد منظمات مستقلة انها تناهز 28 بالمئة.
تظلمات وانتهاكات
وتلخص وثيقة اصدرتها "الحملة الوطنية للدفاع عن حقوق عمال الاردن" التي تالفت من فعاليات ومجموعات عمالية قبل نحو شهر، ابرز الانتهاكات التي تتعرض لها حقوق العمال في المملكة.
وبحسب الوثيقة، فان عشرات الآلاف من العمال يحصلون على أجور تقل عن الحد الأدنى رغم انخفاضه، واعداد لا تقل عنهم "تعمل لساعات تزيد عن ما نص عليه قانون العمل والبالغة (8) ساعات دون احتساب أجر إضافي، إلى جانب عدم مراعاة المعايير الأساسية للصحة والسلامة المهنية في غالبية مؤسسات الأعمال".
ويضاف إلى ذلك، بحسب الوثيقة "افتقار قطاعات واسعة من العاملين للتأمينات الاجتماعية (الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي وصناديق الادخار والتكافل) وسيطرة العديد من أصحاب العمل على هذه الصناديق في حال وجودها".
وتلفت الوثيقة كذلك الى "تداعيات تطبيق العديد من السياسات الاقتصادية الليبرالية التي أدت من بين ما أدت إليه إلى تسريح آلاف العمال من أعمالهم، وتنامي وانتشار ظاهرة عقود العمل المؤقتة والمياومة في سياق عمليات الخصخصة المنفلتة والعشوائية التي أهدرت مقدرات الوطن، إلى جانب تدمير العديد من القطاعات الصناعية الهامة بسبب تحرير التجارة الخارجية دون ضوابط مثل قطاعات الخزف والأحذية والدباغة والألبسة والاسمنت والصناعات الغذائية والزراعية وغيرها".
كما تبرز الوثيقة في هذا السياق معاناة العمال "من تشريعات عمالية تضيق الخناق على حركتهم وحريتهم في تشكيل منظماتهم النقابية للدفاع عن حقوقهم الأساسية" مشيرة الى انه "لم يتشكل في الأردن أية نقابة عمالية جديدة منذ خمسة وثلاثين عاما برغم اتساع سوق العمل ودخول عشرات المهن الجديدة المحرومة من حق التنظيم النقابي".
اتحاد عمال غائب
وبحسب وثيقة حملة الدفاع عن حقوق العمال، فان هذه الانتهاكات تاتي "في غياب تمثيل حقيقي لعمال الأردن".
واتهمت الوثيقة الاتحاد العام لنقابات العمال بانه اصبح "عبئا على العمال وضد مصالحهم بسبب غياب آليات العمل الديمقراطي فيه، وفرض قيادات معزولة عن الواقع العمالي، تأتي من نقابات وهمية عبر انتخاب بالتزكية أو انتخابات غير نزيهة، وتدخلات حكومية في تفاصيل عمل الاتحاد العام والنقابات العمالية".
ويضم الاتحاد 17 نقابة ينضوي تحتها 120 الف عامل يمثلون 10 بالمئة من القوى العاملة في الاردن.
ويؤكد الناشط العمالي ورئيس لجنة عمال المياومة محمد السنيد ما ذهبت اليه الوثيقة في ما يتعلق بالاتهامات الموجهة الى اتحاد نقابات العمال.
ويقول السنيد أن "زيادة الاحتجاجات سببها تغول أصحاب العمل على حقوق العمال في ظل غياب كامل للاتحاد المشغول بالدفاع عن نفسه في المحاكم وحضور المؤتمرات الدولية".
وذهب السنيد، الذي نظم وشارك في العديد من الاحتجاجات العمالية، الى حد اتهام الاتحاد وبعض النقابات بانها "بدلا من أن تدافع عن حقوق العمال تتآمر عليهم مع أصحاب العمل. والدليل أن هناك العديد من التصريحات (لمسؤولين في الاتحاد) تتهم تحركات العمال بأنها غير شرعية وتهدف للتخريب".
وكان عمال وناشطون قد نفذوا اعتصاما امام مجلس النواب في نيسان/ابريل الماضي طالب بحل قيادة الاتحاد، والتحقيق في ما قالوا انها تجاوزات وشبهات فساد. وقد نفى رئيس الاتحاد في حينها هذه الاتهامات.
وبعد ايام من هذا الاعتصام،احال مجلس هيئة مكافحة الفساد ملف الاتحاد الى مدعي عام الهيئة للسير في الاجراءات القضية.
وقالت صحيفة "العرب اليوم" ان قرار الاحالة استند الى خلاصات توصلت اليها التحقيقات واثبتت وجود دلائل وقرائن ترقى الى شبهة فساد اداري ومالي في الاتحاد.
نجاح وانتظار
الاحتجاجات العمالية مرشحة للتزايد كما يتوقع نشطاء ومراقبون، ولكنهم يرهنون مستوى هذه الزيادة بالنتائج التي ستتمخض عنها الاحتجاجات الحالية.
وبحسب المرصد العمالي، فقد اسفرت هذه الاحتجاجات الى الان عن نتائج تفاوتت بين نجاح تام واخر جزئي، في حين ان النسبة الاكبر لم تحقق شيئا بعد، حيث لا يزال التفاوض قيد الشد والجذب بين العمال واصحاب العمل.
ومن الاحتجاجات التي نجحت في تحقيق اهدافها، احتجاجات المعلمين للمطالبة بنقابة، والتي ترافقت مع اضرابات واسعة شملت انحاء المملكة.
وقد اجبرت تحركات المعلمين الحكومة على الرضوخ وتسهيل إنشاء نقابة لهم.
كما نجح عمال مصنع العربية للصناعات الهندسية في تحقيق مطالبهم وزيارة مستوى الأجور.
وهناك ايضا اعتصام موظفي وصحفيي جريدة الرأي الذي استمر شهرا كاملا حتى تمت الاستجابة لمطالبهم.
واستنادا الى بيانات المرصد العمالي، فان 20 % من الاحتجاجات قد نجحت في تحقيق غاياتها بشكل كلي او جزئي.
وفي المقابل، هناك احتجاجات لا تزال متواصلة دون بوادر واضحة على تحقيق اهدافها، وتقدر نسبتها بنحو 30 بالمئة.
اما نسبة الخمسين بالمئة الباقية، فهي احتجاجات تم تعليقها لإعطاء فرصة للمفاوضات من اجل إيجاد تسوية.
إستمع الآن