الأردنيون يرفضون شراء الشمس مجانا

الرابط المختصر

عمان – عبدالله المومني – مضمون جديد

دولتان الأولى تظهر فيها الشمس باستمرار والأخرى لا تكاد أشعة الشمس فيها تسطع. الأولى يفوق معدل الإشعاع الشمسي فيها 2000 كيلو واط ساعة لكل متر مربع سنويا، ولكن لا يتجاوز الاستثمار فيها 1%. أما الثانية فتعد نموذجاً ناجحاً لإنتاج الكهرباء من الشمس بقدرة 75 ميجاوات.

لن نكشف سرا عندما نقول أن الدولة الأولى هي الأردن. أما الثانية فالولايات المتحدة الأمريكية وتحديدا ولاية نيفادا.
المحزن أن استخدامات الطاقة الشمسية في الأردن تكاد تكون مقصورة على السخان الشمسي، وبعض النماذج النخبوية.

في محمية ضانا سطعت الشمس في بيت الشعر ليلا. يقول مدير المحمية عامر الرفوع: "حولنا الطاقة إلى أشعة الشمس بيت الشعر في مخيم الرمان داخل المحمية بعد ان كنا نستخدم الكهرباء المولدة من المشتقات النفطية".

بل انه يقول لـ "مضمون جديد" إن الجمعية الملكية لحماية الطبيعة التي أشرفت على المشروع ساعدت المحمية في وضع كاميرات مراقبة للحيوانات التي تعيش داخلها، عدا عن الاستخدام الوظيفي المعتمد كليا ًعلى النظام الشمسي. وبحسب الرفوع، فان "المحمية ابتاعت الشمس مجانا".

وبعيدا عن الأسلوب النخبوي للشمس يستخدم سمير فاعوري (42) عاما الطاقة الشمسية لمنزله من خلال تركيب السخان الشمسي، والذي وجده فاعوري، ذا قيمة توفيرية تخدم بيته من حيث التدفئة والكهرباء المنزلية.

وفق فاعوري، فخلال فصل الشتاء الماضي استفدنا من السخان الشمسي، وبذلك انخفضت فاتورة الكهرباء إلى نصف القيمة التي كانت في الشتاء الذي قبله".
فاعوري هو أرباب الأسر الأردنية التي باتت تثق بالطاقة المتجددة وتستخدمها في الحياة اليومية، حيث وصلت نسبة الأردنيين المستخدمين للسخانات الشمسية إلى 50% .

الشمس لا تمنحهم الثقة
ولكن لا يبدو أن مهمة الشمس في إقناع الأردنيين بجدواها سهلة، مثلما أن مهمتها في ساحة الحكومة تبدو أكثر صعوبة رغم التصريحات.
أم قصي (40 ) عاما وهي مهندسة معمارية ، تجد بأن تطبيق استخدام الطاقة الشمسية لا يتناسب مع البيوت العادية أو الإسكانات الموجودة حاليا، وإنما تحتاج وفق أم قصي؛ إلى عمارات ومباني جديدة تطبق فيها كودة خاصة لهذه الأمور.

وتذهب أم قصي إلى أن استخدام لمبة توفير طاقة في المنزل قد تكون افضل من تغيير كودة البناء بالكامل وهي عملية أكثر. وتحديدا بأن اغلب الغرف المنزلية بطبيعة تصاميم بيتونا تنقصها اماكن مفتوحة للشمس، معبرة أم قصي ذلك بالغرف المعيشة التي تأتي في وسط المنزل ولا تستفيد من ضوء الشمس وتحتاج إنارة الكهرباء ليلا ً نهارا ً.

فيما أبو ياسر المواطن الأردني الذي يبلغ من العمر (55) عاما يستغرب ما يشاع عن شيء اسمه "طاقة شمسية"، معتبرا ً بأنه لطالما سمع عن نية الحكومات المتعاقبة بإقامة مشاريع استثمارية بالطاقة ذاتها إلا انه لم يجد أي منها قد تحقق على ارض الواقع.
يقول لابد من تهيئة وتدريب المواطن على مفاهيم الطاقة الشمسية وكيفية استخدامها، قبل ان نبدأ باستخدامها يدويا ً تجنبا ً لأي أخطاء قد تحدث".

الحال لدى أبو محمد (47) عاما ً مختلف تماما ً عن أبو ياسر. فأبو محمد عندما تذكر الطاقة الشمسية يتخيل سطح بيته حيث توضح شرائح الخزان الشمسي.
يقول إن الشركات الخاصة بدأت تستغل المواطنين ببيع السخانات الشمسية، والتي وصل سعرها بحسب أبو محمد 570 دينارا ً، مبديا ً استغرابه من عدم الرقابة على مثل هذه الشركات، ذاهبا ً إلى أن

فكرة ترشيد الطاقة بالشمس هي يمكن تطبيقها لدى الأغنياء فقط، لأنها مكلفة على المواطن العادي . قائلا ً أبو محمد في نهاية حديثه " الشمس للبيع " !! .
هذا الشواهد تؤكد ان الجهات الرسمية ما زلت مقصرة في توفير المعلومات الكافية للمواطنين حول الطاقة الشمسية. فمن المستفيد؟

وتعد استخدامات الطاقة الشمسية في البيوت والمستشفيات وبعض المنشآت حلا ً لتكاليف باهظة يدفعها المواطنون باعتمادهم على موارد الطاقة الأخرى من الكاز والسولار وغيرها، إلا أن الاستثمار فيها وتحديدا في الأردن لم يصبح بعد مجديا ً لقلة الخطط وعدم الاستغلال الامثل ، بل ولعدم تعميم تجارب ناجحة في هذا الشأن.
ضغوط من المنظمات

واقتصرت تطبيقات الأردن بأنظمة الطاقة الشمسية على المشاريع الصغيرة، لا وربما في المؤسسات الخاصة والمصانع والمنشآت كذلك.
وبدأت المنظمات والمؤسسات الناشطة في مجال البيئة والطاقة المتجددة الضغط على المسؤولين لزيادة الثقة لديهم وتوجيههم نحو تسخير الاستفادة من استخدامات الطاقة التي تتلاءم مع بيئة المجتمع الأردني والاستثمار فيها.

هذا الاستثمار الذي لازال ضعيفا ً كما يراه رئيس المجلس الأردني للأبنية الخضراء محمد عصفور؛ حيث يؤكد على أن المجلس يدعم تبني استراتيجيات الطاقة المتجددة والمحافظة على البيئة النظيفة الخالية من التلوث ومسبباته وتنويع مصادرها خاصة الطاقة الشمسية منها.

ويجد عصفور أن الشركات التي بدأت تتبنى وتستثمر في الطاقة الشمسية مثلا ً لم تع وضع المواطن ومدى استهلاكه للطاقة وتعاملت مع المنتج والمستهلك على أنهما سلع وليس وسيلة للاستفادة عمليا ً وبيئيا ً. لذلك يقول عصفور إن المجلس بدأ بعقد دورات تدريبية للمواطنين حول المباني الخضراء وفوائدها والتطبيقات العملية للطاقة في الحياة اليومية .

كما قام المجلس - بحسب عصفور - بتوقيع عدت اتفاقيات مع منظمات داعمة ومؤسسات المجتمع المدني وأيضا مع دول أخرى؛ عدا عن الشراكة المهمة مع وزارة الطاقة لتفعيل مشاريع استثمارية " نظيفة " بالطاقة المتجددة والتي تعود بالفضل بيئيا ً واقتصاديا ً.

مشاريع حبر ع ورق

ومنذ تداول وزراء الطاقة في الحكومات المتعاقبة جرى توقيع عدد هائل من المشاريع الاستثمارية في الطاقة المتجددة وخاصة الشمسية، إلا أن جميع هذه المشاريع لم تر النور قط، بل إن أغلبها بحسب أحد المسؤولين في الوزارة ذاتها فضل عدم ذكر اسمه، كانت حبر على ورق، فنتائج دراسات الجدوى لم يتم الأخذ بها في أغلب المشاريع .

يذكر هذا المسؤول أنه في حقبة إحدى الوزراء أعلن عن مشروع لاستغلال الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء في جنوب البلاد بقدرة أولية مقدارها 100 ميجاواط وبتكلفة إجمالية تبلغ 400 مليون دولار، بالتعاون مع إحدى الشركات المنفذة الكبرى ، على تبدأ المرحلة الإنتاجية للمشروع بحلول العام 2012 ولكنها هناك مماطلة حاليا ً في التنفيذ على حد قوله .

500 ميغاواط العام 2020

ويواجه الأردن حاليا تحديات بيئية في الطاقة إذ يستورد 96 % من الطاقة التي يستهلكها، رغم أن هناك دراسة للبنك الدولي نشرت في العام 2010 أشارت إلى أن هناك إمكانية لخلق 80 ألف وظيفة في قطاع الطاقة المتجددة في خمس دول منها الأردن إضافة إلى مصر، والجزائر، والمغرب، وتونس.

واستنادا إلى الدراسة فان من هذه الوظائف 35 ألف وظيفة دائمة، من خلال مشاريع توليد الطاقة الكهربائية عن طريق الطاقة الشمسية المركزة في تسع محطات، وبقدرة 1.2 جيجاواط .
ويجد المحلل البيئي في مكتب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي باتر وردم؛ أن المستقبل في الأردن هو للطاقة المتجددة وليس الخطط التي تقوم بها الحكومة لامتلاك طاقة نووية قد تضر أكثر مما تنفع.

وتبتعد الحكومة بحسب وردم عن الاستثمار الامثل في الطاقة الشمسية والتي توقع الكثير من البيئيين أن هناك قدرة لرفع مساهمة الطاقة المتجددة في الخليط الكلي من الطاقة إلى 10 % عام 2020 منها ما يقارب 300 - 600 ميجا واط من الطاقة الشمسية .

ويختم وردم بالقول لا مجال للتأخير في السعي لامتلاك الطاقة الشمسية دالا ً على ذلك بامتلاك الأردن الكثير من الخبرات والطاقات ومما يعني بدء الحكومات للمضي بالتشارك مع البرامج الدولية والإقليمية التي تشجع على الطاقة المتجددة وخاصة الشمسية.
الشمس ما زالت بعيدة عن الأردنيين حكومة وشعبا، رغم أنها معلقة في سمائهم منذ الأزل في انتظار أن تقنعهم بنفسها.