اعلان قطاع غزة منطقة خالية من الطيور!
غزة - آية أبو شاهين - مضمون جديد
قرعت وزارة الزراعة في قطاع غزة جرس انذار باعلانها عنه منطقة خالية من الطيور، الا الدواجن، اثر انقراض طيوره المتوطنة وتحويل الطيور المهاجرة لمساراتها بعيدا عنه بعدما غدت محطاتها فيه قفارا وواحات اسمنتية.
وكما يؤكد نبيل أبو شمالة، مدير عام التخطيط والسياسات في وزارة الزراعة بغزة لمضمون جديد، فان "غالبية الطيور انقرضت" نتيجة الدمار الذي الحقه الاحتلال ببيئة القطاع وكذلك الزحف العمراني الشرس على الرقعة الخضراء، سواء الزراعية او الحرجية.
ويعد القطاع من اكثر مناطق العالم ازدحاما بالسكان، وتبلغ نسبة الزيادة في معدلات الطلب على المساكن فيه 5% سنويا.
وعاما بعد عام، يتزايد عدد سكان قطاع غزة (حاليا 1.7 مليون نسمة)، فيما لا تتغير مساحته البالغة 378 كلم.
وكما يلفت ابو شمالة فان الزحف العمراني كان قد تسارع بوتيرة خطيرة جدا عقب الحصار الذي فرضته اسرائيل على قطاع غزة وثم الحرب التي شنتها عليه عام 2008.
ويوضح ان أفق الاستثمار في القطاع انحسر بفعل الحصار، وتركز في مجالات قليلة منها قطاع العقار الذي اتجه اليه المستثمرون بقوة، ما ادى إلى زيادة الطلب على الأراضي ورفع اسعارها وتشجيع الناس على بيع أراضيهم.
وقد اسهم الحصار الذي سد منافذ التصدير وجعل العمل في القطاع الزراعي بالتالي محفوفا بالخسائر، في دفع اصحاب الاراضي الزراعية الى التخلي عنها وبيعها للاستعانة باثمانها على تكاليف الحياة الصعبة.
ومن هؤلاء محمد ابو زايد من المحافظة الوسطى لقطاع غزة، والذي كان يمتلك قرابة 100 دونم، يزرع جزءا منها بالحمضيات والزيتون والنخيل، ويستغل الباقي في زراعة أنواع الخضروات الأساسية.
يقول ابو زايد لمضمون جديد انه باع معظم هذه الأرض لأسباب مادية أهمها قلة الدخل ونقص العمل، علاوةً على بنائه منازل سكنية لابنائه على مساحة من الأرض، وبناء مصنع للمواد الغازية والجيلاتي عمل لفترة محدودة وتم إغلاقه بسبب الحصار.
وفي حالة مشابهة، اضطر احمد زينة من سكان شرق مدينة غزة الى بيع ارضه البالغ مساحتها 15 دونما على فترات خلال سنوات الحصار.
وكما يبين زينة لمضمون جديد، فقد اضطر الى بيع ارضه بعدما فقد مصدر دخله، وكان المشتري مقاولا اقتلع أشجار الحمضيات التي كانت تزين الأرض وقسمها إلى قطع للبيع من أجل بناء وحدات سكنية عليها.
احتلال مدمر
بحسب ما يؤكده تقرير لوزارة الزراعة في غزة، فقد كان للاحتلال الاسرائيلي واجراءاته العدوانية دور واضح في القضاء على القسم الاعظم من الرقعة الخضراء والتنوع الحيوي في القطاع.
ويوضح التقرير ان اسرائيل ومنذ احتلالها للقطاع عام 1967شرعت في بناء اسيجة مكهربة وجدران عازلة قطعت التواصل الطبيعي لقطاع غزة مع عمقه البيئي في فلسطين المحتلة.
ومن ذلك الحين بدأت العديد من انواع الحيوانات البرية بالانقراض بوتيرة عالية وعلى وجه الخصوص الثدييات كالغزال والثعلب الأحمر وابن آوى والقط البري والشيهم.
وتفاقمت الأزمة حين بدأت قوات الاحتلال ما تسميه بالمطاردة الساخنة بعد تطبيق اتفاقية "أوسلو" للسلام مع منظمة التحرير الفلسطينية، حيث شرعت في تجريف المناطق الزراعية والحرجية وبساتين الفاكهة والحمضيات وشق الطرق العشوائية.
والى جانب المحاصيل الزراعية واشجار الفاكهة والحمضيات، يشتهر قطاع غزة باشجار برية مثل الكينيا والأكاسيا والجميز والسرو والآثل والنبق والخروع والغيلانا.
ونتيجة الاعتداءات وعمليات التجريف التي قامت بها اسرائيل، فقد تعرضت مواطن تكاثر وإقامة الحيوانات الثديية الكبيرة الى الدمار الذي شمل ايضا مواقع تكاثر العديد من أصناف الطيور المقيمة، ومحطات استراحة الطيور المهاجرة، التي اضطرت لتغيير مساراتها بعيدا عن القطاع.
وجاءت ضربة قاصمة اخرى مع نجفيف وادي غزة وقطع إمداده السنوي من المياه القادمة من الشرق، الامر الذي ادى الى تدمير بيئة المناطق الرطبة الوحيدة في غزة.
انقراض وهجرة
وكما يؤكد نزار الوحيدي مدير عام التربة والري بوزارة الزراعة في غزة لمضمون جديد، ففد شكل اغلاق اسرائيل لمجرى وادي غزة العامل الأهم في تحويل مسار هجرة الطيور بعيدا عن القطاع.
وقال ان "إغلاق الكيان الصهيوني لمجرى وادي غزة إغلاقاً شبه دائم عبر بناء السدود التخزينية على فرعي الوادي الأكبرين وهما وادي الشريعة شمالاً ووادي الشلالة جنوباً حول وادي غزة إلى حفرة جافة وجعل الطيور المهاجرة تتجه بعيدا عنه الى البحيرات الصناعية والسدود التخزينية في داخل فلسطين".
واشار الوحيدي كذلك الى الصيد الجائر باعتباره عاملا اخر من عوامل اختفاء الطيور المهاجرة من القطاع.
وأكثر الطيور المهاجرة التي كانت معروفة في القطاع هي الطيور المائية كالبط و الإوز و البجع وغيرها و التي كان وادي غزة محطة استراحتها الرئيسية.
ومن المعروف عن القطاع انه كان يتواجد فيه نحو 120 نوعا من الطيور، ما بين مقيمة ومهاجرة.
وتشكل فلسطين بعامة موطنا ومحطة لنحو 540 نوعا من الطيور، منها 270 نوع مقيم، والباقي مهاجر يقصد المنطقة في الفصلين الدافئين -الخريف والربيع-.
من جهة اخرى، فقد اكد الوحيدي ان المنطقة العازلة التي اقامتها اسرائيل على مناطق التماس عند حدود قطاع غزة قد وجهت ضربة كبيرة للرقعة الخضراء والزراعية واسهمت بالتالي في اختفاء وانقراض العديد من الطيور والحيوانات والزراعات.
وتمتد المنطقة العازلة بعمق نصف كيلومتر داخل قطاع غزة وذلك بمساحة تصل الى نحو 19200 دونم.
وتشكل هذه المنطقة ما نسبته 7 بالمئة من مساحة القطاع البالغة 196 كلم2، وتشتمل على قرابة 25 بالمئة من رقعته الخضراء والصالحة للزراعة,
وخلال الحرب الاخيرة التي شنتها اسرائيل على القطاع، تعرضت ما نسبتها 29 بالمئة من المساحة الصالحة للزراعة في القطاع الى التدمير بدرجات متفاوتة.
وقال الوحيدي في اشارة الى المنطقة العازلة ان "تحييد منطقة زراعية كبيرة وإخراجها من دائرة الإنتاج الغذائي شكل أكبر ضربة توجه إلى النشاط الزراعي في القطاع".
واضاف ان البلديات والوزارات الراعية للمناطق الصناعية والمنشآت الموجودة في منطقة التماس وقربها اضطرت الى نقل انشطتها بعيدا، وكان توجهها في الأساس إلى المناطق الزراعية.
وقال انه بعد العدوان على قطاع غزة في 2008 اضطرت اللجنة المركزية لتنظيم المدن في القطاع إلى مخالفة المخطط المركزي المتفق عليه عام 1996م ونقلت مصانع الباطون والكسارات وبعض الأنشطة الأخرى التي كانت محددة بالمنطقة الصناعية إلى الأراضي الزراعية ما شكل عبئاً كبيراً على كثير من المساحات الزراعية.
جريمة احتلال
من ناحيته، ذكر خليل النمروطي، الخبير الاقتصادي ومشرف الدراسات العليا بكلية التجارة بالجامعة الإسلامية بغزة أن الأراضي الزراعية في المنطقة العازلة والمحاذية للحدود تمتاز بكونها ذات تربة عالية الخصوبة وتصلح لزراعة العديد من المنتجات كالحمضيات واللوزيات والزيتون.
وأوضح أن عمليات تجريف المساحات الزراعية زادت بعد العدوان الإسرائيلي الأخير وبالأخص المساحات التي تنمو فيها أشجار عالية مثل الحمضيات.
وقال ان ذلك أثر على السلة الغذائية بارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج وانخفاض كمية الإنتاج مما انعكس سلباً على أسعار السلة الغذائية، إضافةً إلى فقد المزارعين لأعمالهم بدون تعويضهم، واعتمدت شريحة كبيرة منهم على المساعدات للاستمرار في حياتهم، علاوةً على الاعتماد على استيراد كميات كبيرة من المواد الزراعية والحمضيات من إسرائيل ومن الأنفاق.
وقال النمروطي أن وزارة الزراعة بغزة اتبعت سياسة جديدة، هي استصلاح جزء من أراضي المحررات (المستوطنات التي اخلتها اسرائيل) وزرعها بأنواع مختلفة من الفواكه والعنب والمانجو، للتخفيف إلى حد ما من الواردات الخارجية وتغطية جزء من سلة الاستهلاك.
وبين أنه من المتوقع بعد 5 أو 6 سنوات أن تصبح كمية الفواكه المنتجة من المحررات تغطي سلة الاستهلاك.
وفيما يبذل الفلسطينيون جهودا حثيثة لمحاولة انقاذ ما يمكن انقاذه، وربما استعادة بعض ما فقد من التنوع الحيوي، الا ان اسرائيل تظل لهم بالمرصاد.
فحتى عندما قاموا بانشاء حدائق للحيوان وضعوا فيها الانواع المهددة بالانقراض من اجل تعريف سكان القطاع والاطفال بالذات على عناصر التنوع الحيواني في البيئة الفلسطينية، عمدت الة الاحتلال العسكرية الى تدميرها، كما حدث مع حديقة الحيوان في رفح.
فقد تعرضت هذه الحديقة بما فيها من حيوانات الى الابادة مرتين اولاهما عام 2004 والثانية خلال حرب 2008.
وتشير التقارير إلى أن 95 بالمئة من حيوانات الحديقة، ومن ضمنها الطيور، جرى قتلها دهساً بالآليات ورميا بالرصاص.خلال العدوان الاخير على القطاع.
إستمع الآن