اسرائيل تطارد حلم بدو الاغوار الفلسطينية بالطاقة البديلة

الرابط المختصر

الضفة الغربية - قيس أبو سمرة - مضمون جديد

تحول بركس الصفيح الذي يقيم فيه نايف الفقير مع اسرته في خربة المالح في منطقة الاغوار الشمالية بالضفة الغربية الى "جنة" كما يقول، بفضل الخلايا الشمسية التي انارته بعد سنوات من الظلمة.

لكن هذه الجنة المتواضعة مهددة بالتلاشي في كل لحظة على يد اسرائيل التي قررت حرمان مضارب البدو في الاغوار الفلسطينية ومن ضمنها خربة المالح من هذه النعمة، امعانا في التضييق عليها ولدفع اهلها الى الهجرة عنها.

وتقع خربة المالح على بعد 18 كيلومترا إلى الشرق من مدينة طوباس، ويقطنها نحو 200 نسمة.

وهي واحدة من 48 تجمعا بدويا في الاغوار الشمالية يطلق عليها اسم مضارب، وتقيم فيها عائلات فلسطينية في بيوت شعر وبركسات صفيح، وذلك في ظل انعدام لكل اشكال البنية التحتية.

وتقوم اسرائيل من حين الى اخر بهدم بركسات وخيم وسقائف للماشية في هذه المضارب، واحيانا مضارب باكملها، وتشرد اهلها بحجة انها مقامة من دون ترخيص.

وتقع هذه المضارب ضمن منطقة "ج" التي تخضع للسيطرة الادارية والامنية الاسرائيلية بحسب اتفاقات "اوسلو" للسلام مع منظمة التحرير الفلسطينية.

ويعني هذا أن على الفلسطينيين المقيمين فيها أخذ الإذن من الإدارة المدنية الإسرائيلية لأغراض البناء والإنشاء.

ونحو 95 بالمئة من اراضي الاغوار هي ضمن مناطق "ج" حيث تسيطر المجالس الإقليمية للمستوطنات على 50% منها، في حين تصنف 44% من المساحة باعتبارها مناطق عسكرية مغلقة

كسر العزلة

يقول نايف الفقير (30 عاما) "ولدت هنا في خربة المالح وكذلك والداي، وعشنا من تربية الماشية والزراعة، وعلى مدى سنوات طويلة حرمنا الاحتلال من اسباب الحضارة، حيث منعنا من مد خطوط الكهرباء والمياه وحتى شق الطرق".

والحياة في خربة المالح اشبه بالعزلة كما يصفها نايف الذي لم يرد لابنائه ان يعيشوا حبيسي هذه العزلة وقرر بالتالي محاولة كسرها.

ويقول "نحن هنا في عزلة تامة لا نشاهد سوى آليات عسكرية أو مركبات تمر من الشارع العام، وفي جوارنا مستوطنات تعد جنة خضراء تنار ليل نهار".

ويضيف "لم اكن اريد لابنائي أن يكبروا في هذه العزلة ومن دون أن يتعلموا أو يشاهدوا التلفاز، أريد أن أنير لهم ليلهم لكي يتمتعوا بحياتهم".

ولتحقيق هذه الغاية، يقول نايف انه اشترى "لوحين من الخلايا الشمسية بمبلغ يصل إلى ثلاثة آلاف شيكل (نحو 800 دولار) إضافة إلى بطاريات تقوم بتخزين الكهرباء خلال ساعات النهار من اجل ان نستخدمها لإنارة البركس ليلا وتشغيل تلفاز صغير".

ويقول الرجل بنبرة تنم عن رضا "أبنائي بهروا عندما شاهدوا التلفاز اول مرة، والان باتوا يتعلمون الكثير ويتعرفون على العالم من حولهم".

ومن جانبها، تثني صبحة ابنة نايف، وهي طالبة في الصف الاول الابتدائي، على كلام والدها قائلة أنها سعيدة جدا لانه اصبح في مقدورها مشاهدة التلفاز وتحضير دروسها وحل فروضها ليلا بعدما كان ذلك متعذرا في ظل انعدام الكهرباء.

وتضطر صبحة في كل يوم الى ان تستقل سيارة توصلها الى مدرستها في بلدة التياسير التي تبعد حوالي سبعة كيلو مترات بسبب عدم وجدود مدارس في المنطقة لان اسرائيل تمنع انشاءها.

ولخشيته من ان تطال يد التدمير الاسرائيلية الواح الخلايا الشمسية، فقد عمد نايف الى تركيبها بطريقة تمكنه من ابعادها سريعا عن الات الهدم التي تشكل زائرا ثقيلا وشبه دائم في المنطقة.

وهو كما يخبرنا، يخشى على الخلايا الشمسية اكثر من خشيته على البركس الذي سبق ان هدمته اسرائيل خمس مرات، فهي الى جانب قيمتها المادية، تتضمن قيمة حياتية تتفوق بكثير على البركس الذي يمكنه اعادة بنائه ببساطة.

ويقول ان "الخلايا سهلة النقل وقد وضعتها على عمود يمكن حله بسهولة خوفا من أن تتعرض للتخريب من قبل جرافات الاحتلال التي تأتي دوما إلى المنطقة وتهدم مساكن وبركسات المواطنين".

ذات الامر فعله جاره معتز دراغمة الذي يقيم مع اسرته في خيمة متواضعة.

يقول معتز "قبل نحو شهرين هدمت الجرافات منازل في المضارب القريبة منا فقمت على الفور بفك الألواح الشمسية وإخفائها خشية تعرضها للمصادرة أو التخريب من قبل جنود الاحتلال".

ويضيف معتز بالم "العالم بات يفكر في العيش على كواكب أخرى وتوصل إلى كافة أنواع التكنولوجيا بينما نحن ممنوعون من الكهرباء، ونعيش مع ابنائنا في الزمن الحجري".

ويعتمد بعض سكان خربة المالح والمضارب الاخرى، على مولدات تعمل بالبنزين، لكنها مكلفة كما يقول رياض كامل، احد سكان الخربة الذي تحول الى استخدام الخلايا الشمسية.

يقول رياض "كنت استخدم مولدا يعمل بالبنزين، إلا أنني لم استطع الاستمرار في ذلك لارتفاع تكلفة تشغيله، واليوم استخدم الخلايا الشمسية التي توفر الطاقة بالمجان بعد دفع ثمنها الأولي".

وبسبب القيود والملاحقات الاسرائيلية، فانه والى الان لم تتمكن سوى عشر عائلات فقط في خربة المالح من اقتناء خلايا شمسية.

تربص اسرائيلي

منذ اكثر من عام اعلنت السلطة الفلسطينية عن مشروع يهدف الى مساعدة سكان المضارب على اقتناء خلايا الطاقة الشمسية، لكن المشروع يواجه عراقيل اسرائيلية، بحسب رئيس مجلس منطقة المالح والمضارب البدوية في الأغوار الشمالية عارف دراغمة.

وكما يوضح دراغمة، فان "المشروع يواجه إشكاليات مع جيش الاحتلال الذي يرى التطور في المضارب بمثابة الصمود على هذه الأرض التي يعمل على إفراغها من السكان".

ولا يخفي دراغمة مخاوفه من تدمير اسرائيل للمشروع الذي وصفه بانه "حيوي بالنسبة للسكان الذين يعيشون في ظلام دامس، كما أنه مشروع وطني يعزز صمودهم والبقاء في الأراضي المهددة بالمصادرة".

وكان الفلسطينيون قد سجلوا نجاحات في السابق في مجال استخدام الخلايا الشمسية منها مشروع إنارة قرية امنيزل جنوب مدينة يطا بمحافظة الخليل عبر نظام خلايا شمسية مركزي، وذلك رغم تهديد اسرائيل بازالة هذه الخلايا.

وعلى صعيده، قال المدير التنفيذي في شركة كهرباء طوباس فرحان السودة لـ"مضمون جديد" إن "العمل يجري على تنفيذ مشروع خلايا شمسية بقيمة 20 إلف دولار في عدد من المضارب البدوية من تنفيذ مركز الأبحاث بجامعة النجاح الوطنية في نابلس ودعم مؤسسة اسبانية".

وياتي هذا المشروع في اطار 'المبادرة الشمسية الفلسطينية" التي تستهدف تزويد 1000 منزل في الضفة الغربية بخلايا الطاقة الشمسية، وذلك على ثلاث مراحل ولمدة ثلاث سنوات من 2012 حتى 2014.

وبحسب السودة، فان الجزء الخاص بالمضارب البدوية في الاغوار يتضمن "نصب خلايا شمسية متفرقة لكل منزل على حدا بدلا من إنشاء مشروع متكامل لكل المضارب قد يصبح مهددا بالهدم والتخريب والمصادرة لعدم وجود ترخيص إسرائيلي".

وقال أن "الشركة وبتوجيهات من سلطة الطاقة في السلطة الفلسطينية تعمل ضمن نظام –البالون- أي إيصال الخدمات إلى أي مكان يمكن أن نصله بشكل فردي وليس جماعي".

وكانت اسرائيل قد سارعت قبيل انطلاق المشروع الى محاولة افشاله، فاشترطت حصول من يرغب بتركيب خلايا شمسية على تصريح منها وضمن اشتراطات تكرسها باعتبارها المرحع في هذا الشأن وليس سلطة الطاقة الفلسطينية.

على ان هذه المحاولات لم تثن الفلسطينيين عن سعيهم لاتمام المشروع، حيث يؤكد مدير مركز الأبحاث في جامعة النجاح الوطنية عماد بريك لـ"مضمون جديد" ان المشروع انتهى من مرحلة الدراسة وبدأ بمرحلة إعداد اللوحات (الخلايا الشمسية) وخلال ستة شهور سيصبح واقعا على الأرض يلمسه المواطن في المضارب.

وفي خربة الفارسية المجاورة للمالح، يعبر محمود جودت عن امله في أن يصبح المشروع واقعا، ويقول "ننتظر تلك اللحظة بفارغ الصبر، فشهر رمضان قادم ويحتاج الناس ولو لشربة ماء باردة، والكهرباء ستغير حياتنا إلى الأفضل. نريد أن يعيش أبناؤنا عالم التطور هنا على أرضنا لا نريد أن نهجرها لكي نعيش التطور".

أما جارته أم إيهاب، فتقول "عشنا سنوات طويلة في خيمتنا على ضوء الكاز والغاز، وقبلها سراج الزيت وضوء القمر، وكنا نظل كالعميان حتى الفجر"

وتقول ام ايهاب وهي تتنهد "نأمل إن تأتينا الكهرباء ونعيش حياة أفضل. ولكن أخشى أن يعمل الاحتلال على إفشال المشروع".

أضف تعليقك