أخطاء فادحة تشوّه ربيع الخطاطين في الاردن

الرابط المختصر

عمان –مضمون جديد – زبيده الهواري

تعج الشوارع وواجهات المحال التجارية في الاردن بلافتات اعلانية تشوه بعضها اخطاء لغوية واملائية فادحة يرتكبها خطاطون انتعشت مهنتهم في ظل حركة تجارية مزدهرة وتظاهرات مطلبية وسياسية حركها الربيع العربي.

ولا تقتصر هذه الاخطاء على اللغة العربية، بل تشمل ايضا الانجليزية التي يميل كثير من اصحاب المصالح التجارية الى استخدامها في لافتاتهم لاعتقادهم بانها تزيد من الجاذبية للزبائن.

وكما يمكن ملاحظته، فقد كانت بعض الاخطاء كفيلة بتحويل مصالح تجارية محترمة الى "اضحوكة" ومدار للتندر، مع ما يعنية ذلك من تراجع لثقة زبائنها وكذلك ارباحها.

ويكمن سر بقاء هذه اللافتات في مكانها وعدم لجوء اصحابها الى تغييرها، في حقيقة انهم سيكونون مضطرين لتكبد ثمن لافتات جديدة بدلا منها في ظل رفض الخطاط الاقرار بخطئه وتحمل مسؤولية اصلاحه.

على ان هناك اخطاء عصية على التبرير ولا يمكن ان تعزى الى اللغة او الاملاء، ومنها ما حصل مع محمد السيد، وهو صاحب محل للاجهزة الخلوية في منطقة القويسمة في عمان.

يقول السيد "طلبت من احد الخطاطين ان يعد لافتة للمحل، وقد كلفني ذلك 80 دينارا، ولكن الذهول انتابني عند استلامي للافتة التي تبين انها تحمل اسما اخر غير اسم محلي الموجود في الترخيص".

ويضيف السيد لـ"مضمون جديد" ان الخطاط رفض الاعتراف بخطئه وادعى أن هذا الاسم هو الاسم الذي سلم اليه".

وبحسب ما يخبرنا، فقد استسلم للامر الواقع وهو لا يفكر في رفع قضية ضد الخطاط "لأنها ستبقى عالقة بين المحاكم أعواما طويلة".

وقد اضطر السيد الى طلب لافتة جديدة تحاشيا لايقاع غرامة بحقه من الجهات الرقابية بسبب اختلاف اسم المحل في الترخيص عن الاسم الموجود على اللافتة.

وكما ان اخطاء الخطاطين تشمل الشركات والمصالح التجارية، فانها تنسحب ايضا على المواطنين العاديين الذين قد يضطرون الى خدماتهم كاعداد بطاقة فرح او لافتة لمناسبة او حتى وسيلة تعليمية كما هو الحال مع سلوى المعايطة وهي أم لثلاثة ابناء.

تقول سلوى لـ"مضمون جديد" انها لجأت الى احد الخطاطين من اجل اعداد وسيلة تعلمية طلبتها المعلمة من ابنتها، وقد كلفها ذلك خمسة دنانير اقتطعتها من ميزانية بيتها.

وتضيف انها بعد استلامها للوسيلة التعليمية لاحظت فيها أخطاء إملائية, وعندما ردتها الى الخطاط رفض اصلاحها، الامر الذي اضطرها الى ان تقصد خطاطا اخر والى ان تدفع كلفة الوسيلة التعليمية مرة اخرى.

مواسم وربيع

بحسب بعض الارقام غير الرسمية، فان عدد من يمتهنون الخط في الاردن نحو 300، وغالبيتهم باتت الان تستخدم برامج الكومبيوتر في عمليات اعداد اللافتات واللوحات وغيرها من المواد الاعلانية.

وفي الوقت الذي يعمل فيه بعض هؤلاء ضمن شركات تتولى خصوصا تنفيذ الحملات الاعلانية الكبيرة، الا ان الغالبية تعمل في اطار ضيق وفي محال صغيرة تنتشر في انحاء المملكة.

وكما ان لكل مهنة موسما في الاردن، فان مهنة الخطاطين تنتعش خلال الانتخابات سواء البلدية او النيابية او النقابية وغيرها.

ولان الطلب يشتد على الخطاطين خلال مواسم الانتخابات وخاصة النيابية والتي يصل معدل حجم الانفاق فيها على الدعاية الى نحو 15 مليون دينار، فان الامر يغري الكثيرين ممن يحسنون الخط ولا يحملون تراخيص رسمية، والذين يقومون بالعمل من منازلهم ومن محال غير مرخصة.

وفي العادة فان الطلب على الخطاطين يتراجع بعد انتهاء الانتخابات، ما يضطر الكثيرين الى البحث عن مصدر دخل اخر في انتظار الانتخابات التالية، والتي قد تكون بعد عامين او اربع، بحسب الظرف السياسي في البلاد.

ولكن مغ انطلاق الاحتجاجات السياسية والمطلبية التي تستلهم الربيع العربي منذ نحو عامين فقد بات موسم الخطاطين مستمرا على مدار العام، بسبب الطلب على اليافطات التي ترفع خلال الاحتجاجات.

هذا الامر يؤكده الخطاط حمزة النوايسه (44 عاما) من محافظة الكرك والذي قال لـ"مضمون جديد" ان العديد من الخطاطين أغلقوا محلاتهم نتيجة قلة الإقبال عليهم، ولكن "بعد أن ازدادت المسيرات في الأردن, نتيجة لما يحدث, ازداد الإقبال على محلات الخطاطين".

واضاف النوايسة "لطالما حلم الخطاطون أن يكون لهم موسم مليء بالعمل والإنتاج. والان جاء الربيع العربي بموسم مازال دائما لهم على مدار العام".

حاجة واستغلال

ومن جهته، يؤكد الخطاط عثمان الزغول (25 عاما) من محافظة أربد ,"لمضمون جديد" أن هناك أشخاصا التحقوا بدورات تعليم الخط العربي لاستثمار فرصة هذه الاحتجاجات، حيث يقومون بإنتاج يافطات داخل منازلهم دون فتح محلات او الحصول على تراخيص

وناشد الزغول الجهات المختصة حماية الخطاطين المرخصين من المنافسين لهم ممن يعملون في المنازل دون تراخيص رسمية.

وعلى صعيده، فان الخطاط ايمن المرافي (48 عاما) من محافظة الطفيلة يؤكد انه يتحاشى كتابة اليافطات التي تتجاوز الخط الأحمر, وتمس أمن الدولة وترفع في المسيرات التي تقام في المحافظة, خوفاً على نفسه من الملاحقة القانونية.

ويقول المرافي لـ"مضمون جديد" أن "العديد من الخطاطين لا يميزون بين الخطوط الحمراء وغيرها, بل يكتبون ما يطلب منهم. والمسألة بالنسبة لهم هي مهنه ومصدر رزق ولا علاقة لها بما يحدث".

ومن جانبهم، يتذمر ناشطون في الحراكات الشعبية من استغلال بعض الخطاطين الذين يغالون في الاسعار، الى جانب الاخطاء التي يرتكبونها عند كتابة اليافطات.

وعن ذلك يقول الناشط محمد البشابشة لـ"مضمون جديد" ان "هناك استغلالا ورفعا لأسعار اليافطات من قبل الخطاطين ".
ويضيف ان بعض اليافطات "لا تخلو من الأخطاء الإملائية التي تنعكس سلباً على ما نهتف به، ما دفعنا ذلك إلى الاتجاه لتعبير عن أرائنا بالكتابة اليدوية على الكرتون, فهي أفضل بكثير من اليافطات المليئة بالأخطاء الإملائية".

وتبلغ كلفة اليافطة من القماش العادي والمنفذة يدويا والتي تصل اطوالها الى خمسة مترات في 90 سنتيمترا حوالي عشرة دنانير، فيما يبلغ سعر المتر الواحد من اليافطات المطبوعة الكترونيا حوالي خمسة دنانير .

نتيجة مؤلمة

وكما يؤكد المستشار الاقتصادي والباحث الاجتماعي الدكتور شفيق الدويك فقد "كان لافتاً للنظر أن الكثير من اللافتات التي يحملها المشاركون في الحراكات الشعبية وحتى التعليقات التي تكتب عبر صفحات التواصل الاجتماعي مليئة بالأخطاء الإملائية".

ويقول الدويك لـ"مضمون جديد"، ان هذه الاخطاء "تقودنا إلى نتيجة مؤلمة، مفادها أن تقصير الأسرة والمدرسة والمعهد والجامعة تجاه المحافظة على كيان لغتنا العربية العظيمة كان ولا يزال شديدا".

ويضيف ان "عبارات اللافتات دلت كذلك على مستوى ثقافي مورق, وذلك لسبب رئيسي هو عدم استعداد الغالبية لفتح بوابات عقولهم لاستقبال فضائل الثقافة, وأن تم ذلك من قبل الأقلية فإن جودة الفضائل متدنية".

وايضا، يرى أستاذ اللغة العربية في الجامعة ألمستنصرية وسام البكري, أن "الخطاطين التجاريين ازدادت إعدادهم, وهم يدعون الخط بلا علم اللغة, بل ويجهلون قواعد اللغة العربية والنحو والبلاغة، وهذا هو السائد لقلة الوعي وانعدام الرقابة اللغوية الرسمية".

وعلى ما يوضحه رئيس جمعية الخطاطين الاردنيين احسان تركماني في تصريحات صحفية، فان "الخطاطين المتعارف عليهم بانهم يعملون بايديهم لا يشكلون اكثر من 20 بالمئة من مئتي خطاط مسجلين في الجمعية, حيث اصبح غالبيتهم عبارة عن منفذين لبرامج الكمبيوتر , فيما يعد الخطاط الحقيقي الذي يمارس مهنته يدويا الان ندرة".

والجمعية التي تأسست عام 1993 تضم في عضويتها حوالي 300 فنان أردني، إضافة إلى عدد من أعضاء الشرف من مختلف الدول العربية، وتهدف إلى إبراز جماليات الخط العربي باعتباره أحد مكونات الهوية العربية الإسلامية.