«النووي الأردني»..4 مليون مواطن في دائرة الخطر حال وقوع خطأ
رائد رمان
70 في المئة من سكان الأردن في دائرة الخطر. كما ان هناك شكوكاً في أن 70% من الذرية التي يفترض ان ينجبها الأردنيون ستولد مشوهة، وما يقرب من 60% من أراضي المملكة الزراعية ستتحول الى أراض بور، بينما ستنهار من 50% من البنى الصناعية الاردنية، الى جانب «السياحة». هو مشهد ربما أقل ما يمكن أن يحدث في حال وقوع أي حادث من المستويات 4- 7 على مقياس الحوادث الدولي، للمفاعل النووي المنوي إقامته في المملكة، في الوقت الذي يقول فيه مدير الطاقة النووية واليورانيوم الأسبق الدكتور علي المر لـ «مضمون جديد»: «احتمال وقوع الحوادث يظل قائما، أما في الاردن فهو كبير جدا.. هل نحن بحاجة الى هم جديد؟». يقول كبير مستشاري برنامج الأمم المتحدة الانمائي سفيان التل لـ»مضمون جديد»: «كوارث بيئية وحوادث نووية وخطورة متمثلة بالمواد المشعة السامة كاليورانيوم المخصب، اضافة الى أخطار محدقة بالبلاد من الناحية الاقتصادية والبيئية؛ جراء إقامة المفاعل النووي الأردني». مدير دائرة البيئة الأسبق في وزارة البيئة سفيان التل يعتبر معارضاً شديداً لإقامة المفاعل النووي الاردني، استنادا إلى انه -كما يقول– له مخاطر فنية كبيرة محتملة يكتنفها بناء المفاعل «جراء الزلازل أو سوء إدارة أو عمل إرهابي». التل يقول: «إن الدول المتقدمة تضع خطط استراتيجية للتخلص من المفاعلات النووية رغم أزمة الطاقة العالمية؛ خوفا من ضخامة نتائج الكوارث النووية، بينما نقوم نحن بالبدء في بناء الكارثة!». وشدد على أن احتمالات المخاطر عالية؛ لكونها ممكنة، بل تزداد في حالة الأردن الذي يقع في منطقة نزاع، وعلى خطوط التماس مع الكيان الصهيوني الذي يعتبر مصدر الأزمات في المنطقة، حيث إن احتمالات خلق ظروف هجوم إرهابي على المفاعل النووي كردود أفعال متطرفة واردة جدا -على حد تعبيره-.
لا ضمانات للسيطرة الكاملة
التل يرفض إقامة المفاعل النووي في البلاد؛ خوفا من عدم السيطرة على المفاعل النووي. ويقول إن زلزال اليابان وما تبعه من أحداث في محطة فوكوشيما النووية اليابانية، جعل دول العالم المتحضر تبحث عن آليات وبدائل للمشاريع النووية وإيقافها؛ نظراً للخطورة الكبيرة التي تشكلها، مشيرا إلى وقوع اكثر من 750 حادثة نووية تركت العديد من الآثار السلبية في الدول والمجتمعات التي وقعت فيها. وتابع المقرر العام لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة التل أن أسباب رفضه المشروع تتمثل بأن منطقة العقبة، المرشحة لإقامة المفاعل على أرضها تعتبر منطقة غير مستقرة زلزاليا، مبينا انه تم تسجيل أكثر من 1600 زلزال في المنطقتين ذاتهما، متسائلا في الوقت ذاته عن طرائق توفير كلفة المشروع المادية المرتفعة التي ستصل حسب توقعات رسمية إلى 10 مليارات دولار في بلد تعاني من عجز مالي ودين خارجي وداخلي كبير. واعتبر أن إقامة المفاعل أمر يحتاج إلى كميات كبيرة من المياه للتبريد، وهذا ما يفتقد إليه بلد مثل الأردن قليل وضعيف الموارد المائية، مشيراً إلى أن ادعاء المسؤولين أن مياه منطقة الخربة السمراء العادمة ستفي بالغرض في حال تم بناء المفاعل في محافظة المفرق القريبة من الخربة السمراء، بناء على أن هناك مفاعلات نووية تابعة للولايات المتحدة يتم تبريدها بالمياه العادمة أمر مرفوض وغير صحيح -على حد قوله-. ولفت إلى أن هذا الأمر إن كان صحيحاً ويتم في الولايات المتحدة، فإن هذه المفاعلات تعتبر من الأجيال القديمة التي تعتبر خارج الخدمة، وهذا ما يناقض كلام المسؤولين القائمين على المشروع النووي والمروجين لفكرته وإقامته، معتبرا في الوقت نفسه أنه لا يوجد لدى الحكومة الأردنية دراسة جدوى اقتصادية من وراء المفاعل النووي. وبحسب التل، فإن المفاعل بحاجة إلى المياه؛ حيث يحتاج كل مفاعل إلى 100 مليون متر مكعب من المياه لتبريد المفاعل، وهو أمر لا يستطيع الأردن بموارده المائية تأمينه في ظل شح المياه الذي يعاني منه المواطن الأردني، مما ينتج آثارا سلبية في قطاع الزراعة الذي ستنخفض حصته المائية، وإلى زيادة أسعار المنتجات الزراعية تبعا لذلك. وتساءل عن كلفة نقل وتخزين وتأمين مخلفات المفاعل، وأين سيتم تخزين هذه المخلفات النووية، وإن كان هنالك إجراءات خاصة لنقلها وتخزينها، وفيما إن كان يحتاج إلى حماية عسكرية جوية خاصة، مشيرا إلى أن وجود المفاعل النووي في منطقة كالمفرق أو العقبة تمتازان بكثافة سكانية عالية، أمر خطير في ظل حدوث أي تسرب إشعاعي.
مطالب بالتراجع عن المشروع
لذلك يطالب التل الحكومة بالتراجع عن مشروع الطاقة النووية، واتخاذ كافة الاجراءات والتدابير التي تضمن الاتجاه والتحول نحو الطاقة المتجددة والنظيفة، والبعيدة كل البعد عن الطاقة النووية، مؤكدا أن الأردن يملك من الثروات الطبيعية والقدرات ما يؤهله إلى إيجاد بدائل أفضل، وأكثر مناسبة للواقع البيئي من الطاقة النووية. فيما يذكر أن البرنامج النووي الأردني يتكون من مشروعين رئيسيين؛ مشروع إنشاء محطة الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء، وإزالة ملوحة المياه باستخدام المفاعلات النووية، ومشروع استغلال الثروات النووية الطبيعية الموجودة في الأردن، وعلى رأسها اليورانيوم. ويتضمن البرنامج النووي الأردني بناء مفاعل بحثي بقدرة 5 الى 10 ميغاوات، ليكون جزءا هاما من البنية التحتية للتكنولوجيا النووية، ونقطة الارتكاز لمركز العلوم والتكنولوجيا النووية، فيما سيستخدم المفاعل البحثي لتدريب جيل جديد من العلماء والمهندسين النوويين، ولتقديم الدعم لمختلف الخدمات الطبية والصحية والزراعية والصناعية. وتخطط هيئة الطاقة الذرية لبناء مفاعل ثان في مدة تتراوح ما بين عامين وثلاثة أعوام من بدء العمل بإنشاء المفاعل الأول، يرتبط عمله بتزويد مشروع لنقل المياه من البحر الأحمر بالطاقة الضرورية لتحليتها وضخها. بينما تشتمل الخطة الطويلة الأجل للبرنامج النووي على أربعة مفاعلات نووية للطاقة السلمية خلال العقدين القادمين، التي لن تولد احتياجات الأردن من الطاقة الكهربائية فقط، بل ستمكنه أيضا من تصديرها للدول المجاورة. من جهته، قال رئيس هيئة الطاقة الذرية الدكتور خالد طوقان إن العمل جار على اختيار موقع المفاعل النووي، مبينا أن دراسات اختيار الموقع ستنتهي بعد إعداد تقارير بآلاف الصحفات تم فيها إجراء مسوح شاملة لجميع أراضي المملكة، ومن ثم تحديد المواقع المحتملة التي تتناسب مع معايير الامان للوكالة الدولية للطاقة الذرية. وأوضح أن المواقع الثلاثة التي سيتم إجراء دراسة مقارنة فيما بينها هي: موقع العقبة، وموقع بجانب الخربة السمرا، وموقع يقع جنوب شرق الخربة السمرا بـ50 كيلومترا. أما مدير الطاقة النووية واليورانيوم الأسبق الدكتور علي المر فقال لـ»مضمون جديد» إن احتمالات وقوع حوادث في المحطات النووية، والاستخدامات الثقيلة بشكل عام مهما بلغت الاستعدادات العلمية والصناعية والخبرات العملية يظل قائماً، وكبيراً جداً في حالة الأردن. وتفتقر المنطقة –وفق المر- إلى البنية الصناعية الملائمة لإدامة هذه المشاريع، بالحد الأدنى اللازم لتقليل الاعتماد الكلي على المزودين الأجانب، وبخاصة حالة الحوادث التي قد تتطور بسرعة فائقة؛ بسبب نقص بعض المستلزمات البسيطة، وبسبب الظروف الطبيعية والمناخية السائدة، والمشكلات السياسية التي تتسم بها منطقتنا.
الأهداف المعلنة للمشروع
وحول الأهداف المعلنة للمشروع النووي الاردني والمتمثلة في توليد الكهرباء وتحلية المياه، وتحويل الأردن إلى بلد مصدر للطاقة بحلول عام 2030، بين أن هذا المشروع غير مدروس من حيث مكوناته وأزمانه ومواقعه وأهدافه وكلفه، لافتا الى أن شبكة الكهرباء الوطنية لا تتحمل إنشاء هذا العدد الكبير من المحطات النووية، البالغة 4 محطات بقدرة 1000 مليون واط لكل محطة، وأن المحطات النووية أثبتت عدم جدواها لتحلية المياه في جميع الدول، وأن آخر محطة نووية لتوليد الكهرباء وتحلية المياه أوقفت عن العمل عام 2003؛ بسبب عدم جدواها الفنية والاقتصادية. ولم ينتج حتى الآن أي تصميم جديد مجرب ومرخص ومعتمد لهذه الغاية. وأشار إلى أنه أعد دراسة عام 2008 فند فيها فرضية أن العقبة تصلح لهذه المشاريع، ثم أحيل الموضوع لدراسته على شركة أجنبية بكلفة 12 مليون دولار، لتخلص الشركة في غضون أيام قليلة إلى النتيجة نفسها، مبينا أن منطقة المفرق لا تصلح كذلك لإنشاء محطات نووية كبيرة؛ لعدم توفر مصادر مياه كافية ومناسبة بشكل طبيعي ودائم، وأن أي نقص في مياه التبريد بسبب تعطل الناقل، للصيانة أو بسبب عمل تخريبي، سوف يضع 70% من سكان الأردن، وما يقرب من 60% من أراضيه الزراعية، وأكثر من 50% من البنى الصناعية، ومناطق سياحية كثيرة، في دائرة الخطر الأقصى، في حال وقوع أي حادث من المستويات 4- 7 على مقياس الحوادث الدولي. وفيما يتعلق بكميات المياه اللازمة للمشروع لغايات التبريد، بين أن المحطة النووية الواحدة تستهلك بالمعدل في الظروف العادية من 25- 30 مليون متر مكعب في السنة، وأن مطحنة اليورانيوم الواحدة تتطلب 10 ملايين متر مكعب في السنة، مشيراً إلى أنه في حالة الدول التي تمتاز بمناخ جاف وحار، فإن هذه الكميات تتضاعف، مبينا أن معنى ذلك أن الاردن سيكون بحاجة إلى ما يقرب من 100 مليون متر مكعب من المياه الصالحة للشرب في كل سنة؛ لغايات التبريد وإنتاج اليورانيوم «الترابة الصفراء»؛ ما يلقي ظلالاً من الخوف والفزع على مستقبل مصادر المياه القليلة، وغير المتجددة في المملكة.
مندوب هيئة الطاقة
بدوره، أكد مندوب هيئة الطاقة الذرية عبد الحليم الوريكات حرص الحكومة على الاردن وضع الآليات التنفيذية لنجاح البرنامج النووي؛ من خلال محاور رئيسة شملت بناء القدرات والكوادر البشرية اللازمة لتنفيذ محاور هذا البرنامج، وتعزيز التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتوطيد التعاون مع الدول الصديقة ذات الخبرة المتقدمة في مجال الطاقة النووية. وأشار إلى أهمية استغلال واستثمار خامات اليورانيوم الاردنية، وإنشاء محطات الطاقة النووية لتوليد الكهرباء وتحلية المياه، إضافة إلى إنشاء هيئة تنظيم العمل الإشعاعي والنووي لكي تقوم بالمراقبة والتفتيش على صحة الإجراءات والأعمال النووية والإشعاعية في المملكة. وأوضح ان الهيئة تهدف إلى تنظيم ومراقبة استخدامات الطاقة النووية والأشعة المؤذية، والعمل على حماية البيئة وصحة الإنسان وممتلكاته من أخطار التلوث، والتعرض للإشعاعات المؤينة، إضافة إلى التأكد من توافر شروط ومتطلبات السلامة العامة والوقاية الإشعاعية والأمان والأمن النووي. ولفت إلى أنه في هذا المجال ظهرت المطالبات في المقالات والبيانات في عدد من وسائل الاعلام المحلية، وكذلك الاعتصامات في الشوارع الاردنية، وشملت بعض التساؤلات والمخاوف والمغالطات حول أخطار برامج الطاقة النووية الاردنية من النواحي البيئية أو المالية، مبديا أمله في مراعاة هذه المطالبات والبيانات، رافضا في الوقت نفسه تهويل الأخطار الجسيمة أو التكاليف الباهظة أو الرغبة في الانتقاد الشخصي. وأكد الوريكات أن استخدام العالم للطاقة النووية في الوقت الحاضر ما يزال مستمرا، حيث يستخدم العالم حاليا 443 مفاعلاً نووياً في أكثر من 31 بلدا، وتُشغّل الولايات المتحدة الأمريكية 104 مفاعلات لتنتج 20% من طاقتها الكهربائية، وتُشغّل فرنسا 58 مفاعلا لتنتج أكثر من 75% من طاقتها الكهربائية، وتُشغّل كوريا الجنوبية 20 مفاعلا لتنتج 38% من طاقتها الكهربائية. ولفت إلى أن هناك زيادة مضطردة لعدد الدول التي تلتحق بنادي الطاقة النووية؛ حيث تبلغ حاليا 65 دولة، وعدد المفاعلات النووية المخطط إنشاؤها يزيد على 145 مفاعلاً. أما بخصوص إغلاق بعض الدول مفاعلاتها النووية، فاعتبر أن هذا أمر طبيعي، فبعض الدول تقوم بالإغلاق نظرا لانتهاء العمر التشغيلي لمفاعلاتها، وبعضها لأغراض أخرى خاصة بتلك الدول التي عادة لا تعاني من مشاكل شح في موارد الطاقة الكهربائية كما تعاني دول أخرى. وتحدث أن من الدول التي تخطط للوقف التام أو الوقف التدريجي للتوليد النووي ألمانيا وبلجيكا، ومن الدول التي تمنع إقامة مفاعلات نووية النمسا والدانمرك وايرلندا، بينما هناك دول أخرى تسعى لتوسيع قدرات التوليد النووي مثل فنلندا وفرنسا وبلغاريا وأوكرانيا. ولفت الوريكات إلى أن البرنامج النووي الاردني هو اختيار وطني، جاء كأحد بدائل توليد الطاقة الكهربائية، اضافة للطاقة المتجددة (الشمسية والرياح) والصخر الزيتي والغاز الطبيعي، وإن حماية الانسان والبيئة هي هدف أساسي ومطلب رئيس.
أعد هذا المشروع لصالح مضمون جديد
إستمع الآن