بعد 23 عاما من احتجاز احدى عاملات المنازل في منزل كفيلها، تعرضت خلالها لمختلف أشكال الضغوطات والانتهاكات، استطاعت أن تحرر نفسها عن طريق الصدفة التي جمعتها باحدى صديقاتها، ونصحتها التوجه الى مراكز الدعم والمساندة القانونية لتقديم المساعدة لها.
وبدأت قصة معاناة العاملة بعد بدء العمل براتب لا يتجاوز الـ 49.55 دينارا شهريا، ومصادرة صاحب العمل لجواز سفرها، فلم تكن تعلم بأنها المرة الأخيرة التي ستراه فيها، وواصلت عملها برعاية سيدة كبيرة في السن، الى جانب الأعمال المنزلية..
وبعد عامين من توسلها لصاحب العمل للعودة إلى بلادها، اخبرها كفيلها بأن جميع أفراد عائلتها قتلوا بالاشتباكات العسكرية، بهدف التخلص من الحاحها التواصل معهم.
فلم تمتلك هذه العاملة سوى الاستمرار بعملها بعد الصدمة التي تعرضت لها، فلا معين لها ولا سبيل للعودة الى بلادها، متحملة كافة أنواع الانتهاكات، بدء بعدم الإذن لها بالخروج أو التنقل، وحرمانها من إجازاتها طيلة هذه السنوات، انتهاء باستغلال حاجتها وحالة ضعفها من خلال إجبارها على العمل، وحجز جواز سفرها ورواتبها، وممارسة العنف ضدها.
لم تستطع مواصلة هذه الظروف الصعبة، فلجأت إلى مركز تمكين للدعم والمساندة القانونية، في محاولة للتخلص من هذه الانتهاكات، فما كان من المركز إلا التعامل مع حالتها وايصال شكوتها الى وحدة مكافحة الاتجار بالبشر.
انتهت قصة معاناة العاملة، بعد رفضها تقديم شكوى بحق صاحب عملها والاكتفاء بدفع أجورها والعودة إلى بلادها، فكان الحكم على صاحب العمل بالغرامة 500 دينار والرسوم ونظرا لاعتراف المشتكى عليه وإسقاط الحق الشخصي مما تعتبره المحكمة من الأسباب المخففة التقديرية، وجرى تخفيض العقوبة لتصبح الغرامة 50 دينار والرسوم، وغرامة 50 دينار والرسوم لمخالفة أحكام قانون العمل، وجمعت العقوبات بحقه لتصبح 100 دينار إضافة إلى الرسوم.
مطالبات بالية شكاوى فعالة للتعامل مع قضايا عاملين المنازل بجدية
بحسب تقديرات رسمية تشير إلى أن عدد عاملات المنازل الكلي في المملكة يصل الى 52221 ألف عاملة مسجلة خلال العام الماضي.
تواجه العاملات المهاجرات العديد من التحديات خاصة عاملات المنازل، حيث لا يمكن الكشف عن حالات العنف الممارس ضدهن إلا إذا قامت العاملة بتقديم شكوى، بحسب مسؤولة الاعلام والاتصال في مركز شيرين مازن.
وتشير مازن إلى أن مفتشي العمل يواجهون صعوبة بالكشف عن هذه الانتهاكات، نظرا لرفض أصحاب المنازل دخولهم إلى المنزل، للتحقق من الانتهاكات التي تتعرض لها العاملات.
ومن أبرز الانتهاكات التي تمارس ضد العاملات هي طول ساعات العمل، وتدني الأجور، والحرمان من العطل الرسمية، وحرمانها من التواصل مع عائلتها وأطفالها، بالإضافة الى ممارسة العنف الجسدي والنفسي ضدها، وحجز جواز السفر.
وتؤكد مازن أن القوانين والتشريعات لا تفرق بين العامل الأردني وغير الأردني في الحقوق، ولكن الإشكالية تكمن بعدم تطبيق بعض أصحاب العمل لهذه القوانين.
اتفاقية العمل الدولية رقم 189 الخاصة بالعمل اللائق للعمال المنزليين تتبنى عدة مبادئ ومعايير حقوق أساسية فيما يتعلق بالعمل أسوة بالعمال والعاملات الآخرين خاصة القضاء على جميع أشكال العمل الجبري.
في حين تعتبر التوصية الخاصة بالاتفاقية ذات طابع غير إلزامي لكنها تتيح التوجيه العملي بشأن تعزيز القوانين والسياسات الوطنية المعنية بالعمل المنزلي، والبرامج الهادفة إلى تطوير العمال المنزليين وتحقيق التوازن بين مسؤوليات العمل والواجبات الحياتية.
الحقوقي والناشط في مجال حقوق العمال من مركز عدالة المحامي سالم المفلح يشير إلى أن بيئة العمل التي تعمل لديها العاملة تجعلها غير قادرة على تقديم شكوى، في وقت يشترط فيه القانون على عدم السماح بالتفتيش داخل منزل صاحب العمل إلا بموافقته.
ويوضح أن نظام العاملين في المنازل، يتضمن العديد من البنود الناظمة لعمل عاملة المنزل ويمنحها الحقوق اللازمة، الا ان الاشكالية تكمن في تطبيقه وعدم التوعية الكافية لبنوده من قبل اصحاب العمل.
وكانت الحكومة قد أقرت مؤخرا نظاما معدلا لنظام العاملين في المنازل شملت التعديلات توفير المزيد من الحماية لهن، من بينها إلزام صاحب العمل بدفع أجرة العاملة خلال 7 أيام من تاريخ الاستحقاق، والمحافظة على سرية الشكاوى والبت فيها، واستعانة مفتش العمل بالضابطة العدلية للدخول الى المنازل للتحقيق في الشكاوى في حال رفض أصحاب المنازل السماح بالدخول.
مدير مديرية التفتيش في وزارة العمل المهندس هيثم النجداوي يؤكد بانه من النادر جدا استقبال شكاوى من قبل عاملات المنازل، موضحا وجود نظام خاص لتنظيم عملهم يساهم بالحد من الانتهاكات.
ويشير النجداوي إلى أن قانون العمل لم يميز ما بين العمالة المهاجرين والمحليين في الحقوق، كما يحق لأي عامل بغض النظر عن جنسيته بتقديم شكوى والمطالبة بحقوقه.
ويوضح أن الوزارة لديها خط ساخن، ومترجمين بمختلف اللغات لتسهيل عملية التواصل مع العمالة المهاجرين ممن يتقدمون بشكوى ضد أصحاب العمل.
هذا ويحتفل الأردن مع العالم باليوم العالمي للعاملين في المنازل بـ 16 من شهر تموز سنويا، بعد المصادقة على اتفاقية العمل الدولية رقم 189 الخاصة بالعمل اللائق للعمال المنزليين في العام 2011