ماذا بعد صمود الهدنة؟

ماذا بعد صمود الهدنة؟

دخل اتفاق وقف الأعمال العدائية في سورية أسبوعه الثاني، حيث يبدو وقف إطلاق النار صامدا رغم تبادل الاتهامات باختراقات من الطرفين، وعكس الكثير من التوقعات والتكهنات التي حكمت على الاتفاق قبل بدء تنفيذه بالهشاشة والضعف استطاع الاتفاق الصمود وعاد السوريون إلى التظاهر في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة فيما وصلت مساعدات إنسانية لعشرات الآلاف من السوريين، في المقابل تعد الاختراقات المعلنة من قبل الطرفين في حدود المتوقع في مثل هذه الظروف.
من المقرر استئناف المفاوضات في التاسع من الشهر الجاري بعد أن تم تأجيلها أكثر من مرة، وفي الوقت الذي دعا فيه زعماء كل من روسيا وألمانيا وفرنساء وبريطانيا وإيطاليا إلى الاستفادة مما تحقق من الهدنة واستئناف مباحثات السلام، تذهب المعارضة السورية إلى المربع الأول بالقول إن " الظروف حاليا غير مواتية، نظرا إلى عدم تحقيق أي من مطالب المعارضة". حيث ترى المعارضة أن النظام وحلفاءه يخترقون الهدنة يوميا، وأن القرار الأممي رقم 2254 لم يطبق وأن المساعدات الإنسانية لم تصل، المشكلة الكبيرة أن المعارضة المؤهلة للتفاوض لا تعكس إرادة سياسية وطنية مستقلة عن الاملاءات الاقليمية.
أصوات الحل السياسي تتحدث عن الفرصة الأخيرة فيما يسمى بـ "جنيف 3" والولايات المتحدة تلوح مهددة بالخطة البديلة إذا ما فشلت الهدنة وفشلت المفاوضات، وهي خطة غامضة ولا توجد معلومات واضحة حولها، فيما أصوات ما يسمى "الفيدرالية السورية" ترتفع وتزداد وضوحا ويدخل الروس على فكرة  الفيدرالية بشكل لا يزيد الغموض الأميركي إلا مزيدا من الغموض.
يبدو أن الخطة البديلة الأميركية هي خلاصة لعودة التفاهمات على المحور السعودي – الأميركي؛ بمعنى فتح الطريق أمام تدخل عسكري برّي في سورية بقوات غير أميركية، عماده قوة إسلامية تقودها السعودية، وفي الوقت الذي يتراجع الدور التركي في هذه العملية العسكرية المحتملة فإنها قد تذهب نحو دعم فكرة "سورية الفيدرالية" التي قد لا تتفق مع المصالح التركية، حيث إن الفيدرالية التي ستوفر كيانا للأكراد ستفتح بوابة المتاعب التركية على مصراعيها،. وعلى الرغم من الإشارات المتكررة التي تقول إن سورية لن تعود الى ما قبل عام 2011، وتلك التي تبرر تلك الفكرة بأن الحقائق الديمغرافية والسياسية والاستراتيجية الراهنة تقود لحل الفيدرالية فإن مخطط الفيدرالية عمليا هو مخطط تقسيم سورية.
في هذا الشهر يستذكر العالم مرور مائة عام على اتفاقية سايكس بيكو الشهيرة التي قسمت المشرق العربي والتي تمت بين فرنسا والمملكة المتحدة وبمصادقة من الروس، وبقيت سرية إلى أن كشفتها صحيفة روسية بعد الثورة الشيوعية. اليوم تتزايد المؤشرات الدالة على  توافقات دولية غامضة وغير معلنة تصب جميعها في تحويل فكرة الفيدرالية الى خطة للتقسيم، ستؤول في النهاية الى أربعة كيانات تشمل إنشاء دولة للعلويين في الساحل تحافظ على المصالح الروسية وفي مقدمتها القواعد العسكرية والغاز، ودولة للأكراد في الشمال، وأخرى للدروز، في المقابل يشكل السنة دولتهم في وسط وجنوب وشرق سورية.
الرهان الوحيد على إفشال هذه الخطة بيد السوريين وحدهم في النظام والمعارضة معا، وليس بيد الأمم المتحدة ولا المجتمع الدولي ولا بيد الأتراك. السوريون وحدهم هم من يدركون جيدا أن بلادهم بالفعل "غير قابلة للقسمة"، وأن الفيدرالية ستقود الى كنتونات هشة وإلى حروب طويلة لن تتوقف وإلى خروجهم من التاريخ والجغرافيا معا.

أضف تعليقك