"داعش" و"اليرموك": دليل التركيب والتشغيل
ربما من غير المنطقي، وحتى غير الأخلاقي، التمييز كثيراً بين نكبة الشعب السوري بما يحدث في بلاده منذ سنوات، ونكبة اللاجئين إليهم (مخيم اليرموك وغيره). لكن الثابت أنّ هناك خصوصية ما، تبرز ربما لأنّ المخيم يبدو كما لو كان "غيتو" معزولا، ولأنّ الهجوم عليه واحتلاله يستحضر أزمات ونكبات ومذابح عاشها الشعب الفلسطيني طوال عشرات السنوات. ومن هنا، طُرح في الأيام الماضية اقتراحان لكيفية التعامل مع البقية الباقية من المخيم وأهله. أولهما، عبر مناهج عمل الأمم المتحدة. وثانيهما، باستحضار زمن البندقية الفلسطينية، واشتراك الفصائل الفلسطينية في طرد "داعش". وفي الحالتين، لا يبدو أنّ الحلين ممكنان، ويبدو أنّ العصر فاتهما، لأسباب منها طبيعة تنظيم "داعش" وقواعد عمله والتعامل معه.
لا مجال لتوقع أن يستجيب أحد لطلبات رئيس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (أونروا) من دمشق، توفير ممر آمن لمن يرغبون فى مغادرة مخيم اليرموك من اللاجئين الفلسطينيين، بعد الهجوم عليه من قبل تنظيم "داعش". فهذا الأخير لا يعرف، ولا يهتم، بشيء اسمه منظمة الأمم المتحدة؛ ولا يهتم كذلك بالمدنيين وأمنهم وحقوقهم. وبالتالي، فإن الحديث عن أساليب عمل يمكن أن تنجح مع من يؤمن بالمجتمع الدولي، أو لديه رغبة في أن يتم الاعتراف به دوليا، لن يجدي هنا. بل إنّ الوساطة مع هذا التنظيم لا يمكن أن تنجح حتى لو قام بها سلفيون آخرون، تماماً كما فشلت هذه الوساطة بشأن رهائن آخرين قتلهم التنظيم. والوساطة، بالعادة، تعني أن يحصل الطرف الذي تتم الوساطة معه على مقابل، وهو ما لا يمكن توقع أنّ أحداً سيقدمه، فالنظام السوري هاجم المخيم بالبراميل المتفجرة.
أمّا بشأن الخيار العسكري، فإنّ منظمة التحرير الفلسطينية ربما أحسنت من جهة، وهي تتدارك الموقف المعلن من الموفد الفلسطيني إلى دمشق، عضو اللجنة التنفيذية أحمد مجدلاني، الذي طرح فكرة اشتراك فصائل فلسطينية في معركة المخيم، في خطوة تعني التحالف مع النظام السوري والقتال إلى جانبه. وهي فكرة تضع الفلسطينيين طرفاً منحازاً ضمن أطراف الصراع. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فعدا عن تأييد فصائل فلسطينية مختلفة لفكرة التدخل العسكري، دعا عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" توفيق الطيراوي إلى تدخل مقاتلين من مخيمات لبنان لنجدة "اليرموك". لكن الموقف الرسمي الفلسطيني قطع الطريق على هذه الأفكار وغيرها. وهنا لا بد من القول إنّ موضوع "البندقية" الفلسطينية واستخدامها للدفاع عن الفلسطينيين، تبدو أيضاً فكرة من الماضي؛ فالفصائل الحقيقية لا تواجد لها في سورية، خصوصاً على المستوى العسكري، ومن لديه هذا التواجد هي مجموعات لا تعدو أكثر من أذرعٍ للنظام السوري، وهي تقاتل معه فعلا. وعملية نقل قوات من لبنان يبدو أمراً مستبعداً، لا بسبب أن المسلحين هناك لم يعودوا يشكلون قوات حقيقية، بقدر ما هم ربما لحفظ الأمن في المخيمات، ولأنّ هذا قد يؤدي إلى عداء وخلافات مع قوى لبنانية عدة، ولكن لأن انتقالهم يعني تحالفاً مع النظام السوري.
إلا أنّه في الوقت ذاته مضى على مأساة مخيم اليرموك أكثر من عامين، وكان المنطق يقتضي أن يكون التفكير بشكل جدي بالمخيم ومصيره قبل اليوم. لكن، على كل حال، لا يمكن إلا التصدي لداعش، فلا مجال للوساطة معه، ولا يمكن للطرق التقليدية أن تنجح أيضاً، وخصوصاً الدبلوماسية والأمم المتحدة، ولا حل عسكريا فلسطينيا. فهناك دليل عمل آخر غير تقليدي للتعامل مع "داعش"، وربما مع النظام السوري أيضاً.
حتى يمكن التفكير فلسطينياً في حل حقيقي في مخيم اليرموك، لا بد من فهم ما يحدث هناك؛ فمن هي القوى الموجودة، وما هي حقيقة انتماءاتها؟ مثلا، من هم مجموعات "أكناف بيت المقدس"؟ ثم، ما هو الموقف الحقيقي الفلسطيني مما يحدث، وموقف المسؤول الفلسطيني عن هذا الملف، أحمد مجدلاني، وخصوصاً من حيث الموقف من العلاقة مع النظام السوري؟ ثم إنّ الحقيقة المُرّة بالنسبة للواقعين في الحصار، أنّ حل أمرهم، وأمر "داعش"، هو بموقف عربي استراتيجي واضح لما يجب أن يحدث في سورية، والاستثمار عسكريا ومادياً وسياسياً في ذلك.