"حزبنة" سورية و"دولنة" الحزب
ربما كانت إحدى سمات الحياة السياسية في سورية، هي حضور حزب البعث في المشهد السياسي، وتحول الحزب إلى إطار له سلطات وصلاحيات ونفوذ ومصدر للقوة، كما في كل دول "الحزب الواحد". لكن هذا ليس موضوع المقال اليوم، بل المقصود هو العلاقة بين سورية وحزب الله، من زاوية من يؤثر ويحوّل الآخر.
تشيع لدى بعض أنصار النظام السوري، بقيادة عائلة الأسد، مقولة أنّ "معادلة" ظهرت في السبعينيات هي أنّه "لا حرب من دون مصر ولا سلام من دون سورية". والمقولة كما يعتقد، هي في بداياتها لوزير الخارجية الأميركية الأسبق هنري كيسنجر، لكن تتم إعادة توظيفها باستمرار في سياقات مختلفة، ومنها تبرير عدم المواجهة السورية-الإسرائيلية، رغم الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية، وتصريحات النظام غير المنتهية وغير المطبقة عن "حق الرد". والآن، هناك طرح يُسمع في الإعلام على خلفية ضربة القنيطرة الأخيرة ضد ضابط إيراني ومقاتلين لبنانيين من حزب الله، فوق الأراضي السورية، بأنّه تم إيرانيّاً وسوريّاً تبني تكتيكات حزب الله في المواجهة مع الإسرائيليين، وأنّ ذلك يجعل المواجهة ممكنة حتى من دون الحاجة إلى مواقف دول عربية أخرى في الحرب، مثل مصر.
في الواقع أنّ الجنرال محمد علي جعفري، القائد الأعلى للحرس الثوري الإيراني، قد عيّن في موقعه هذا في العام 2007، لاعتبارات منها خبرته في الحرب العراقية-الإيرانية، وتحديداً في موضوع الحرب اللامتماثلة؛ أي استخدام تكتيكات تعوض التباين في التجهيزات والقوة العسكرية، بين قوة لديها أسلحة ضخمة ومدمرة وقوة ليست لديها. وبشكل عملي، استخدام الانتحاريين وتكتيك حرب العصابات ضد الجيوش النظامية، وهذا ما حدث في مرحلة في حرب إيران مع العراق. وعدا عن الأنباء عن دور جعفري في عمليات سرية ذات طابع استخباراتي، فإنّ تعيينه دعماً لهذه العقيدة العسكرية، يعني تعويض النقص في التجهيزات العسكرية لصالح الاعتماد على تكتيكات من نوع الزوارق الاستشهادية الصغيرة ضد البوارج الأميركية في مضيق هرمز، أضف إلى ذلك توظيف جماعات وأحزاب مقاومة في المنطقة. وبالتالي، يواظب جعفري على الحديث عن أنّ أهدافاً أميركية في البحرين والكويت والإمارات والسعودية ستكون هدفا مشروعا للصواريخ، وهو يقول في مؤتمر صحفي في أيلول (سبتمبر) 2011: "لدينا قدرات أخرى خاصة عندما يتعلق الأمر بدعم المسلمين للجمهورية الإسلامية".
على أنّ الاستعداد ضمن هذه التكتيكات، لا يعني بالضرورة استخدامها ضمن عمل هجومي ومبادرة لتحرير فلسطين مثلا، بل هو في إطار دفاعي وجهوزية.
الآن، يدور الحديث بكثافة عن احتمالات رد حزب الله على عملية القنيطرة الأخيرة، خصوصاً أنّ الأمين العام للحزب تحدث عن جهوزية للرد. والواقع أنّ قوى، خصوصاً في لبنان، تحركت بعد العملية مباشرة للاتصال مع إيران، لتتوسط عند الحزب بشأن احتمالات الرد، وما قد يؤدي له ذلك من حرب واسعة. أي أنّ هناك شعورا بأنّ الدولة الإيرانية قد تكون في موقع لضبط رد فعل الحزب.
في الواقع، ما هو على المحك الآن هو: هل أدى دخول حزب الله حرب سورية إلى تعقيد ردود فعله وسلوكه، بحيث أنّ حساباته حتى مع إسرائيل ومواجهتها باتت محكومة باعتبارات وحسابات الدول وأولويات معاركها وحروبها الداخلية، وحساباتها الدولية والإقليمية، فيكون بذلك ما حصل حقاً هو "دولنة" الحزب، هذا فضلا عن اعتبارات حزب الله بشأن الدولة اللبنانية؟ أمّ أنّ الحزب وتاريخه ومصداقيته ستفرض عليه العمل كحزب ومقاومة؟!
إذا ما انحاز الحزب للخيار الثاني، فإنّ هذا قد يفرض عليه تغييرات كثيرة في أولوياته الراهنة، وفي مدى انشغاله بالشؤون السورية والعربية الأخرى، وإعادة ترتيب صفوفه وعلاقاته. أمّا الخيار الأول، فهو سيكون خطوة إضافية لتراجع الحزب وفقدان صورته كمقاومة، وليكون جزءا من منظومة وحسابات الدول، حتى وإن احتفظ بخطاب "ممانعة". بطبيعة الحال، هناك خيارات ثالثة يمكن اللجوء إليها. فليس بالضرورة أن يكون رد الفعل على الضربة الإسرائيلية سريعاً، ولكن يمكن للحزب أن يعيد النظر في جهوده وأين يوزعها، وإعادة تركيزها في مواجهة الإسرائيليين، مع بناء جبهته الشعبية والإعلامية العربية، وإلا فقد تدريجيا قدرات الردع التي راكمها.