حروب "داعش" المتنقلة

حروب "داعش" المتنقلة
الرابط المختصر

فيما تتناوب دول العالم على قصف سورية والعراق، أو تأمين الدعم اللوجستي لهذا القصف، بدعوى القضاء على تنظيم "داعش"، تتزايد التقارير الاستخبارية عن معقل جديد أو بديل للتنظيم؛ مدينة سرت الليبية. وهو ما صار يفرض على أوروبا خصوصاً النظر في الخيارات المتاحة أمامها للتعاطي مع اقتراب الخطر جغرافياً من حدودها الجنوبية أكثر من أي وقت مضى.
طبعاً، من المتوقع أن يكون الحل أو الخيار "الأفضل" هو توسيع العمليات العسكرية الجوية لتشمل ليبيا، مع الحديث عن السعي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية؛ في محاكاة للوصفة المطروحة اليوم بشأن سورية، وفي استنساخ أصلاً للوصفة العراقية -الفاشلة أو الزائفة، لا فرق- منذ تنحية نوري المالكي عن رئاسة الوزراء عقب اجتياح "داعش" للموصل، كون المالكي المسؤول الأول عن نشأة التنظيم في العراق، ثم توسعه إلى سورية، بفضل سياساته الإقصائية الطائفية.
هكذا، ولفترة على الأقل، يجب توقع عمليات عسكرية، دولية ومحلية، من العراق وسورية مرورا بسيناء وليبيا، وصولاً إلى مالي ونيجيريا، تضاف إليها طبعاً، وإن بشكل متقطع، الصومال واليمن. لكن هذه الحروب المتنقلة ضد "داعش"، بافتراض نجاحها التام، لن تكون نتيجتها اللاحقة إلا حروباً متنقلة للتنظيم، في كل دول العالم؛ حيثما أمكنه تنفيذ عمليات إرهابية.
فالسؤال البدهي، والأهم، لكنه غير المطروح أبداً، هو: بعد القضاء على معاقل "داعش" في بلدان الشرق الأوسط وشمال وأفريقيا؛ الرقة والموصل وسرت.. أين سيذهب من كانوا مرشحين للانضمام إلى التنظيم في تلك المعاقل؟ طبعاً سيبقون في بلدانهم، لكن ليس كعناصر خاملة، تتلاشى بعد حين. وهو الأمر الذي تؤكده اعتداءات باريس الشهر الماضي، وبشكل أوضح اعتداء كاليفورنيا قبل أيام.
وفي التقرير الصادر، يوم الثلاثاء الماضي، عن برنامج دراسة التطرف في مركز الأمن الإلكتروني والداخلي بجامعة جورج تاون، يقرر الباحثون منذ البداية، أن الولايات المتحدة لا تماثل العديد من الدول الأوروبية على صعيد الانتماء لتنظيم "داعش" والتعاطف معه، لكن برغم ذلك، فإن الأرقام الأميركية تبدو غير مسبوقة اليوم.
فمع خريف العام الحالي، كما يوضح التقرير، كان هناك 250 أميركياً سافروا أو حاولوا السفر إلى سورية والعراق للانضمام إلى "داعش". يضاف إلى ذلك 900 تحقيق في الولايات الأميركية الخمسين بشأن مناصرين أو متعاطفين مع التنظيم. وخلال العام 2015، تم اعتقال 56 شخصاً بما "يشكل رقماً قياسياً على صعيد الاعتقالات بتهم تتصل بالإرهاب منذ 11 أيلول (سبتمبر)" 2001.
وإذا كان منفذو اعتداءات باريس قد تواجدوا يوماً في الرقة، كما أشارت التحقيقات، إلا أن الحقيقة الأهم تظل أن تنفيذ تلك الاعتداءات، تماماً كما اعتداء كاليفورنيا، لم يكن يحتاج إلا إلى بنادق وأهداف رخوة مدنية؛ فهذه الأهداف تعطي النتيجة المثلى للإرهاب لأنه إرهاب. وكما يوضح التقرير الأميركي ذاته، فإن وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دوراً حاسماً في تعبئة وتجنيد أنصار "داعش".
بالنتيجة، ألا يكون صحيحاً تماماً القول إن القضاء على معاقل "داعش" هو الخيار الأسوأ؟ إذ ستغدو "فكرة داعش" -ووسائلها الإرهابية- متحررة من الحيز الجغرافي، لكنها حية، ما بقيت أسبابها و/ أو ذرائعها. لكن لا أحد يريد فعلياً القضاء على "داعش" الفكرة، لأن ذلك يفرض مساومات (إصلاحات) داخلية وإقليمية ودولية متكاملة؛ فيما الجميع يتمسك بأحد الأسباب لاتهام خصومه بكامل المسؤولية عن الإرهاب، فيبقى هذا الأخير هو المستفيد الأوحد من ذلك.