اللاجئ السوري ومستقبله
يقدّر أحد قادة المعارضة السورية عدد اللاجئين السوريين في تركيا بثلاثة ملايين لاجئ. منهم 600 ألف في المخيمات، وباقي المليونين وأربعمائة ألف يعملون ويعيشون في القرى والمدن الحدودية، حيث اللغة المشتركة، وتماثل العادات والتقاليد. وهناك في تركيا مائة ألف سوري يحملون اقامة السيّاح، ويعيشون ويستثمرون في أسطنبول ومدن السياحة على شاطئ بحر إيجه.
وكلام القائد المعارض يصل إلى ما وصل إليه السيد أردوغان، بامكانية منح السوريين الراغبين بالجنسية التركية والعيش الدائم حيث هم. وذلك بعد تكليف وزارة الداخلية بدراسة الموضوع.. أي أن المشكل في هذا التجنيس ليس اقتصادياً أو اجتماعياً.
وهذا كلام يجعل المسؤول الأردني الذي يلاحق الوعود الدولية بمنح وقروض توفر للأردنيين وللسوريين فرصة الاقامة المريحة والعمل، والاستعداد للانتظار الطويل لحلم العودة. فالفلسطينيون وبعد ثلاثة أرباع القرن من اللجوء تشكّل «العودة» المادة الرئيسية التي يحاربون بها الزمن، وتآكل حلمهم بوطن وهوية يختارونها هم، دون أن يكون للأمر الواقع الدور الأكثر أهمية في التعامل مع حالة اللجوء.
.. في الأردن، سوريون من غير لاجئيي نظام الأسد، فمنذ تأسيس المملكة جاءت أعداد غير قليلة من السوريين، واستوطنوا عمّان وبعض المدن الأردنية ويعرف الراصد للانتخابات النيابية أن حصتهم في البرلمان الأردني حصة محرزة. فهم سادة السوق التجاري والصناعي، ولا تشغلهم «قضية الهوية»، ولا يطالبون بالعودة إلى الوطن، طالما أنهم.. في الوطن!!.
الدارسون للتطوّر الطبيعي لحياة وقناعات اللاجئين في هذا الزمن الذي أصبح فيه اللجوء ظاهرة شاملة كل شعوب العالم.. الدارسون يعتقدون أن اللجوء السوري في الأردن سيمر بمراحل اللجوء الأخرى في تركيا أو ألمانيا أو بريطانيا أو فرنسا.. الخيمة، ثم الضواحي الفقيرة حول المدن.. ثم ذوبان الضواحي في المدينة الكوزموبوليتان.
تقديرات الأمم المتحدة، ومراكز الأبحاث تقول: إنّ اللاجئ السوري حتى لو قرّر العودة إلى وطنه الأصلي، فإن عليه أن ينتظر لحوالي العقدين من الزمن. فالحل السياسي للحرب الأهلية والإقليمية في سوريا، لا يتم بالضغط على الزر الاحمر، وعندنا لبنان نموذجاً فمنذ 1975 بداية الحرب الأهلية إلى 1995 كان هناك أكثر من حل، ولعل مؤتمر الطائف كان هو الجهد الأكبر الذي بذلته الزعامات اللبنانية وسوريا والسعودية للوصول الى حل لا يمكن تسميته حلاً، لأنه أعاد الناس إلى المتاريس السياسية وإلى حدٍ ما المسلحة، ووصلت الدولة اللبنانية إلى مرحلة التفسخ العضوي، فلا رئاسة جمهورية، ولا مجلس نواب، ولا وزارة تحكم، والأهم أن عناصر التهدئة والحلول السياسية لم تعد قادرة على أي دور.
لا السعودية، ولا سوريا التي تمرُّ بالتفسخ ذاته، ولا إيران التي لا يهمها شيء اسمه الدولة في لبنان أو سوريا أو اليمن أو العراق، طالما أن «نفوذها» المهيمن هو.. البديل، فالحالة العراقية والسورية واللبنانية واليمنية هي الحل الوحيد لامتداد دولة الولي الفقيه.
السوريون عندنا لن يعودوا كلهم، ولا نعرف عدد العائدين لأننا لا نعرف الزمن الذي يحتاجه الحل السياسي، فإذا اتفق الروس والأميركيون على وقف الحرب، فإن وحدة الدولة السورية ليست واردة بالحتمية، فقد اقتسم الكبار ألمانيا، واقتسموا أوروبا منذ الحرب الكبرى إلى انهيار جدار برلين، وإذا كانت الأمور عادت إلى صيغة القرن العشرين للدولة المدنية، عدا انقسام تشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا، فإنه ليس من المستحيل عودة الدولة القطرية العربية الى صيغتها.. بما في هذه الصيغة من تمزّق قاتل.