الروس إذ يمعنون في إهانة حلفائهم بسوريا
حين يحطّ وزير الدفاع الروسي رحاله في سوريا دون إعلام الرئيس الشرعي المنتخب (هذا ما يردده أتباع خامنئي، ممن يتناسون كيف جيء ببشار إلى السلطة في خمس دقائق من خلال أجهزة الأمن).. حين يحدث ذلك، فهذا يعني أن بوتين يتصرف كأنه الحاكم بأمره في البلاد، وليس مجرد حليف جاء ينصر حليفا آخر. تحدثنا من قبل عن الخلافات بين طهران ودمشق وموسكو؛ تلك التي استدعت اللقاء الثلاثي في طهران مؤخرا، ولم يخطر ببالنا أن تتفاقم الخلافات على هذا النحو، بدل أن تجد لها حلا. ما نقوله هنا لا يعني ابتداءً أن معركة قد نشبت بين الأطراف المذكورة، لكننا نتحدث عن رسائل روسية وصلت قوية وصادمة للحليفين، فابتداء كان النظام السوري يحتج على الهدنة التي أعلنها الروس في حلب لمدة 48 ساعة، وهو احتجاج غير مسبوق في العلن، وإن تكرر على هذا النحو أو ذاك في مناسبات شتى. التطور الأبرز يتعلق بحزب الله، فلم يجد أنصاره في تفسير حجم الخسائر الكبيرة التي أصابتهم خلال الأسبوع الماضي، إلا شن هجوم غير مسبوق على الروس قائلين إن غياب الغطاء الجوي هو الذي أدى لكل تلك الخسائر الكبيرة، وهي خسائر نالت لاحقا الإيرانيين أنفسهم، وإن كان لهؤلاء طريقتهم في الإعلان والتستر، تبعا لحقيقة أنهم يستخدمون غالبا مليشيات من خارج مؤسستهم العسكرية. دعك هنا من الأخبار التي تحدثت عن اشتباكات بين جيش الأسد، وبين عناصر حزب الله (تم نفيها بشكل “قاطع”)، فهذه لها سياقات أخرى تتعلق بالاحتجاج من طرف عناصر الحزب على تخلي الجيش عن مناطق سيطروا هم عليها بأكلاف باهظة، لكنها تعكس في المقابل حالة الارتباك التي تنتاب التحالف بالكامل رغم ما يقال عن تقدمه في بعض المناطق مقابل خسائر أخرى، مع عدم إنكار التقدم الذي حدث منذ التدخل الروسي، وإن كان أقل بكثير من المتوقع. ما يريده بوتين من سوريا كان واضحا منذ البداية، فهو يريد تقديم رسالة للغرب بأنه لاعب دولي فاعل، بل من أهم اللاعبين في المشهد الدولي، ومن ثم تأكيد حضوره ونفوذه في سوريا، لكنه لا يريد تورطا كبيرا. أما قصة سحب القوات، فقد ثبت أنها لم تكن صحيحة، وأنها كانت مجرد رسالة للداخل على النهج المذكور، أي الوعي بضرورة عدم التورط الطويل، بخاصة في ظل التدهور الاقتصادي الذي تفاقم بعد التدخل تبعا لمخاوف مؤسسات المال. أما ما يريده خامنئي فيتمثل في استمرار مطاردة وهمِ الحسم العسكري، وهو ما لا يريده بوتين الباحث عن تسوية، ولا يقل أهمية عن ذلك أنه يبدو أكثر انحيازا لهواجس نتنياهو منه لهواجس خامنئي، ونتنياهو يريد إخراج سوريا المستقبل في حال بقاء النظام من دائرة الهيمنة الإيرانية، حتى لو أدرك أن خامنئي يتعامل معها كحالة طائفية وليس كحالة مقاومة كما هو الزعم السائد. خلاصة القول هي أن خامنئي وأدواته من بشار إلى نصر الله سيواصلون مطاردة الوهم حتى اللحظة التي يتعبون فيها من النزيف، ويقررون الجلوس على الطاولة من أجل تسوية لا يمكن أن تعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه في سوريا، ولا عموم المنطقة بعد تبجحات السيطرة على أربع عواصم عربية.