الأسد.. ليست النهاية ولكن
تطورات مهمة حدثت مع بداية العام 2015، توّجت تحولات ميدانية بدأت في الأشهر الأخيرة من العام الماضي؛ ما أدى إلى سيطرة المعارضة السورية المسلّحة على مدينة إدلب، وهجومها على ريف إدلب الغربي، لتسيطر على بلدة استراتيجية مهمة، هي جسر الشغور، في الأيام الماضية، وتلحق هزائم كبيرة في أوساط قوات الأسد، وتطل برأسها على العاصمة الروحية للنظام السوري، اللاذقية.
في الاتجاه نفسه، تشير تقارير غربية مهمة إلى انهيار مماثل يصيب الجيش في ريف حماة الغربي، المشرف على أهم معاقل النظام والطائفة العلوية؛ مدينة طرطوس. هذا بالإضافة، بالطبع، إلى التقدم الكبير الذي أحرزته المعارضة السورية في الجنوب، عبر إحباط الهجوم العسكري الكبير لفيلق القدس الإيراني، بقيادة قاسم سليماني، وحزب الله، على المثلث الاستراتيجي (ريف دمشق، ريف درعا، ريف القنيطرة)، بل وتحقيق انتصارات واختراقات جديدة أخرى بالسيطرة على مواقع جديدة.
في المقابل، لم يحقق جيش الأسد ولا المليشيات المتحالفة معه أي تقدّم يذكر خلال الأشهر الأخيرة؛ فهناك مناخ عام من الإحباط والانهيار في معنويات الجنود السوريين.
الأهم في التحولات الأخيرة، أنّ القاعدة الداخلية للنظام في حالة انهيار معنوي كبير وتضعضع واضح، على الصعيد الاجتماعي والعسكري-الأمني. المؤشر الأول على ذلك، هو حجم الخسائر في جيش الأسد، والاستنزاف الذي عانى منه خلال الأعوام الماضية. فبالرغم من عدم وجود إحصاءات دقيقة موثوقة لعدد القتلى في الجيش السوري، فإنّ من الواضح أنّ "الطائفة العلوية" دفعت ثمناً غالياً خلال الأعوام الماضية. وبفقدان عشرات الآلاف من شبابها، مع غياب أفق النصر، بدأ الشعور بالعدمية واليأس يتسرب إلى أوساطها بوضوح.
المؤشر الثاني، فقدان المبادرة، وتراجع أهمية الجيش مقارنةً بتزايد أهمية الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، والمليشيات الشيعية القادمة من إيران والعراق وباكستان وغيرها، وانعكاس ذلك على النواة الصلبة للنظام. إذ شاهدنا كيف تمت الإطاحة بقيادات الأجهزة الأمنية المهمة، فيما يشير السفير الأميركي السابق في سورية، روبرت فورد، إلى أزمة داخلية متصاعدة في أوساط الطائفة العلوية مؤخراً.
أحد أهم تفسيرات انهيار النظام السوري، بالإضافة إلى تحولات كبيرة حدثت في أوساط المعارضة السورية، قد يكون على علاقة بالسياسات الإقليمية، ومنها تشكيل جيش الفتح (من فصائل إسلامية، من بينها "النصرة") في الشمال والشمال الغربي)، والجبهة الجنوبية في المناطق الجنوبية، ما دفع إلى ترتيب البيت الداخلي وتنسيق الجهود، بعد أن طغت أخبار الصراعات الداخلية في أوساط المسلحين خلال العام الماضي.
الطريف في الأمر أنّه مما قد يكون ساعد المعارضة السورية على التقدم وتحسين شروط الصراع، هو انشغال تنظيم "داعش" بخوض معارك وجودية في العراق؛ إذ سُحب آلاف من أعضاء التنظيم من سورية إلى الأنبار والمناطق الأخرى، بخلاف التوقعات العربية والغربية، الأمنية والعسكرية السابقة، التي كانت ترجّح أن يضحّي التنظيم بالعراق ويتقوقع في سورية.
لا نريد أن نتعجّل القول بانهيار نظام الأسد قريباً، كما فعل من أطلقوا صيحات النصر له (من سياسيين ودبلوماسيين غربيين وعرب وأردنيين) لمجرد أنه حقق انتصارات عسكرية في مواقع عدة! بل ما يمكن ملاحظته بوضوح هو أنّ هناك تغييرات كبيرة ومهمة واستراتيجية تحدث في الميدان، لها تداعيات مهمة، بالرغم من أنّ الحديث عن "حل عسكري" في سورية، أيّا كان إنجاز المعارضة هو وهم كبير، طالما أنّنا أمام معادلة دولية وإقليمية صلبة تدعم النظام. لكن من الواضح أنّ الرياح الإقليمية والداخلية، بدأت ترسم نقطة تحول جديدة في المشهد.