أي فرصة للمناطق السورية "الحرة"؟
رغم أن ما يسميها "المناطق الحرة" تبدو غاية المبعوث الأممي لسورية، ستيفان دي ميستورا، في جولته الدولية والإقليمية الحالية؛ إلا أن المقصود بهذه المناطق ومداها ونتائجها النهائية، ما تزال شديدة الغموض، بما يقوض الفكرة من أساسها.
فبحسب دي ميستورا، تقوم "المناطق الحرة" على "تجميد" القتال في مناطق سورية "من أجل توزيع المساعدات على المتضررين من الحرب"، وبما يُفترض أن يكون خطوة نحو الهدف الأشمل المتمثل في التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية ككل. إلا أن عدم وضوح (أو عدم وجود) الخطوات التالية، هو ما قد يجعل من "المناطق الحرة"، على سمو هدفها الإنساني المؤقت، تؤدي إلى "تجميد" الحل النهائي.
حتى الآن، يبدو التركيز الدولي على "تجميد" الصراع بين نظام بشار الأسد والمعارضة السورية في مدينة حلب تحديداً، بالنظر إلى أهميتها في الحرب الدولية-الإقليمية على تنظيم "داعش"، ولاسيما لاستثمار قدرات المعارضة ضد التنظيم في شمال سورية. لكن، هل يمكن تخيل قبول مقاتلي المعارضة تحييد النظام لأجل تفريغهم لقتال "داعش"، مع بقاء إمكانية إطلاق يد قوات الأسد لاحقاً، لقتال قوات المعارضة المستنزفة؟ أم سيستمر وضع التقسيم القائم في حلب، بعد إنهاء خطر التنظيم، وطبعاً مع إمكانية تركز القتال بين النظام والمعارضة، وبالتالي تزايد الضحايا، على جبهات أخرى؟
قد تبدو الصورة أقل تعقيداً بالاستناد إلى الفكرة الأصلية للمناطق الحرة، والتي قدمها أساساً الباحث يزيد صايغ من مؤسسة كارنيغي للسلام في بيروت، منتصف أيلول (سبتمبر) الماضي، ويبدو أن دي ميستورا استلهمها في وضع مبادرته.
إذ إن "هدنة" صايغ "تعني الوقف الكامل لإطلاق النار في جميع المناطق الخاضعة إلى سيطرة النظام والثوار؛ والانتقال الحرّ وغير المقيّد للغذاء والدواء والوقود؛ وإعادة إمدادات المياه والكهرباء؛ وإنهاء ممارسة التعذيب ضد الأسرى والمعتقلين. ويشمل ذلك أيضاً رفع الحصار الذي تتعرّض إليه مناطق...".
وبافتراض موافقة روسيا وإيران، المتحكمتين بمصير الأسد، على هكذا هدنة/ هدن، تظل العقبة المعضلة متمثلة في "جبهة النصرة" التي تصنفها الأغلبية العظمى من الدول المساندة للمعارضة السورية، باعتبارها منظمة إرهابية.
في حينه، اعتبر صايغ أن من الممكن إقناع "النصرة" بالهدنة، لأن "لديها من الأسباب ما يدعوها كغيرها إلى القلق من "الدولة الإسلامية". وهي بحاجة أيضاً إلى أن تستجيب لرغبة المواطنين في الحصول على متنفّس، وذلك لتأكيد أنها حقاً تنظيم سوري أولاً وقبل كل شيء..". إلا أن هذا المسار يبدو اليوم أقرب إلى المستحيل في ظل توجيه الطائرات الأميركية المشاركة في التحالف ضد "داعش"، ضربات للنصرة أيضا، بدعوى مهاجمة "خلية خراسان" المنضوية تحتها. وعند هذا الحد، يبدو بدهياً أن موافقة "النصرة" من عدمه على الهدنة/ المناطق الحرة، لم تعد مسألة مطروحة، وإنما المطروح والحاسم موافقة فصائل المعارضة السورية على استهداف "النصرة" مع "داعش". ومثل هذه الموافقة إن تحققت، على ضعف احتماليتها، فإنها لن تؤدي إلا إلى إضعاف المعارضة بما لا يقارن بالنصرة ذاتها، إذ إن هذه الأخيرة ستستقطب (مع "داعش") مزيداً من الأنصار والمقاتلين السوريين من فصائل المعارضة ذاتها، على الأقل من باب الاعتقاد، الذي سيمتد إلى خارج سورية، أن كل ما يحصل من قصف لداعش والنصرة، هو لخدمة نظام الأسد.
ببساطة، لم يعد من حل ممكن لأزمة سورية وامتداداتها الإقليمية، إلا الحل الشامل، والذي أساسه استحالة التوفيق بين بقاء الأسد واستئصال التطرف والإرهاب.