"ألعاب الجوع" السورية!

"ألعاب الجوع" السورية!
الرابط المختصر

لم يتوقف العالم الغربي، ولا الحكومات العربية، كثيراً عند إعلان برنامج الغذاء العالمي مؤخراً، على أبواب الشتاء، عن إيقاف برنامجه الغذائي للاجئين السوريين في دول الجوار، والذين يقدّر عددهم بمليون وثمانمائة ألف لاجئ، نسبة كبيرة منهم من الأطفال والنساء، وحتى الرجال غير المتاح لهم العمل، ويعيش أغلبهم في ظل ظروف قهرية غير إنسانية.

بالإضافة، إذن، إلى هذه الأوضاع غير الآدمية، وإلى الخسائر الفادحة التي لحقت بالسوريين من الحرب الداخلية الراهنة، ومن القصف الهمجي اليومي من النظام السوري، فإنّ مئات الآلاف منهم سيعانون هذا الشتاء من الجوع الشديد والبرد، لأنّ برنامج الغذاء العالمي لم يعد قادراً على توفير الدعم المطلوب فقط لتوفير الحدّ الأدنى من الطعام لهؤلاء الأطفال والعائلات!

في الوقت نفسه، نقرأ جميعاً عن الموازنة الهائلة الضخمة التي يتم إعدادها للإنفاق على الحملة العسكرية الراهنة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، أغلبها بتمويل عربي، وتصل إلى مليارات الدولارات، بينما يجد الأطفال السوريون المشرّدون أنفسهم في العراء، بلا غذاء!

وعلى قاعدة "شرّ البلية ما يضحك"، فإنّ تحالف "أصدقاء سورية" الذي تبنّى المواقف الداعمة للشعب السوري، في البداية ضد نظام الأسد، لم يعد يخشى على هؤلاء المدنيين ضحايا هذه الحرب الطاحنة، بل هو حريص على مواجهة تنظيم "داعش"، الذي ليس إلاّ نتاجاً طبيعياً لهذه الظروف القاسية، وحالة اليأس والإحباط وغياب الحلول والآفاق، التي تنمو بصورة أكبر في ظل الفوضى والحرمان والجوع والفقر!

أي إنّنا، عملياً، بالتوقف عن الدعم الإنساني للاجئين السوريين، وبإغفال شروط صعود تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، والتفكير فقط في ضرب هذا التنظيم، حتى وإن أدى ذلك لخدمة نظام الأسد، وحتى لو شاركت إيران والنظام السوري في قصف مواقع التنظيم في كل من الرقّة والحدود الشرقية العراقية، بالتناوب مع الطيران الأميركي؛ فإنّ ذلك كله لن يؤدي إلاّ إلى تفجير المنطقة وخلق حالة من الاستقرار الإقليمي، بل سيفجّرها من الداخل إلى أقصى مدى، عبر ما سمته الملكة رانيا (في مقال لها خلال الحرب الإسرائيلية على غزة) "ديستوبيا"، وهو المكان أو المجتمع الخالي من العدل والإنسانية، الذي يعجّ بالخوف والتعاسة.

في روايات الـ"ديستوبيا"، كما تصفها الملكة رانيا، هنالك عالم يشبه الكابوس "يتسم بالبؤس والخراب والظلم والأمراض". فهل هناك وصف أفضل من ذلك لحالة المهجرين السوريين اليوم، في دول الجوار وفي الداخل؟! لكن الفرق أنّنا لا نتحدث اليوم عن رواية أميركية ولا عن فيلم خيالي، بل عن واقعنا، وعن شريحة واسعة من الأشقاء السوريين، ممن أصبحوا تحت طائلة الجوع والفقر والخوف، أو القصف والبراميل المتفجرة والاعتقالات القاتلة، أو حتى الجماعات الدينية والطائفية المتطرفة العصابية، سواء كانت سُنّية أو شيعية!

ما يحدث في المنطقة العربية اليوم أقرب إلى الجنون الرهيب؛ فالإرهاب ليس حكراً على تنظيم "داعش"، بل هناك الميليشيات الطائفية وما يقوم به النظام السوري من إرهاب يولّد إرهاباً مقابلاً، إلى التخلّي التدريجي عن قضية اللاجئين السوريين، إلى الحروب الداخلية والفوضى والعنف والتشدد والقتل والفساد؛ ماذا تتوقعون بأن ينتج عن هذه المناخات؟! ما هو الجيل الجديد الذي تنتظرونه من اللاجئين السوريين الذي تربّى في هذه البيئات؟!

صحيح أن الحرب على الإرهاب والتطرف هي حربنا، لكنْ الإرهاب بأنواعه وصوره المختلفة. والأهم من هذا وذاك الشروط والقوى والمسؤولين عن خلق البيئة النموذجية لهذه الجماعات؛ عبر الإقصاء والقتل والظلم والتهميش والتجويع.