يفتقر الكثير من اللاجئين السوريين ممن تعرضوا لحالات تعذيب في سورية إلى وثائق أو شهادات طبية تثبت ذلك، نظراً لصعوبة الحصول عليها من جهة، ولكونها تعتبر بمثابة إدانة دامغة لمن قاموا بالتعذيب من جهة أخرى، وغالباً ما يحتاج المعتقلون السابقون مثل هذه الوثائق لدى تقدمهم بطلبات لجوء أو عند لجوئهم إلى منظمات حقوقية أو إنسانية لإثبات حقوقهم أو إنصافهم مستقبلاً، أو بهدف توفير وسائل لرعايتهم وتأهيلهم نفسياً وجسدياً.
تتولى المؤسسة السورية للتوثيق والنشر التي يديرها عدد من المتطوعين السوريين في مدينة إربد من ضمن مهامها المتعددة إعطاء الوثائق لمن تعرضوا لحالات اعتقال أو تعذيب، بحسب ما يقول مديرها عدنان أبو عون.
ويضيف أن هناك الكثير ممن خرجوا من المعتقلات واتجهوا لحماية أنفسهم وأهاليهم من ملاحقة النظام، حيث يلتقي فريق المؤسسة مع هؤلاء شخصياً ويتم تدوين المعلومات الأولية التي يزودون الفريق بها.
ويردف أن "فريق العمل يقوم بعد ذلك بالتأكد من هذه المعلومات من خلال اللجان والمجالس المحلية في كل مدينة يتبع لها المعتقل، كما يتم التأكد من ظروف اعتقاله باليوم والساعة وبأي جهة كان معتقلاً، مشيرا إلى أن بعض المعتقلين حصلوا على أوراق ووثائق بطريقة أو بأخرى، أو قام بمساعدتهم بعض عناصر الأمن داخل المعتقلات، وتثبت هذه الوثائق أنهم كانوا معتقلين، ورغم أن هذه الوثائق سرية إلا أنها تعتبر إثباتاً يتم ضمه إلى ملف المعتقل لدى المؤسسة بهدف تقديمه للمنظمات الإنسانية والحقوقية عند الطلب مستقبلاً" .
ويبين أبو عون أن دور المؤسسة هو التركيز على دراسة حالات المعتقلين لحماية الحقوق المستقبلية لمن أفرج عنهم، وإثبات ما تعرضوا له من انتهاكات إنسانية جسدية كانت أم نفسية.
"محمد الفاعوري" شاب سوري تعرض لتجربة اعتقال في سجن صيدنايا امتدت لتسعة أشهر، وعندما خرج من المعتقل لم يستطع أن يحمل معه ما يثبت هذه التجربة سوى ندبات التعذيب على جسده، والآثار النفسية للإذلال والإهانة النفسية التي تعرّض لها، يقول لـ "سوريون بيننا"إنه وبعد الإفراج عنه من معتقل صيدنايا لم يحصل عل أي وثيقة تثبت اعتقاله تسعة أشهر، مؤكدا عدم حصول أي شخص ممن اعتقلوا معه على مثل هذه الوثيقة كي لا تكون بمثابة إدانة لمن اعتقلهم وعرّضهم للتعذيب.
ويضيف الفاعوري أن الأمن السوري أعطاه ورقة توقيف مع بداية محاكمته العسكرية، حُوّل بموجبها إلى سجن صيدناي، وهي الورقة الوحيدة التي حصل عليها خلال تجربة اعتقاله، ولم تكن هذه الورقة ذات فائدة لا داخل المعتقل ولا خارجه لأنها غير معترف بها، كما يؤكد الفاعوري.
أما "أبو عبدو الحمصي" الذي كان يمر مع ابنه من أمام أحد حواجز الأمن في دمشق، ليتم اعتقاله ويمضي في المعتقل شهراً كاملاً تعرض خلاله للتعذيب، فيقول أن يده اليسرى بقيت معلقة إلى الأعلى ثلاثة أيام، بينما كانت قدماه تتعرضان لصعق كهربائي، ولم يحصل أبو عبدو على ما يثبت تعرضه لتجربة الاعتقال المريرة هذه، ولا أي ورقة.
بدوره نفى الناشط الحقوقي والمتخصص بالاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق اللاجئين رياض صبح وجود وثائق توضح أن الشخص تم تعريضه للتعذيب، حيث يتم عرض الشخص على طبيب عادة، ويحصل على تقرير طبي يثبت في حال كان الشخص قد تعرض إلى تعذيب أم لا، سواء كان تعذيباً جسدياً أو نفسياً، ويردف صبح أن إثبات التعذيب النفسي هو أصعب نوعاً ما، لأن آثاره تكون نفسية، وهو يحتاج أيضاً إلى طبيب نفسي مختص ومهني يستطيع أن يثبت ذلك.
ويلفت صبح إلى أن أصحاب حالات التعذيب الجسدي يعانون أحياناً من بعض الإشكالات إذا كانت حالات تعذيبهم أخذت وقتاً طويلاً، فمع مرور الزمن يعتري الشهادة نقص أو ارتباك، وربما يحصل بعض الخطأ والتضارب في الشهادة، مما يفقدها قيمتها القانونية ويصعّب مهمة التوثيق.
ويرى صبح أن هناك حاجة إلى التوعية حول ضرورة التوثيق حتى في داخل سورية، مضيفاً أنه في حال تعرض أي إنسان للاعتقال أو التعذيب فعليه أن يتوجه مباشرة إلى أي طبيب مختص ليكشف عنه ويوثق كل الحالات التي تعرض فيها للتعذيب.
ويضيف أن هناك وثائق أخرى داعمة ولكنها لا تكفي وحدها، مبينا أن ورقة الاعتقال وحدها لا تعني أن يكون المتضرر قد تعرض للتعذيب أيضا، لذلك فإن الوثيقة الأساسية في حالة الاعتقال هي أن يُعرض صاحبها على طبيب مختص يستطيع أن يثبت تعرض هذا الشخص إلى التعذيب.
أياً كان نوع الوثيقة المتعلقة بحالات الاعتقال التعسفي والتعذيب التي يتعرض لها الأشخاص فإن لها دوراً هاماً في الحفاظ على حقوقهم، والحرص على العدالة ورفع الظلم عنهم.