لاجئون يؤكدون إصاباتهم بغازات كيماوية... والصحة تنفي وجودهم

لاجئون يؤكدون إصاباتهم بغازات كيماوية... والصحة تنفي وجودهم
الرابط المختصر

يدفع آلاف الأطفال السوريين حياتهم ثمناً لاستخدام الأسلحة الكيماوية في الصراع داخل سورية منذ سنوات، وبعض هؤلاء الأطفال دفع الفاتورة قبل أن يولد بعد تعرض أمهاتهم لهذا النوع من الأسلحة المحرّمة دولياً، وبحسب مكتب توثيق الملف الكيماوي في سورية فإن استخدام السلاح الكيماوي في الغوطتين الشرقية والغربية بدمشق أدى إلى سقوط أكثر من ستة آلاف شخص ما بين قتيل ومصاب غالبيتهم من النساء والأطفال.

جوري العبيد لاجئة سورية تسكن في مدينة المفرق، وهي إحدى الأطفال الناجين من الإصابة بالمواد الكيماوية، ولدت مشوهة في قدمها اليسرى وأصابع يديها منذ سنتين إثر استنشاق والدتها للغازات السامة في حي الخالدية بحمص.

كانت عائلة الطفلة جوري تسكن في حي الخالدية عندما انتشرت في الحي روائح كريهة وحينما فتحت والدتها نافذة منزلها لترى ما يحدث استنشقت الرائحة، ولم يكن قد مضى أسبوعان على حملها، لتشعر حينها بدوار شديد، حسب ما يروي زوجها فؤاد العبيد.

وأوضح العبيد أنه عندما حانت ساعة الولادة لم يستطع الذهاب بزوجته إلى المستشفى بسبب ظروف الحرب، لتقوم قريبة للعائلة بمساعدتها في الولادة "العسيرة"، ليفاجأ بعدها بتضخم في القدم اليسرة للوليدة وبشكل غير عادي، مؤكدا أنه علم حينها أن طفلته ولدت مشوهة القدم، وثمة تشوّه بسيط في كلتا يديها، مشيرا إلى أن الورم كان بسيطا لحظة ولادتها، لكنه استمر في التضخم حتى أصبحت قدمها وكأنها كتلة لحم لا أصابع لها.

وتعيش جوري الآن حياة شبه طبيعية، بعد أن أجرى لها أطباء فرنسيون عملية دقيقة تم فيها إزالة الورم من قدميها، ووعدت بعملية أخرى لفصل أصابع يديها الملتصقة، بحسب ما يؤكد والدها.

سعيد الحسن طفل في الثالثة عشر من عمره، كان يجلس مع أمه في منزلهما، ليسقط مغشياً عليه لا يقوى على الحراك والتنفس، وكذلك أمه التي أسعفت قبله، ولم يعد يعرف عنها شيئاً منذ ذلك الحين.

ويروي سعيد مأساته المزدوجة موضحا أنه شعر حينها بانقطاع في تنفسه، وبألم مطبق على صدره، ليغيب بعدها عن الوعي، ويجد نفسه في المستشفى الميداني، ويؤكد سعيد أنه أضاع  أمه منذ ذلك اليوم ولم يعد يعرف أين هي.

الناطق باسم وزارة الصحة الدكتور حاتم الأزرعي نفى أن يكون هناك حالات مصابة بالكيماوي جاءت من سورية إلى الأردن، بمن فيهم الأطفال، مشيرا إلى عدم تسجيل الوزارة لأي حالة من هذا النوع، بحسب مدراء مستشفيات عدة في الأردن، بما فيها المفرق الذي يستقبل أكبر عدد من المراجعين من اللاجئين السوريين، وفق ما صرح به الأزرعي.

لا تقتصر آثار الإصابة بالأسلحة الكيماوية على وضع الأطفال الحالي، بل تمتد إلى المستقبل لتترك آثارا عضوية ونفسية صعبة الشفاء، فيما لو كُتبت الحياة للطفل المصاب، حسب أستاذ علم النفس في الجامعات الأردنية الدكتور سري ناصر، الذي أوضح أن الأطفال هم أول من يدفعون الثمن في أي صراع، من خلال التأثير العضوي والنفسي.

 ويشير ناصر إلى أن الأسلحة الكيماوية التي تستعمل في هذه الصراعات لها تأثير مميت خاصة على الأطفال، موضحاً أن الكثير من الأطفال يتشوهون تشوهاً عضوياً وتشوهاً نفسيا،ً لذلك يتأثرون بشكل كبير في أي صراع يقوم بين فرقاء.

  ويرى ناصر أنه من الواجب أن يكون للأطفال حماية خاصة في هذه الظروف حتى لا يتأثروا بالأسلحة التي تستعمل، وخاصة النووية التي تترك آثاراً عميقة لا تزول. مؤكدا أنه من الصعب جداً علاج هؤلاء الأطفال عندما يكبرون لأن هذه الإصابة تصبح جزءاً من شخصيتهم، لأن الكثير منهم يموتون، وفي حال نجوا من الموت يظلون متأثرين طوال حياتهم بهذه الأسلحة التي استعملت وأصيبوا بها.

مئات الأطفال أصيبوا بالمواد الكيماوية، والكثير منهم مات بصمت في ظل حرب لم تبقي ولم تذر، أما من تبقى منهم حياً فهم أحوج الناس إلى الرعاية والاهتمام.