لاجئون معتقلون سابقا... لم ينسوا ألم الزنازين

الرابط المختصر

لا تروى حكايات اللاجئين السوريين من المعتقلين سابقا في سوريا، بمعزل عما حملوه معهم من داخل زنازينهم، وجوه الجلادين، والمشاهد الدموية وأصوات المعذبين، وأساليبهم على اختلافها لا تزال تحمل آثاراها على أجسادهم وأنفسهم، صور ومشاهد حملت وجعا يزيد في كثير من الأحيان على وجعهم الجسدي هناك، استطاع بعضهم التخلص منه ومعايشته قدر الإمكان، لكن بعضهم الآخر لم يقوى على نسيان ما حصل، ولم يستطع العبور من بوابة زنزاته رغم خروجه منها.
إقبال معتقل سابق تم فك قيده منذ ثلاث سنوات، لكنه خرج  حاملا معه شكوكا في كل الأشخاص المحيطين فيه، مما ولد لديه مع الوقت خوفا كبيرا من المجتمع الذي يعيش فيه.
وجوه الجلادين ما زالت محفورة في ذاكرة المعتقل السابق واللاجئ السوري محمود، وما زالت الكوابيس وصور التعذيب تطارده كلما وضع رأسه على الوسادة.
رهاب من الأماكن المغلقة يحاصر اللاجئ محمد، ورهبة من الزنزانة المظلمة لا يزال يحمل نفس تأثيره كلما سمع صوت باب يغلق بقوة.

أحمد ترعبه رؤية باصات "الكوستر"، حيث أنها ترتبط بذكريات لحظة اعتقاله داخل باصات الأمن في سورية.

أما أبو وسيم وكثيرون، فلا تزال مشاهد الاعتقال وتعذيب المعتقلين في التلفاز ووسائل الإعلام تثير خوفهم وتذكرهم بلحظات عاشوها بنفسهم كل يوم.
الأخصائي النفسي الدكتور محمد أبو هلال يؤكد لـ"سوريون بيننا"، أن الاعتقال واحد من الحوادث "الراضة نفسياً"، مما يسبب الكثير من الآثار المتراكمة في نفوس المعتقلين، والتي قد تتطور بدورها لتصبح أمراضا مزمنة في حال لم يتم متابعتها وعلاجها.

وأشار أبو هلال إلى مرض الاكتئاب كواحد من أبرز الأمراض النفسية التي قد يعاني منها المعتقلون لدى خروجهم، ويمكن تمييز هذه الحالات بظهور علامات الحزن على أصحابها، أو ابتعادهم عن اهتماماتهم ونشاطاتهم المعتادة، بالإضافة إلى شعورهم بالسوداوية والذنب وقلة نشاطهم وتفاعلهم وعصبيتهم المفرطة، كما يسيطر عليهم شعور بالهمود الجسدي واللامبالاة، وقد يزداد الأمر سوءا ليلجأ بعضهم للانتحار.
وأضاف أبو هلال أن بعض المعتقلين قد يعانون من مرض متلازمة الشدة ما بعد الرض، أو كما تسمى "PTSD"، ويحدث عند تكرار الحوادث أو التعذيب الذي تعرض له المعتقل عن طريق الكوابيس، أو عن طريق إعادة معايشة الحدث، أو تجنب أي شيء يذكر المعتقل بهذه الحادثة، مثل الأخبار أو الأحاديث أو المرور من مكان معين يذكره بتلك الحادثة، وينتابه أيضا تنبه وتيقظ  وتوتر، وربما اضطرابات في النوم
وقد يتحول إلى شخص عنيف أو يشعر أنه معزول.

كما يلجأ بعض مرضى متلازمة الشدة بعد الرض إلى تعاطي المخدرات والأدوية التي تزيد من مشكلته.

ويؤكد أبو هلال على ضرورة نشر التوعية بين صفوف اللاجئين حول أعراض الأمراض والمشكلات النفسية، بالإضافة إلى أهمية الدور الذي يلعبه الأخصائيون النفسيون والاجتماعيون في معالجة مشكلات اللاجئين النفسية والاجتماعية، مشيرا إلى أهمية توثيق هذه الحالات من الناحية القانونية.
المحامي المختص في القانون الدولي جمال الضمير يوضح أن موضوع المعتقلين يندرج ضمن حزمة القواعد القانونية التي تحكم حقوق الإنسان، والمنصوص عليها في كافة المعاهدات والاتفاقيات الدولية ، وتحدد بدورها شروط الاعتقال وحماية المعتقلين، وإعطائهم كافة حقوقهم الدولية وضمان محاكمات عادلة لهم.
ويضيف الضمير أن منظمات حقوق الإنسان المنبثقة عن هيئة الأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي مسؤولة عن حمايتة حقوق المعتقلين، حيث تقوم هذه المنظمات بمراجعة كافة مراكز الاعتقال، وتنبيه الدولة في حال تم اعتقال أشخاص دون توجيه أي اتهام لهم، والتأكد من تقديم المعتقلين إلى محاكم عادلة وتأمين محامين يلتزمون بحياديتهم في حال تم توجيه التهم لهم، منوها إلى أن الصليب الأحمر هو المسؤول عن
جمع هذه المعلومات، وهو المخول بموجب القانون الدولي بأن يدخل إلى كافة المعتقلات والسجون، ولكن السلطات السورية لا تعطي إلا "النذر القليل".
ويستقبل مركز "ctv" ومؤسسة نور الحسين ومركز المستقبل الزاهر، بالإضافة إلى العيادات النفسية التابعة لوزارة الصحة الأردنية ومنظمة "imc"، حالات معتقلين سابقين بحاجة للعلاج.

وتجدر الإشارة إلى أن تقارير لجان حقوق الإنسان والمنظمات الدولية، حددت حالات التعذيب في العالم ضمن ظروف رئيسية، أولهاحالات التمييز العنصري، وحالات الحرب الدولية والأهلية، وأخيرا حالات الظروف الأمنية الداخلية، حيث يفرض في الحالات الثلاث قانون الطوارئ والأحكام العرفية، فيتم اعتقال المواطنين لأي سبب كان دون أي مسوغات قانونية ودون محاكمات علنية أو محاسبة