“مريجيب الفهود”..كرامة اللاجئ فوق كل اعتبار

“مريجيب الفهود”..كرامة اللاجئ فوق كل اعتبار
الرابط المختصر

- مدير المخيم ينفي وجود توجه لاقامة مبان اسمنتية بدل الكرفانات 

- اسواق ومرافق ترفيهية ومتنزهات، ووظيفة لكل من يرغب بالعمل

- اربعة الاف وجبة للفطور ومثلها للغداء وللعشاء مع خدمة التوصيل

- قريبا توليد الكهرباء بالطاقة المتجددة بعد نجاح مشروع محطة التنقية 

- إضافة 960 كارافانا تتسع لنحو 6 الاف لاجئ خلال تسعين يوما

- اللاجئة ام هايل: لولا ما انتو أهل لينا ما طبينا وجينا عليكم

يبدي هادي الكعبي مدير مخيم مريجيب الفهود للاجئين السوريين، تفضيله استخدام عبارة “نموذجي” عند الاشارة الى المخيم الذي درجت الصحافة على وصفه بانه من فئة “خمسة نجوم”.

كانت الصحافة الغربية اول من اطلق هذا الوصف على المخيم المقام في منطقة صحراوية تبعد 22 كيلومترا الى الشرق من مدينة الزرقاء، والذي يمتاز بالأسواق التجارية والمرافق الترفيهية ومتنزهات الأطفال، وحتى خدمة توصيل الطعام.

ولم تلبث الصحافة العربية أن تبعتها في ذلك وزادت من عندها بأن اطلقت على ساكنيه لقب “المرفهين”!.

الكعبي، وهو قائد فريق الاغاثة التابع للهلال الاحمر الاماراتي، يقر بان مخيم مريجيب الفهود “يتوفر على اشياء اكثر قليلا من غيره” من مخيمات اللاجئين السوريين، ومع ذلك يرى ان الوصف الافضل له ربما يكون انه “نموذجي”.

ويوجد حاليا نحو أربعة الاف لاجئ في المخيم الذي انشئ بتمويل من دولة الامارات العربية المتحدة.

ويوضح الكعبي ان المخيم الذي وصلت كلفته الى سبعة ملايين دينار وافتتح رسميا في نيسان 2013، يضم 960 كرفانا، 770 منها مخصصة لللاجئين.

وجرى تقسيم المخيم الذي تبلغ مساحته 250 دونما، الى سبع حارات في كل منها 110 كرفانات.

وتشتمل كل حارة على بوفيه للرجال واخر للنساء واستراحة ومغسلة ملابس. ويضم المخيم سبع مصليات للنساء، وجامعا كبيرا تقع خلفه قاعات مخصصة لتحفيظ القران ومحو الامية واعطاء دورات في اللغة الانجليزية والحاسوب.

وكان متوقعا حسب التقديرات الاولية ان يؤوي هذا العدد من الكرفانات نحو خمسة الاف لاجئ، وبما معدله خمسة افراد في كل كرفان، لكن الكعبي قال انهم فوجئوا بان عدد افراد معظم العائلات التي قدمت الى المخيم لم يكن يزيد عن ثلاثة.

و اوضح ان إدارة المخيم تشترط في اللاجئ الذي يقيم في المخيم ان يكون ضمن عائلة أو من كبار السن أو اصحاب الحالات الانسانية الخاصة كالارامل وذوي الاعاقة.

وإلى جانب مستلزمات السكن والطعام، سعت ادارة المخيم الى توفير وظائف لللاجئين الراغبين في العمل كنوع من الدعم المعنوي وحتى لا يشعروا بانهم عبء على الاخرين.

وقال الكعبي إنه جرى تأمين وظيفة لشخص على الأقل من كل كرفان في المدارس والكافتيريات والصالات وغيرها من المنشآت الخدمية والحرفية في المخيم، ومنها منجرة جرى افتتاحها وتقوم بتصنيع قطع الاثاث كالكراسي والطاولات.

“وكما علمنا، فان النية تتجه الى استحداث مزيد من المشاريع الحرفية بهدف تشغيل اللاجئين في المخيم، وسيصار كذلك الى افتتاح مركز للتدريب المهني بداية اذار المقبل وبحيث سيعمل على تدريب الشباب والفتيات من عمر 16 – 24 سنة.

وقد انشئ هذا المركز بدعم من المجلس النروجي للاجئين وبالتعاون مع الهلال الاحمر الاماراتي، وسيقوم بتدريب المنتسبين في مجالات تمديدات الكهرباء والخياطة والحاسوب وزراعة وتنسيق الحدائق وبعض الحرف اليدوية.

تحديات وحلول

مع انشاء المخيم، كان البعض قد ابدى تخوفه من مخاطره على البيئة بسبب عدم ربطه بشبكة الصرف الصحي العامة لبعده عن المدن.

لكن الكعبي اوضح ان هذه المسالة تم حلها عبر التعاقد مع شركة قامت بانشاء محطة لمعالجة مياه الصرف وتنقيتها وبحيث تصبح صالحة للاستخدام في ري المزروعات داخل المخيم.

وقال ان الكميات الفائضة يجري توجيهها الى بعض الاهالي الذين لجأوا الى استصلاح اراضيهم المجاورة وزراعتها بمحاصيل الاعلاف مستفيدين من توفر المياه التي تصلهم عبر خطوط مرتبطة مباشرة مع محطة التنقية في المخيم.

واضاف ان المحطة حدت بشكل كبير من الكلف الباهظة لاستخدام الصهاريج في نقل مياه الصرف الى محطات التنقية البعيدة

ويتزود لاجئو المخيم بمياه الشرب المفلترة من خلال قوارير يتم شراؤها لهم من الخارج، وهو ما يضيف تكاليف اخرى الى جانب فاتورة الكهرباء التي تدفع ادارة المخيم قيمتها بصورة شهرية.

واشار الكعبي في هذا الصدد الى ان لديهم توجها للاعتماد على الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء عبر مشروع سيتم التعاون فيه مع “مصدر” الاماراتية وشركة اميركية كانت قدمت دراسة بهذا الخصوص.

وقال ان من شأن المشروع ان يقلص من حجم فاتورة الكهرباء وايضا من العبء الذي يشكله المخيم على شبكة الكهرباء الاردنية.

واثنى الكعبي في السياق على التعاون الذي تبديه الحكومة مع ادارة المخيم في كافة المجالات.

وقال ان الحكومة “قدمت لنا جميع التسهيلات، ومنذ عام 2012 وحتى اليوم لم نعاني من اية مشكلة، وكل ما نحتاجه نجده تلقائيا ودون تردد..وهي دوما تؤكد لنا انها ليست لديها اية مشكلة في توفير ما نحتاجه”.

واستبعد الكعبي استبدال الكرفانات بمبان اسمنتية، وهو ما كان البعض ابدى تخوفه منه في حال طال امد الازمة السورية.

وكشف عن توقيع إتفاقية لتوسعة المخيم وإضافة 960 كارافانا تتسع لنحو 6 الاف لاجئ وستكون جاهزة خلال 90 يوما.

تعليم ورعاية

في مخيم مريجيب الفهود مدرستان اساسية وثانوية تتبعان مديرية التربية والتعليم الثانية في الزرقاء، وتعملان بنظام الفترتين، وبحيث خصصت الفترة الصباحية للاناث والمسائية للذكور.

احدى المدرستين، وهي “مريجيب الفهود الإماراتية الأردنية الأساسية للبنات” تعمل فيها 23 معلمة جميعهن اردنيات وهي مؤلفة من طابقين.

وتقول مديرة المدرسة فاطمة النجار ان ابرز التحديات التي تواجه المعلمات مع الطلبة اللاجئين هي ان “افواجهم تاتي دون موعد محدد، أي أن الدراسة تبدأ ولا زال هناك طلاب جدد يلتحقون بالمدرسة وذلك نظرا للظروف السياسية”.

وتضيف ان الحرب تركت اثارا كبيرة على نفسيات الطلبة، وهو ما حدا بوزارة التربية الى تعيين مرشدة لمحاولة مساعدتهم على التغلب على هذه الاثار وتجاوزها.

وقالت “اذا شاهد أي منهم طائرات فانه يخاف بشدة وحتى حين يشاهد رجال الشرطة”.

وفي جانب الرعاية الصحية، يشتمل المخيم على عيادات من مختلف التخصصات، وهي مجهزة بمعدات تمكنها من التعامل مع الحالات الطارئة والاعتيادية.

اما الحالات التي تتطلب درجة رعاية اكبر فيجري تحويلها الى المستشفيات الحكومية خارج المخيم كما تخبرنا الطبيبة ليندا خازر التي تعمل في عيادة الاسنان، والتي تستقبل ما يصل الى 30 مراجعا يوميا.

وتساهم منظمة إنقاذ الطفل إضافة إلى مؤسسة نور الحسين في تقديم الدعم للاجئين من الناحيتين الصحية والنفسية.

وتوضح المسؤولة في منظمة إنقاذ الطفل سوسن عوض ان الدعم المقدم يتمثل في تشجيع الامهات على الرضاعة الطبيعية وتوعيتهن بالطرق المثلى لتغذية الاطفال، خصوصا من هم دون خمس سنوات.

وقالت عوض ان كرفان “انقاذ الطفل” يتابع حالات الف امراة يقمن بمراجعته بانتظام، عدا عن الحالات التي تقوم العاملات في فريق المنظمة بزيارتها في الكرفانات.

شيف ونوفوتيه ملابس

في مطبخه ، يعد الشيف عبدالرحيم جمال كل يوم اكثر من اربعة الاف وجبة للفطور ومثلها للغداء وللعشاء، وهي مخصصة لللاجئين والعاملين في المخيم، ويجري توصيلها في اوقات محددة الى الكرفانات.

 ويقول عبدالرحيم ان عدد العاملين في مطبخه يصل الى 90 جميعهم من اللاجئين المقيمين في المخيم، ويشرف عليهم 12 موظفا اردنيا.

وتعتمد قيمة رواتب الموظفين والعمال في المطبخ على خبرتهم ومستوى مهارتهم، على ان أقل راتب هو 500 دينار.

وخلال جولتنا في المخيم، اشار علينا مدير المكتب الإعلامي حثبور الهويدي الذي كان يرافقنا بزيارة احد الكرفانات وقد علت وجهه ابتسامة.

وحين دلفنا الى ذلك الكرفان اكتشفنا انه كان عبارة عن نوفوتيه يشتمل على مختلف الألبسة النسائية ومن بينها فساتين الزفاف، وكذلك مستحضرات الزينة، وكانت هناك نسوة انهمكن في تقليب قطع الملابس الموضوعة على الارفف.

صاحبة النوفوتيه لاجئة في عقدها الثاني تدعى ام عمر وهي من مدينة درعا، وتقيم في المخيم مع زوجها وطفليهما منذ نحو 11 شهرا.

تقول ام عمر “عندما تزوجت سكنت في الشام (دمشق)، وكان عندي محل شبيه بهذا، ولما جئنا الى المخيم لاحظت ان هناك طلبا على الملابس ومستلزمات الزينة، ففكرت في افتتاح محل يوفر على الناس عناء السفر خارج المخيم لشرائها”.

واضافت انها تقدمت بطلب الى ادارة المخيم والتي سمحت لها بافتتاح المحل الذي بلغ راسماله الفي دينار تكفلت بها من مالها الخاص

وتؤكد ام عمر ان هناك اقبالا على المحل، مشيرة الى ان البضاعة المعروضة جميعها سورية يقوم زوجها بين الحين والاخر بابتياعها من الرمثا.

“الخدمات كاملة ولا ينقصنا شئ الا ان نكون في الوطن”، كانت تلك هي العبارة التي رد بها اللاجئ هيثم شاهين القادم من بلدة القريتين في حمص على سؤالنا حول ما اذا كان هناك ما ينقصهم في المخيم.

وقال شاهين الذي لجأ الى الاردن هو وابناؤه وعائلاتهم قبل تسعة اشهر “الخدمات كاملة لا ينقصنا شيء، بل على العكس هناك زيادات، يعني لا تواخذوني أنا لا أشتري لأولادي ألعابا كالتي يحضرونها لنا لأنها غالية”.

واضاف “من ناحية اللباس، فضل من الله كله كامل، أما الطعام فوالله ومن فضل الله لم نكن ناكل مثله في بيوتنا”.

وفجأة دمعت عينا شاهين وهو يقول “نحن مرتاحون هنا ويتوفر لنا كل شئ، لكن هناك ما هو أبدى..أن أكون في وطني”.

وبعفوية قالت اللاجئة ام هايل التي كانت تصحب ابنتها الى المدرسة “لولا ما انتو أهل لينا ما طبينا وجينا عليكم”.

لبرنامج هنا الزرقاء