وسط ظلمات الحياة يقبع العديد من الفتيات السوريات، متخفيين من حقيقة الواقع الذي لحقهم خلال تعرضهن لإصابات عمل، دفعت بهم إلى واقع حياة جديد يندرج في منحدر خطير، مما عرضهم لإصابات جسدية، مرورهم في صدمات نفسية وعاطفية، خلافاً للأضرار الجسدية التي لحقتهم، واجدين ذاتهم بدون حقوق وفي واقع لم يتوقعوا عيشه يوماً.
في وقت لم تكتفي الحياة بأن ترمي ثقلها على عاتقهم جراء تكفلهم في العمل لسد احتياجات عائلاتهم، مما جعلهم يعيشون أيامهم وباتت تلازمهم حالة جسدية ونفسية متهالكة، على الرغم من صغر أعمارهم، لتكن الظروف الحياتية لها كلمتها الأقوى.
العزلة الحل الوحيد
نوارة عبيد سيدة تبلغ من العمر 43 عاما، قدمت من مدينة حمص السورية للأردن في عام 2013 برفقه زوجها وأبنائها، مما جعلها أمام واقع حياتي جديد وظروف معيشية صعبة، دفعها إلى دمج ابنتها الكبرى في العمل، في حين كانت تبلغ من العمر 13 عاماً بمجال الزراعة، وتوالت الأعوام ليفقد زوجها حياته في عام 2016، وهنا بدأت الحياة ترمي بثقلها على عاتق ابنتها برفقتها لتولي مهام المنزل والعمل سوياً.
تقول نوارة "حَرمتُ ابنتي وشقيقتها الأصغر عمراً من حقهم بالتعليم لخوفي عليهم من الحياة، ولجعلهم يعملون برفقتي لسد احتياجات المنزل، وكنت أرى على ملامحهم معالم التعب والارق في ظل حرمانهم كافة مقومات الحياة لفتاة بقبيل عمرها، واستمرت الحياة بقسوتها، والتحقت ابنتي الكبرى للعمل في معمل للخياطة بعد حصولها على تصريح عمل رسمي، براتب شهري 220 دينار أردني، حيث كانت تعمل 8 ساعات عمل في اليوم."
"أصيبت خلال عملها في المعمل بماس كهربائي أفقدها الوعي أربع ساعات، ونقلت على أثره إلى المستشفى لتلقي العلاج، لننصدم بتخلي أصحاب العمل عن كفاله علاجها، ولم يكتفوا بذاك الحد بل اتهموها بأنها مصابه بشحنات كهربائية، ولم تتعرض لتيار كهربائي أثناء العمل، اليوم الحزن يقتل قلبي عند رؤية حالتها النفسية التي تمر بها منذ قرابة 9 شهور من الحادثة وباتت ترفض الخروج للعمل" تضيف نوارة.
بينما الفتاة رغدة موسى 22 عاماً التي تعرضت لحاله تسمم أثناء عملها في الزراعة في منطقة الرمثا، إذ إنها "بدأت العمل بمجال الزراعة في عمر 16 عاماً، ومررت بالعديد من الوعكات الصحية وضربات الشمس خلال عملي في جني المحاصيل، واصبت بالتواء في الساق اليسرى جعلني اعاني من أوجاع وعرضت على طبيب لحدوث مضاعفات مرضية".
وتقول إن العديد من الفتيات يواجهن يصابون بوعكات صحية ومرضية خلال عملهم في جني المحاصيل الزراعية وذلك يجعلهم غير قادرون على العمل بشكل يومي نتيجة المضاعفات المرضية التي يمرون بها، ولكن يجدون ذاتهم مجبورون من الأهالي الخروج للعمل، مما يجعلنا الأكثر عرضة للإصابة أثناء العمل.
مخاطر الحرف الغير منظمة
يقول أحمد عوض مدير المرصد العمالي أن عمل الفتيات داخل الحرف الغير منظمة يشكل مخاطر على سلامتهم الجسدية والبدنية بالتزامن مع عدم التزام أصحاب العمل بضوابط وتوفر الحدود الدنية للسلامة المهنية والصحية، وخاصة في ظل عدم وجود عقود عمل ملزمة توفر الحقوق والحماية القانونية للعاملات بالتزامن مع ارتفاع معدل انخراط السيدات والفتيات في الاعمال الغير منظمة بالأردن. وذلك يجعلنا أمام مخاوف مستمرة متمثلة في ضياع الحقوق العمالية وخاصة الفتيات اللواتي لديهم تخوف مستمر من عدم ايفاءهم حقوقهم وحرمانهم العمل بشكل مطلق، اعتبارا بأن المشغل لا يوفر لهم الحماية القانونية.
يوجد إشكالية في تلقي الشكاوى من قبل السوريين. جراء قيام الأهالي بحجب شكواهم تجاه إصابة بناتهم أثناء العمل وعدم القيام بسير الشكوى بمسارها الطبيعي، وذلك يدفع إلى عرقلة حصولهم على حقوقهم نتيجة تحكم الأهالي بالأمور، وبالإضافة إلى وجودهم ضمن أعمال غير منظمة، غير مدركين بأن صاحب العمل من يتحمل المسؤولية كاملة في حال حدوث إصابة لاستغلال حاجاتهم للعمل وأدراجهم ضمن الأعمال بشكل غير قانوني وبأجور أقل، وعدم التعرف عليهم في حال إصاباتهم. بحسب قول ليندا كلش مدير التنفيذية جمعية تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الانسان.
لا أوراق ثبوتية
يبين حمادة أبو نجمة رئيس بيت العمال للدراسات، أن الحديث عن سبب إصابات العمل تعود إلى عدم اشراك العمال في الضمان. في وقت ما زال الضمان غير فعال، وخاصة بما يتعلق في القطاع الزراعي الذي يدرج ضمن القطاعات الغير منتظمة، وذلك يتطلب على الضمان شملهم لتفادي جملة التجاوزات التي ترتكب بحقهم خاصة حين وقوع إصابات عمالية أثناء عملهم، حيث يكون موقفهم الأضعف لعدم وجود أوراق ثبوتية وقانونية تضمن حقوقهم تحت مبرر العمل الغير منتظم.
وتقول كلش تستطيع أي فتاة اكتساب حقها في الضمان، امتثالا بأن العامل مسجل ضمن الضمان الاجتماعي ويمتلك تصريح عمل من الممكن تعويضه، وفي حال كانت الفتاة لا تمتلك تصريح عمل أو قاصرة تذهب الأمور للتقاضي ضد صاحب العمل.
الإصابات الجسدية تعمق الازمات النفسية
غدير العناتي أن الحالة التي تمر بها الفتيات عند الإصابات تكن معقدة، حيث تكون العزلة المجتمعية بمثابة الحل الامثل لظروفهم السائدة وخاصة في ظل وجودهم وسط بيئة مغلقة المخيمات، وذلك يولد الإجهاد والتفكير الانسحاب من وسط بيئة المجتمع بشكل مضاعف لدي الفتيات اللواتي يتعرضن للإصابات خلال العمل.
وتضيف أن ظروف العمل وتعرضهن للإصابات أثناء العمل يدفعهن إلى عدم اهتمامهم بالعناية الخاصة، ومراعاة ظروفهم العاطفية والنفسية من قبل الأهالي والمحيط المعيشي وذلك يخلق مضاعفات إضافية عليهم.
دراسة تثبت
وأظهرت دراسة بعنوان "سلامة المرأة في بيئة العمل" صادرة عن مركز الفنيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية في 2021، إن توفير بيئة عمل آمنة من مخاطر الصناعات المختلفة ورفع مستوى وكفاءة وسائل الوقاية سيؤدي بلى شك إلى الحد من الاصابات والامراض المهنية وحماية العاملات من الحوادث، مما سينعكس على تحسين وزيادة مستوى الانتاج ودفع القوة الاقتصادية للدولة، وتبيّن النتائج أن العاملات سواء في قطاع العمل المنظم أو غير المنظم تعاني من تعدد أنواع الإصابات المهنية والأمراض التي تحدث أثناء وبسبب العمل داخل المنشأة.
وأظهرت النتائج أن الاناث العاملات في قطاع العمل غير المنظم يعانون من عدة أنواع إصابات مهنية منها الكسور وإصابات العمود الفقري وذلك نتيجة رفع الاحمال الثقيلة حين تغيب الذكور، وبالإضافة إلى إصابات الخلع والالتواءات والرضوض والانزلاق واصابات الرأس. وتتعرض النساء العاملات في الزراعة وصالونات التجميل وعاملات التنظيف للإصابة بالتسمم الناتج عن استخدام المواد الكيميائية والمبيدات الحشرية، وأدوية للفطريات ومبيدات للأعشاب.
الضمان الاجتماعي حق منقوص
وأفادت مؤسسة الضمان الاجتماعي تستطيع المؤمن عليها التقدم بالشكوى الى مؤسسة الضمان الاجتماعي عن طريق الموقع الالكتروني الخاص في بالمؤسسة أو الاتصال بمركز الاتصال الموحد أو مراجعة أي فرع من فروع المؤسسة. وتستطيع المؤمن عليها والخاضعة لقانون الضمان الاجتماعي التقدم بطلب العلاج في حال لم يقم صاحب العمل بالتبليغ عن أصابتها خلال مدة لا تتجاوز أربعة أشهر من تاريخ وقوعها إذا لم تقم المنشأة بأشعار المؤسسة بها. في وقت لم يصل للمؤسسة من خلال منافذها سواء البريد الالكتروني أو مركز الاتصال الوطني أي شكاوى تخص الافراد السوريين
رصد المرصد العمالي على مدار عام 2021 واقع حال العديد من الفئات التي تعمل في الاقتصاد غير المنظم وتبين أنهم يعانون من ظروف عمل أكثر صعوبة من غيرهم من القطاعات، من حيث أجورهم المنخفضة، وعدم شمولهم بالضمان الاجتماعي، وعدم تمتعهم بشروط الصحة والسامة المهنية، وغيرها من معايير العمل اللائق. وتكمن المشكلة بأن هناك مجموعة من التشريعات والسياسات لم تساعد على تخفيض العمل غير المنظم.
وأقرت منظمة العمل الدولية في اتفاقية التعويض عن حوادث العمل في عام 1921 بأن يلتزم كافة الدول الأعضاء في المنظمة في توسيع قوانينها ولوائحها لتشمل تعويض العمال عن اصابتهم في حوادث تقع بسبب العمل أو أثناء أدائه.