بعد أكثر من عشر سنوات على افتتاح مخيم الزعتري للاجئين السوريين، بات المخيم اليوم مدينة متكاملة يضم خدمات متعددة، تجنب قاطنوه اللجوء لخارج المخيم لتأمين احتياجاتهم الأساسية.
شارع السوق أو ما يطلق عليه اللاجئون السوريون "شام إليزيه" نسبة إلى شارع الشانزليزيه الباريسي الشهير، يضم محال تجارية متنوعة من مواد تموينية وموبايلات وألبسة ومطاعم، إضافة إلى مهن صغيرة متنوعة.
يعتمد التجار وأصحاب المحال التجارية في المخيم، على الأسواق الخارجية في محافظتي اربد والمفرق، إلا أن التوجه الأكبر للتجار إلى مدينة الرمثا -تبعد نحو 50 كم عن مخيم الزعتري- لتنوع الأصناف التي تناسب قاطني المخيم ووجود أصناف سورية.
منذ إنشاء المخيم سنة 2012، حول اللاجئ السوري أبو جمال -30 عاما قدم من محافظة درعا الحدودية-وإخوانه الثلاثة خيمة إلى محل تجاري متواضع يبيع مواد تموينية بسيطة، إلى أن تحولت الخيمة إلى محل أنشأه لاحقا من الكرفانات بمساحة جيدة مع تطور المخيم.
لجأ أبو جمال مع أهله إلى الأردن مع بداية الأزمة السورية واستقر في مخيم الزعتري وأكمل دراسته الجامعية في وقت لاحق بتخصص الرياضيات، ودبلوم هندسة مدنية بعد أن كان في كلية الصيدلة بجامعة دمشق.
مخيم الزعتري يحتل الرقم 5 ضمن قائمة أكبر مخيمات اللاجئين في العالم من حيث عدد السكان، حيث يبلغ عدد سكانه 82,679، نصفهم من محافظة درعا الحدودية، يعيشون على مساحة 5.3 كيلو متر مربع.
علاقات اجتماعية
لم يتوقع أبو جمال وإخوانه أن عملهم في المحل التجاري الذي أنشأوه سويةً يقتصر على توفير دخل جيد يساعدهم على العيش في رحلة لجوئهم وفرص عمل لهم، بل امتد ذلك إلى خارج المخيم، إذ تطورت علاقاتهم ببعض التجار خارج المخيم من علاقات رسمية ضمن دائرة العمل إلى اجتماعية.
"طبعا صار في علاقات، يعني شخص بتشوفه كل أسبوع أو كل عشر أيام وصار بينك وبينه خبز وملح وسلامات ودين وكاش إجباري رح يصير علاقات وعزايم لعنده على البيت وبدك تشاركه بأفراحه وأتراحه"، يقول أبو جمال.
ويضيف "بعض الأحيان بطلع يوم الجمعة المسا على الرمثا وبنام عند شي تاجر ليوم السبت وأوخذ البضاعة وأرجع على المخيم وللأمانة ما يقصروش".
أحد تجار سوق الرمثا، أشرف السيلاوي، يقول إن علاقته بأبي جمال لم تعد مجرد علاقة عادية مقتصرة على "زبون" بل أصبحت أعمق وأشمل.
"الزلمة فات بيتنا وبيننا علاقات وسهرات وبالوقت الحالي العلاقة صارت صداقة أكثر من شغل"، يضيف السيلاوي.
المحلل الاقتصادي والاجتماعي حسام عايش، يعتبر أن مخيم الزعتري أصبح بديلاً عن التبادل التجاري بين الجانب السوري والرمثا وبالتالي في شكل من أشكال التبادل التجاري والذي يتمخض عنه تبادل شخصي انساني عائلي.
"هذا التبادل أيضا هو شكل من أشكال العلاقات الإيجابية التي نشأت بين المخيم وبين البيئة المحيطة به مثل الرمثا والمناطق الأخرى حيث أصبح جزءا من النسيج الاقتصادي والاجتماعي للمنطقة وهذا يؤدي بطبيعة الحال إلى أشكال من التعاون بين الأطراف بحيث تكون جميعها تبدو وكأنها رابحة من هذا الوضع الجديد والأهم أن هذه العلاقات حولت اتجاه هذه العلاقة من التنافس إلى التعاون بل بالعكس إلى الاعتماد المتبادل ع بعضهم البعض"، يضيف عايش.
ويتابع عايش، أن "السوريين عوضوا علاقاتهم السابقة من خلال تطوير علاقتهم مع البيئة المحلي المتواجدين فيها، وطبعا الرمثا سواء تجار أو حتى أفراد جدد دخلوا على النشاط الاقتصادي بمعنى أنه أوجد فرص عمل للطرفين وبالتالي سمح بنوع من التكامل ونوع من التشابك في هذه العلاقة وهذا أمر مهم اقتصاديا واجتماعيا وأيضا ع صعيد الانسجام الذي يؤدي إلى ربح بين جميع الأطراف وليس إلى تنافر وعنصرية كما يحدث في دول أخرى".
السوق يضم 1800 محل تجاري
أُنشأ مخيم الزعتري للاجئين السوريين قبل أكثر من عشر سنوات، إذ افتتح في 28 يوليو 2012، وأصبح رمزاً لأزمة اللاجئين السوريين المستمرة منذ فترة طويلة، إضافة إلى أنه أكبر مخيم للاجئين في الشرق الأوسط وواحداً من أكبر المخيمات في العالم، وفق ما ذكرت المفوضية في بيان في تموز/يوليو الماضي.
يمتد شارع الـ” شام إليزيه“ على مسافة ما يقرب من 3 كيلومترات عبر وسط المخيم، ويضم كل شيء من متاجر الخضار إلى ورش تصليح الدراجات والتي يديرها اللاجئون أنفسهم. وقد احتلت الأعمال التجارية التي أسسها اللاجئون في الزعتري عناوين التقارير الإخبارية في جميع أنحاء العالم، وفق بيان للمفوضية.
مخيم الزعتري يضم 1800 محل تجاري، ويعمل في تلك المحال 3600 شخص، وفق المفوضية.
واعتبرت المفوضية، أن العلاقات التجارية القائمة مع الشركات والموردين الأردنيين المحليين في بلدة المفرق القريبة أثبتت وجود حركة مستمرة من شاحنات التوصيل من وإلى المخيم.
رئيس غرف ة تجارة الرمثا، عبد السلام ذيابات، قال إن مخيم الزعتري يعتمد على أسواق متعددة كالمفرق، ولا تنحصر بسوق الرمثا، معتبرا أن الحركة على سوق الرمثا ضعيفة.
التاجر الأردني، أشرف السيلاوي، يؤكد أن وجود مخيم الزعتري ساهم في نمو الحركة التجارية بسوق الرمثا، مضيفا أن "المخيم له إيجابيات على السوق وأحد المصادر الرئيسية لسوق المخيم التجاري."
الخبير حسام عايش، يقول إن الوجود السوري في الأردن، سببين مهمين لاستمرار تحقيق معدلات نمو اقتصادي ولأسباب مختلفة طبعا، منها أن هناك الكثير من المنح والمساعدات وصحيح أنها أقل مما يتم تحديده بشكل كبير أحيانا لكنها من صف الأردن وهذا يؤدي إلى تحسين الأداء التجاري الاقتصادي وكذلك المشاريع المشتركة بين الأردنيين والسوريين ع خلفية هذه المساعدات والإنفاق.
"الأهم أن الوجود السوري أيضا كان واحدا من الأسباب الدافعة لتخفيض الشروط الأوربية اتجاه منتجات أردنية إلى السوق الأوربية وهذا كله يحسب لصالح الأداء الاقتصادي العام سواء كان بشكل مباشر أو بغير مباشر"، بحسب عايش.
ويعيش في الأردن نحو 669 ألف لاجئ سوري، بينهم 134,561 داخل المخيمات، وفق بيانات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، بينما تقول إحصائيات حكومية إن مليونا و300 ألف سوري في المملكة.