وحدات زراعية قائمة على أكتاف طفلات عاملات

وحدات زراعية قائمة على أكتاف طفلات عاملات
الرابط المختصر

خُضار مزروعة بأيدي عاملات دون سن 18عاماً

 

قررت الناشطة المجتمعية رائدة الجريان إطلاق مبادرة"لالعملالقاصرات" في مناطق وادي الأردن في آذار الماضي، لنشر الوعي بين عائلاتيرسلن بناتهن إلى مزارع يتعرضن فيها لظروف عمل قاسية.

 

تعمل الجريان حاليا على حشد أكبر عدد من النساء المهتمات من ناشطات وذوي عاملات في هذه الحملة التي تقول أن"هدفها الأولي هو تحسين شروط عمل الطفلات فقدن فرصتهن في حياة فضُلى وتعليم وصحة، ثم لاحقا الإشتغال مع جهات أخرى في محاولة إعادتهم إلى المدرسة".

 

"زرنا منازل العاملات للإطلاع على واقع عملهن ورصدن فئاتهن العمرية التي تتراوح بين 14 و16 عاما ليس أكثر، وأعمار 12 عاما فأقلخلال فصل الصيف حيث إجازة المدارس"، تقول الجريان وهي مديرة جمعية"سيدات شرحبيل بن حسنة"تعنى بحقوق النساء في مناطق الأغوار.

 

11

تزداد نسبة الطفلات العاملات فيالقطاعالزراعيفي الفترة ما بين حزيران حتى أيلول من كل عام، خلال العطلة الصيفية للمدارس، لتصل الى مايزيد عن 40% وفق مسح الجمعية، "الصورة العامة تظهر مزارع تعج بالعاملات المصطحبات بناتهن، لمعاونتهن في العمل بالمزارع لكنهن عاملات أيضا، فبدلا من اللعب والراحةيعملن في ظروف عمل قاسبة وصعبة على الكبار خصوصا في فصل الصيف"، تقول الجريان.

70 ساعة عمل أسبوعيا

يواجه أطفال يعملون في المزارع، مستويات مختلفة من"التعب والإرهاق"، إضافة الى مخاطر صحية عديدة، وفق دراسة منظمة العمل الدولية ILO حول الأطفال العاملين في المزارع لسنة 2014 وشملت أردنيين وسوريين، "أكثر من نصف الأطفال العاملين بنسبة 55.2% أفادوا بأنهم مرهقين بشدة كنتيجة للعمل وأفاد 5% بأن العمل لم يؤثر عليهم.

أفاد 24.2% من أطفال العينة في دراسة المنظمة الدولية، بأن عددساعاتعملهم الأسبوعية تتراوح بين 20-30 ساعة "ترهقهم بشدة" أماالأطفال الذين أفادوا عدم تأثيرهم بالعمل، فانقسموا إلى ثلاث فئات من ناحية ساعات العمل: 3.1% منهم يعملون ما بين 3-19 ساعة أسبوعيا، و0.9% يعملون بين 3-20 ساعة اسبوعيا، و1.1% يعملون بين 33-70 ساعة أسبوعيا.

تعقد رائدة الجريان في جمعيتها دورات توعوية لأهالي العاملات القاصرات والكبيرات، لغاية توعيتهم بالأثر السلبي على صحتهن ومستقبلهن، وتلمس تجاوبا محدودا، الأمر الذي دفعها إلى تنفيذ زيارات ميدانية لمنازل ومواقع عمل القاصرات، "لتوعيتهن بمخاطر العمل، ولحمايتهن من الاستغلال بكافة اشكاله عبر محاضرات توضيحية لأشكال الإستغلال".

 

طفلات كبيرات

 

غادرت الطفلة رانيا (15) عاما طفولتها بعمر 12، شاقة عملجديد من الخامسة صباحا حتى السادسة مساء إلى جانب والدها وأشقائها في مزارع منطقة كريّمة بالأغوار الشمالية.

 

بصوت فقد طفولته،تقول رانيا: "بلشت عمل بالمزارع سنة 2012 لان وضع أهلي مش مليح، أمي تعبانه وأبوي كان بدو حد يعاونه بالمصروف، وضعنا على قده ويدوب، ومش مكفي، قررت الشغل ولساني صغيرة وحمدالله مستمرين".

 

333

بدراسة منظمة العمل الدولية، رصدتعند سؤالها الأطفال عن أسباب عملهم، ذكر 81.8% منهم أن الأسرة بحاجة إلى دخل، وذكر 8.3% منهم أنهم لا يملكون تكاليف الدراسة.

رافقنا رانيا داخل أحد البيوت البلاستيكية،كانت خلالها تتحدث معنا وهي تقطف ثمارالبندورة، تقول "باخود 4 دنانير مقابل 5 ساعات عمل، تحت الشمس وبين الحشرات الي يمكن هي ضارة، شو بدي اعمل بس بدي اشتغل".

أسوأ أشكال العمل

تدني الأجور ليس الإنتهاك الوحيد الذي يتعرضن له العاملات القاصرات، إنما سوء المعاملة واستغلاهن لصغر سنهن بالقيام بأعمال الذكور، كتحميل الخضار على رؤوسهن في المركبات المخصصة لنقل الخضار لعمان. "صاحب العمل بطلب مني نحّمل لبوكس السيارة ببلاش وهذا متعب جدا"، تقول رانيا التي لفتت إلى أن دفع أجورهن يتأخر لشهور في أحيان كثيرة.

222

من غير المسموح الإستراحة خلال الـ5 ساعات المتواصلة في العمل، كذلك غير مسموح  لهن مغادرة  البيت البلاستيك قبل الانتهاء من العمل بشكل كامل، هذا ما رصدناه من خلال أكثر من فتاة تحدثت باقتضاب شديد معنا، خلال زيارتنا لإحدى مزارع كرّيمة.

عمل الفتيات في تلك المزارع، تّعرفهإتفاقية "حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال والإجراءت الفورية للقضاء عليها، 1999 رقم 182" بأنه «أسوأ أشكال عمل الأطفال» وفق المادة الثالثة (بند د): "الأعمال التي يرجح أن تؤدي، بفعل طبيعتها أو بفعل الظروف التي تزاول فيها، إلى الإضرار بصحة الأطفال أو سلامتهم أو سلوكهم الأخلاقي".

عمل تحت الشمس والمبيدات

 

تعمل الطفلة مروى (14)عامايوميا منذ الساعة الخامسة صباحا حتى الساعة 3 ظهرا يتخللها استراحة لمدة ساعة، مقابل 8 دنانير وتعتبر نفسها محظوظة بهذا المبلغ.

لا مكان للراحة هذا ما حاولت مروى تكراره على مسامعنا؛ فالعمل يمتد إلى منزل ذويها؛ من خلال المعاونة في التنظيف وملاحقة أشقائها الصغار. "كل المشاكل تهون، لكن معاناتي في النقل هي مشكلة أخرى"، تقول مروى. تقوم إحدى الشاحنات الصغيرة "البيك آب" بنقل مروى إلى جانب 15 أخريات نصفهن دون سن 18 عاماإلى المزارع.

 

أما التعرض للمبيدات الكيماوية يقابله وسائل سلامة بدائية كالأقمشة على الوجوه وهو ما يعُتبر إخلال في شروط السلامة الصحية الوقائية.

 

تقوم المشرفات بممارسة سلطة مطلقة على العاملات القاصرات من ناحية اقتطاع الأجرة عليهن في حال اخذن قسطا من الراحة.

 

لا يحق للعاملة القاصرة المطالبة بحقوقها، فالمشرفات هن من يحددن الأجر لكل فتاة، متفقات مع أصحاب العمل على ساعات العمل والاجور وآلية النقل التي تخصم من أجورهن التي عادة لا تزيد عن 4 دنانير في اليوم.

 

حدد قانون العمل رقم 8 لسنة 1996 عمر الطفل الحدث ب17 عاما، بذلك يمنع عمل الطفل لمن هو تحت ذلك السن، في الأعمال الخطرة أو المرهقة أو الضارة، كما نصت عليه التعليمات الخاصة التي أقرتها وزارة العمل عبر تعليمات خاصة صدرت عام 1997 استندت بالمطلق على "إتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 138".

 

يعرّف عمل الاطفال بأنه "أن كل جهد فكري أو جسماني يذله الطفل لقاء أجر أو بدون سواء كان بشكل دائم أوعرضي أو مؤقت أوموسمي يعتبرضارا له، ويتم على المستوى العقلي والجسمي والإجتماعي والأخلاقي والمعنوي،وما يحرمه من فرصة المواظبة على التعليم من خلال إجباره على ترك المدرسة قبل الأوان، أو ان سيلتزم منه محاولة  الجمع مابين الدوام المدرسي ، والعمل المكثف الطويل ساعات".

 

مسؤولات عن الطفلات

 

إزداد عدد المشرفات على الطفلات العاملات خلال عام من إعداد ناقصة ، بمعدل مشرفة واحدة عن 10 عاملات ل266 وحدة زراعية بمنطقة الكريمة و133 وحدة زراعية في منطقة المشارع لكننا لم نستطع تثبيت رقم واضح نظرا لغياب المسح الشامل. ويبلغ مجموع الوحدات الزراعية بمناطق وادي الأردن إلى 7 آلاف و200 وحدة زراعية، وفق سجل مديرية زراعة وادي الأردن.
سجود (17 عاما)، هي مسؤولة عن  عدد من العاملات القاصرات في عدة مزارع في المشارع، ورغم قرب عمرها من العاملات، إلا أنها تدير الفتيات كحال مشرفات يكبرنها بسنوات.

 

هناء (17 عاما)، تشرف على طفلات عاملات في إحدى مزارع الكريّمة، تقول لنا أن هناك استغلال للطفلات العاملات، وتقر أن ثمة مشرفات يخصمن أجرة عاملات بالاتفاق مع صاحب المزرعة في حال وجدت أن العاملة لم تعمل بجهد، كذلك ينسحب الاقتطاع لصالح سائق المركبة، دون الرجوع للعاملات حيث يصل إلى دينار واحد من أصل 4 دنانير.

 

بدأت هناء العمل بالقطاع الزراعي، منذ العام 2011 مرافقة والدتها آنذاك، وتولت إدارة فتيات حتى أصبحت مسؤولة عن 20 عاملة، 12 منهن دون سن 17 عاما،"نحن شبكة صبايا عددنا حوالي 30 وكل وحده مّنا بتشرف على عشر عاملات".

 

ترصد مديرة مركز تمكين  للمساعدة القانونية، ليندا كلش، "غياب جميع وسائل الحماية عن القطاع الزراعي، وعدم وجود أدوات للسلامة المهنية بالرغم من وجود أعداد كبيرة من العمال وخاصة من العاملات القاصرات". "تبدأ الانتهاكات من ساعات العمل الطويلة، وتدني الأجور وخطورة بيئة العمل، وإساءة أصحاب العمل"، تقول كلش.

 

القطاع الزراعي أسوأ أشكال العمل

 

تعتبر وزارة العمل عمل الأطفال في القطاع الزراعي أحد أسوأ أشكال عمل الأطفال وهي ضمن قائمة الاعمال الخطرة التي أصدرتها الوزارة عام 2011 بموجب المادة  74، وفقا لرئيس قسم الأطفال في وزارة العمل شيرين الطيب.يتعرض الأطفال العاملين في القطاع الزراعي لمخاطر جسدية وكيماوية، فضلا عن استغلالهن وعدم توفير لحماية، فيما لا تملك الوزارة شكاوى تعاملت معها رغم شمول القطاع مؤخرا بأحكام قانون العمل، “إلا أنه لم يصدر حتى الآن نظام خاص للعمل في هذا القطاع لخصوصيته وطبيعة العمل الذي يتطلب ساعات عمل طويلة ومبكرة وموسميه”،وفق ما تؤكده الطيب.

 

وصلت أعادد الزيارات لمواقع عمل الأطفال عام 2015 إلى 1442 زيارة وفق الطيب، فيما وصل عدد الأطفال العاملين فيها إلى 1273، فيما كانت أعلى نسبة لعمل الاطفال في قطاع ميكانيك السيارات بنسبة 37%، ويأتي قطاع الفنادق والمطاعم بـ 27% ثم قطاع الزراعة 2%.

 

في عام 2014 كانت أعداد الزيارات الميدانية المنفذة من قبل وزارة العمل 1862 زيارة، وبلغ عدد الأطفال العاملين لـ1316 طفل، وكان قطاع اصلاح المركبات بالمرتبة الاولى مانسبته 41% وتليها قطاع الفنادق والمطاعم مانسبته 26.9% وقطاع الزراعة كانت نسبته 17%.

 

"نحن نقوم بالإجراءات القانونية اللازمة في حال ضبط أصحاب مزارع مخالفين لقانون العمل، من خلال مخالفته بغرامة مالية قدرها 300دينار إلى 500 دينار وتضاعف في حال تكررت المخالفة، وبالمحصلة قد تغلق المزرعة"، تقول الطيب في وقت لم نرصد أي حالة إغلاق لمزارع.

 

الزراعة أشد خطرا

 

ما نسبته 18.2% من الأطفال العاملين يتعرضون للضرب من قبل أصحاب العمل في حال صدر عنهم أي خطأ،وفق دراسة (تحليل أوضاع الأطفال العاملين في قطاع الزراعة في الأردن)، الصادرة عن المجلس الوطني لشؤون الأسرة لعام 2012.

 

تشكل "الزراعة" واحدا من قطاعات العمل الأشد خطوة بمقياس الحوادث مع قطاعي التعدين والبناء، فعمل الأطفال في الزراعة، يجعلهم عرضة للإصابة بأمراض بيئية مختلفة، مثل:(المالريا، والبلهارسيا، وفقر الدموغيرها) نتيجة لتعاملهم مع المبيدات الزراعية بشكل مباشر أو غير مباشر، ولتناولهم الخضراوات والمأكولات في بيئة العمل، وتعرضهم لأشعة الشمس لساعات طويلة، تؤكد دراسة المجلس الوطني.

 

إساءات ترقى لعبودية

 

تكرر الناشطة في مجال مكافحة عمالة الأطفال ورئيسة شبكة "لا لعمالة الاطفال الانسانية "نهاية دبدوب، ما ذكرته لنا في قبل عام ذات المطالبات حيث إساءات تتعرض لها الفتيات وعمل يقرى لعبودية.

 

“عمل الطفلات في القطاع الزراعي واحداً من أسوأ أشكال عمالة الأطفال، والأكثر خطورة نتيجة البيئة الزراعية السيئة”، وفق الشبكة، فإضافة إلى استغلال طفلات في العمل، هناك جهل وقلة إدراك في تعليمهن على كيفية التعامل مع المبيدات الكيماوية.

 

تستذكر دبدوب دراسة أعدتها عام 2007 بدعم من منظمة العمالة الدولية، "كانت تشير إلى أن 37 %من العمال همأطفال بالقطاع الزراعي، جزء كبير منهم هو العاملات القاصرات".

 

تقترح الناشطة دبدوب كجزء من حل القضية قيام الحكومة بتأهيل الفتيات القاصرات نفسيا واجتماعيا وإعادة دمجهن بالحياة التعليمية كسبيل لإنقاذهن من جديد.

 

نقابة غير معنية

 

لا تمتلك نقابة العاملين في الزراعة إحصائيات أو مسوحات عن أعداد العاملين بالقطاع الزراعي وخاصة العلامات القاصرات،"صعب الحديث عن طبيعة الانتهاكات التي يتعرضن لها القاصرات في الحقول الزراعية"، يقول رئيس نقيب، مثقال الزيناتي.

 

ولم يحدد بعد دور النقابة التي أسُست عام 2015 ، "كل ماعلينا فعله تجاه القاصرات هو تبليغ وزارة العمل بوجود تلك المخالفات"، يقول الزيناتي.

 

تقصير غير مبرر

 

النائب محمد العلاقمة،أحد نواب مناطق الاغوار، يتهم  وزارة العمل بالتقصير حيال وجود عاملات قاصراتفي المزارع، "لا وجود لفرق تفتيش ولا استمرارية في الرقابة، لا مكان للقانون في هذه المزارع".

 

يصف النائب العلاقمة وضع الأطفال بالسيء "هناك الكثير من الإنتهاكات التي يتعرضون"، ويعد "سأطرح وضع الأطفال العاملين في المزارع أمام كافة نواب الاغوار، والبالغ عددهم 6 نواب لإيجادحلول".

 

لا حماية اجتماعية أو رقابة صارمة

 

نشرت مديرية السلامة المهنية في وزارة العمل في تقريرها العام 2013 عن تصدر القطاع الزراعي إلى جانب قطاع الانشاءات والمطاعم أعلى اصابات عمل بين صفوف العاملين فيها بمعدل إصابات (33.7/ 33.1/ 31.9) إصابة عمل لكل 1000 مؤمن عليه على التوالي في عام 2013، مقابل قطاع الزراعة والصيد والحراجة بمعدل (35.0) إصابة عمل لعام 2012.

 

يزيد تقرير مؤسسة الضمان الاجتماعي للعام 2014 إلى أن “الزراعة والانشاءات” أكثر القطاعات يتعرض فيها العاملون إلى مخاطر مهنية، وبنفس الوقت لا يخضعون لأي نوع من التأمين وفي معظم الحالات لا يقومون بالتبليغ عن إصابات العمل لعدم وضوح التشريع في إلزام صاحب العمل بالإبلاغ عن الإصابات.

 

توجه الناشطة رائدة الجريان نداءً لوزارة العمل "ببسط سيادة قانون العمل على كامل الأراضي الزراعية لوقف الإنتهاكات المتعددة التي تطال جيل الصغار من العمل الأردنيين والأجانب".

 

مواقع ذات صلة:

موقع دولي متخصص برصد عمالة الأطفال

 

الإستراتيجية الوطنية للحد من عمل الأطفال

 

الإطار الوطني لمكافحة عمل الأطفال

 

مهام ومسؤوليات قسم عمل الأطفال

 

للابلاغ عن حالة طفل عامل

 

*التقرير بدعم من منظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان الكندية JHR