هل ترهق فاتورة التقاعد المبكر الاقتصاد الوطني؟
أكد الناطق الإعلامي باسم مؤسسة الضمان الإجتماعي موسى الصبيحي، وجود ما يزيد عن 196 ألف متقاعد في المملكة مع نهاية شباط الماضي، 91 ألف منهم تقاعدوا على "نظام التقاعد المبكر"، وبنسبة 46%، واصفا إياها بـ"المرعبة".
وأضاف الصبيحي لـ"عمان نت"، بأن لجوء المشتركين بالضمان للتقاعد المبكر فيه يكبد الاقتصاد الوطني خسائر كبيرة، وزيادة معدلات البطالة، مشيرا إلى خروج حملات تدعو إلى التقاعد المبكر لإتاحة الفرصة بالعمل للشباب كحل لمشكلة البطالة التي يعانون منها.
وقال "إن المؤسسة ستقوم بحملات مكثفة في القريب العاجل، لمواجهة الانتشار الواسع بين المواطنين لمواجهة التقاعد المبكر الذي يرفع من فاتورة التقاعد الكلية ويستنزف موارد المؤسسة، وفتح حوارات مع الشباب خاصة في الجامعات للتوعية بمخاطر التقاعد المبكر".
وشدد على أن محاربة البطالة تمكن في الاستثمار وخلق فرص عمل جديدة وليس في التقاعد المبكر.
وارتفعت فاتورة التقاعد خلال شباط الماضي، إلى 73 مليون دينار، منها ما يقارب 46 مليون دينار قيمة فاتورة التقاعد المبكر شهريا، بما نسبته 58 % من الفاتورة الكلية.
وتشمل مظلة الضمان الإجتماعي ما يقرب من مليون وربع المليون مشترك فعّال، منهم 145 ألف مشترك غير أردنيين بما نسبته 12 %.
ويوضح الصبيحي أن هناك تناميا في أعداد من يتقاعدون من شهر لآخر، بالإضافة لمن يستفيدون من التأمين على "العجز الكلي والجزئي، وتأمين إصابة العمل والوفاة، وتأمين الأمومة".
فيما وصل عدد المتقاعدين الكلي خلال العام الماضي لوحده 13 ألف متقاعد جديد، منهم 8 آلآف "ذهبوا لخيار التقاعد المبكر"، برغم الضوابط والتشديدات عليه، التي جاءت في قانون الضمان المعدل لعام 2014، ما يعني أن "المشكلة لا تزال قائمة"، بحسب الصبيحي.
لماذا يلجأ المشترك للتقاعد المبكر ؟
يرى الخبير الاقتصادي والاجتماعي حسام عايش، أن أسباب اللجوء للتقاعد المبكر يمكن حصرها في "التقاعد المبكر الإجباري بسبب ظروف العمل وعدم الترقية، أو خصخصة المؤسسات وإعادة هيكلتها، والحصول على وظيفة أخرى خاصة في دول الخليج، وتأسيس الشركات الخاصة".
ويضيف عايش بأننا يمكن أن نقرأ في زيادة نسب التقاعد المبكر سنوياً "شكلا من أشكال الاحتجاج على طبيعة العلاقة بين الموظف والمؤسسة التي يعمل فيها".
ويقول الصبيحي "إن هناك ثقافة سائدة في المجتمع، تزعم أن من يتقاعد مبكرا يكسب، رغم أننا نحذر ونكرر دائما بأن من يلجأ إلى ذلك سيحصل على راتب تقاعدي مخفض مدى الحياة، حتى يبقى التخفيض ملازما لمرتبه بعد الوفاة، وأنه لا يستطيع العودة للعمل إلاّ بعد توقفه عن العمل لعامين، وأن لا يعود للعمل في المنشأت التي عمل فيها في آخر 36 شهرا من تقاعده".
وحول تعديل قانون الضمان، أو إلغاء "التقاعد المبكر"، يقول الصبيحي إن هذا يحتاج إلى تفكير ودراسات أكثر، لأن البعض يخرج مرغما من سوق العمل، فلا يستطيع العمل ولا يستطيع الحصول على راتب تقاعد يؤمن له قوته.
لكن، يبدو أن الخارجين من سوق العمل مرغمين "قلّة" إذا ما علمنا أن 60 % ممن يتقاعدون سنوياً في الأردن فضلوا الخروج مبكرا من سوق العمل المنظم للانخراط في سوق العمل غير المنظم، فاقدين في هذا الانتقال "حقوقهم"، ويسهم ذلك في زيادة العقبات والتحديات أمام المؤسسة في توسيع مظلة الحماية الاجتماعية للمشتغلين.
التقاعد المبكر ضربة للاقتصاد الرسمي
ويدعو الصبيحي إلى العمل على مستوى الدولة لتقليص "الاقتصاد غير الرسمي" بما يساعد الضمان من تنفيذ برامج الحماية الاجتماعية، مع ملاحظة "زيادة التوظيف في الاقتصاد غير الرسمي، في ظل زيادة معدلات البطالة.
ويلفت عايش إلى أننا عند الحديث عن العمل غير المنظم، نقصد ما نسبته 25 إلى 30 % من الاقتصاد الرسمي، بما يعادل 7 مليارات دينار.
ومع "زيادة تلقي الضمان للضربات" الناجمة عن ضعف النمو الاقتصادي، واستغناء الكثير من الشركات عن موظفيها، وإعادة هيكلتها، يرى الخبير حسام عايش "أن التوعية، وتحفيز الشركات لعدم الاستغناء عن موظفيها، وتحسين بيئة العمل بالإضافة إلى رفع سن التقاعد، هي الحلول المتاحة حاليا أمام الضمان للسيطرة على التقاعد المبكر".
ويفترض عايش أن استثمارات الضمان الكبيرة يجب أن تولد فرص عمل مستدامة، كما يجب إعادة النظر بمفهوم "الاستقرار الوظيفي" الذي يتطور ويتكيف مع تغيرات الاقتصاد والمجتمع.
ويشدد على ضرورة الانتباه والسعي للدمج التدريجي للعمل غير المنظم في مظلة الضمان، لتوفير الحماية للعاملين، وزيادة إيرادات الضمان، وضمان عدم انكماش الاقتصاد الرسمي مقابل توسع غير الرسمي، بما ينعكس سلبا على الإيرادات العامة للدولة من ضرائب ورسوم، وتآكل أموال صندوق الضمان.
اجتماعيا، يدعو عايش إلى الاستفادة حكوميا من خبرات المتقاعدين في البعثات والتدريب، ولجان النقاش والتطوير واللجان الاستشارية، كما يشمل ذلك المؤسسات الخاصة ومنظمات المجتمع المدني على حد سواء.