هل تراجعت الحريات العامة بالأردن مع استمرار الاعتقالات؟

المركز الوطني لحقوق الانسان

يشهد الأردن مسلسلا مستمرا من الاعتقالات لحراكيين ونشطاء بتهم تتعلق بقانون الجرائم الإلكترونية وتقويض نظام الحكم، بالتزامن مع التعديل الحكومي الذي ضم وزير الداخلية الأردنية سلامة حماد.

 

وكان الوزير حماد استلم حقيبة الداخلية عام 1993 لسنوات عدة، وعاد إليها مجددا عام 2016، ثم جاء بالتعديل الوزاري الأخير.

 

وترافقت عودة حماد إلى كرسي الداخلية مع اعتقال أكثر من 20 شخصا من ضمنهم ستة مضربون عن الطعام في السجون الأردنية على خلفية مشاركاتهم في احتجاجات شعبية أو انتقادهم مسؤولين حكوميين، ويتم إيقاف غالبيتهم دون محاكمات ولمدة تصل لأشهر، حسب ذوي المعتقلين.

اعتقالات بالجملة أمام مركز حقوق الإنسان

مع استمرار سلسلة الاعتقالات، توجه عدد من أهالي المعتقلين والنشطاء للمركز الوطني لحقوق الإنسان -مؤسسة وطنية ذات نفع عام- بداية الأسبوع الماضي لتسليمه مذكرات احتجاجية، مما دفع الأجهزة الأمنية لمنعهم من الوصول لها.

هذا الأمر دفع بالمفوض العام للمركز الدكتور موسى بريزات للاتصال بمحافظ العاصمة الأردنية سعد شهاب وإبلاغه أن ما حدث انتهاك لحقوقهم بتسليم مطالبهم، فما كان من الأخير إلا إجابته بأن "لا حقوق إنسان خارج ساعات الدوام الرسمي".

وتوجّه المحتجون في اليوم التالي للمركز، مما دفع الأجهزة الأمنية لمحاصرتهم واعتقال عدد منهم، بالإضافة إلى صحفيين قاموا بتغطية الاحتجاج، قبل أن يتم الإفراج عنهم.

وبرر الأمن ذلك بأنه تم ضبطهم بعد أن تم تنبيههم لمنع إقامة اعتصام في هذا الموقع "كونه لا توجد موافقات وفق الأصول لتنفيذ الاعتصام، ولما تسببه مثل هذه الاعتصامات في ذلك الموقع الحيوي من إعاقة لحركة السير وتعطيل مصالح الناس".

 

بدوره، يؤكد المركز الوطني لحقوق الإنسان أن ما یجري في الساحة الأردنية لا یتعلق بمعركة صغیرة أو عابرة محكومة بمدة زمنیة محددة، وأنه يشعر أن ھناك توجها متشددا نحو الحریات، وأن دورهم ھو الاستمرار في الرصد والرقابة وكشف حقائق أي انتهاك وتجاوز على الدستور.

ويشدد المركز على أحقیة المواطنين بالوصول إلى المركز وحمایتھم بحكم ولایته، إلا في حال خروج أي حراك عن السلمیة، وھو "ما لم یصدر عن النشطاء مؤخرا الذین منعوا لأربعة أیام على التوالي من الوصول للمركز".

وكشفت مصادر للجزيرة نت أن رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز تفاجأ مما اعتبره تصرفا أمنيا غليظا بحق المشاركين والإعلاميين الذين كانوا في موقع الاعتصام، وطالب بالإفراج الفوري عنهم.

احتجاجات سابقة
احتجاجات سابقة

ا

لنقابات تحذر

لم تغب النقابات المهنيّة عن المشهد إذ دعت لمؤتمرٍ بمشاركة المركز والملتقى الوطني للدفاع عن الحریات العامة، وبحضور النائب الأردني نبیل غیشان، لتحذر من استمرار التغول على حقوق المواطنين بالتعبير عن آرائهم في حدود التعبير السلمي، وأن الانتهاكات من شأنها زيادة الاحتقان.

ولوحت النقابات المهنية باتخاذ إجراءات تصعیدیة حیال "تعرض حریة الرأي والتعبیر للانتھاك"، مشددة على أن جمیع الخیارات مفتوحة أمامھا لتحقیق مطالبھا بالإفراج عن معتقلي الرأي.

نقيب المحامين الأردنيين مازن إرشيدات أشار إلى أن النقابة ستتخذ قرارا بمنع منتسبیھا من الترافع أمام محكمة أمن الدولة في حالة إحالة أي شخص إلى المحكمة "دون وجه حق ودون تھمة منطقیة".

ويؤكد إرشيدات للجزيرة نت أن من حق كل أردني التعبير عن رأيه، وهو الأمر الذي كفله الدستور ضمن الحرية المسؤولة، مشددا على رفض سياسات التوقيف وضرورة تحويل من أساء أو أخطأ للقضاء بشكل طبيعي دون توقيف.

 

ويلفت إلى أن القانون وتعديلاته الأخيرة جعلت التوقيف ضمن أضيق الحدود، ولكن هناك تجاوزات، إضافة إلى تدخل الحكام الإداريين في تطبيق قانون منع الجرائم وطلب كفالات عدلية بمبالغ كبيرة، مؤكدا أن هذا أمر مرفوض بالمطلق.

فصل تعسفي لأفراد الأسرة

المعتقل المفرج عنه المهندس رامي سحويل اعتقل 17 مرة نتيجة نشاطه في الحراك الأردني، ومطالبته بإلغاء اتفاقية الغاز والمواد المقيّدة للحريات، وانتخاب السلطات، بيد أن آخر تهمة وجهت له كانت "تقويض نظام الحكم"، الأمر الذي دفع بامتثاله للمحاكمة أمام محكمة أمن الدولة العسكرية.

يقول سحويل في حديثه للجزيرة نت "تم اعتقالي أثناء توجهي لعملي دون مذكرة اعتقال، ليتم فصلي بعدها فصلا تعسفيا من عملي، وكذلك زوجتي وشقيقتي التي تعمل في الهلال الأحمر بحجة أنهما من أقاربي، ولا نملك حقوقا بالمراجعات المالية أو السفر".

ويؤكد تعرضه لاعتداءات جسدية أثناء التوقيف في السجون، ومنعه من العمل في أي من القطاعين العام والخاص، نتيجة عدم حصوله على شهادة عدم محكومية، وقال "دخولنا السجن مثل وصمة عارٍ أمام المؤسسات".

مؤشر الحريات الأردنية

يقول الكاتب والصحفي باسل العكور إن الحريات العامة تراجعت لأدنى مستوياتها على الإطلاق، "وهذا يمكن أن تخلص إليه من خلال المتابعة لعدد الذين يجري اعتقالهم من الناشطين ومن طبيعة التهم التي تُكيَّف لهم على خلفية تعبيرهم عن آرائهم ووجهات نظرهم وأولئك الذين لديهم رغبة بالتغيير والإصلاح".

ويضيف للجزيرة نت أن حكومة الرزاز لجأت إلى سياسة القبضة الأمنيّة، إذ إن التعديل الحكومي كان مؤشرًا حين اختار سلامة حماد وزيرًا للداخلية، وهو الشخصيّة المحافظة الأمنية الذي يعرف كيف يدير الملف الأمني.

وأضاف أنه "إذا لم يكن لدى الرزاز علم باعتقالات محتجي حقوق الإنسان، فالمصيبة أكبر، القضية تكررت أكثر من مرة ولا توجد جهة قادرة على رصد الأعداد والانتهاكات لأن مؤسسات المجتمع المدني غير قادرة على الوصول إلى المعلومات"، مشيرا إلى أن "الأسماء التي تصلنا من النشطاء هي فقط التي نعرفها".

من جهته يؤكد الرئيس التنفيذي لمركز حماية وحرية الصحفيين نضال منصور 

للجزيرة نت أن "هناك عدم تطبيق لقانون الاجتماعات العامة من قبل أجهزة إنفاذ القانون، هذا ليس وليد حكومة الرزاز وإنما هو أمرٌ تكرس في العقود والسنوات الماضية".

وقال إن "حرية التعبير تتعرض للتضييق، ولاختبار قاس وصعب، وهناك متغيّر لا يمكن قراءته بالأردن، دخل للمشهد وغيّر من قواعد اللعبة".

وتزخر التشريعات الأردنية بعبارات مثل "تقويض نظام الحكم، وإطالة اللسان، وتغيير بنية المجتمع، وإثارة نعرات إقليمية"، وهي عبارات يصفها مراقبون بـ"المطاطة"، حيث قادت العشرات من الناشطين السياسيين إلى محكمة أمن الدولة بعدما عبروا عن آرائهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو نفذوا اعتصامات احتجاجية.

وبحسب قانونيين فإن هذه العبارات "المطاطة" تتوزع بين قوانين العقوبات و"منع الإرهاب" و"منع الجرائم الإلكترونية".

أضف تعليقك