هل استثمرت الحكومة الأردنية جهود اللاجئين السوريين في التنمية؟

 خمس سنوات انقضت على ممارسة اللاجئ عمر البستاني العمل بشكل غير رسمي وهروبه المستمر من حملات تفتيش وزارة العمل على العمالة الوافدة المخالفة، ليحصل اليوم على تصريح عمل إنشائي حر بعد أن بدأ الأردن إصدار تصاريح عمل للسوريين المقيمين داخل المخيمات على خلفية تعهدات دولية.

 

يسترجع البستاني، شريط ذكريات مليء بالصعوبات، ففي عام 2013 داهمت حملة تفتيش لوزارة العمل إحدى الشقق التي يعمل على اكسائها واحتجزت ابنه واثنين من العاملين معه وتم ترحيلهم إلى سوريا.

 

 

نجا البستاني يومها بحُسنِ الصدفة، فقد كان في السوق يشتري بعض المواد للعمل، وعند عودته لم يجد أحدا من العاملين في المكان. اتصل به ابنه بعد بضعة أيام من مدينة درعا وأبلغه بأنه تم ترحيله.

 

 

رغم جميع المخاطر كان ومازال اللاجئون السوريون يزاولون مهنا مختلفة في سوق العمل الأردنية، لحاجتهم لتأمين قوت يومهم وعائلاتهم، فالحياة لابد وأن تستمر رغم جميع الظروف.

 

 

بارقة أمل

أشرقت نهاية بعض مشاكل حياة اللاجئين السوريين في الأردن بانتهاء مؤتمر لندن في شباط/فبراير 2016، فقد تعهد المجتمع الدولي بتقديم 12 مليار دولار لمساعدة اللاجئين السوريين، وسُميت الخطة "ميثاق الأردن".

 

وأثمرت المباحثات مع الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن عن توقيع اتفاقية "ميثاق الأردن" بين الطرفين والتي يتعهد الأردن فيها بدمج 200 ألف لاجئ سوري في سوق العمل المحلية، ليحصل بالمقابل على شريحة المساعدات المذكورة أعلاه.

 

واشتملت البنود على تقديم مبلغ 1.7 مليار دولار على شكل منح وعلى مدى ثلاث سنوات من أجل دعم مشاريع البنية التحتية، وإعفاء لعشر سنوات من قواعد المنشأ الخاصة بالاتّحاد الأوروبي، وتسهيلات جمركية للمنتجين الأردنيين الذين يستوفون حصّة عمالة من اللاجئين السوريين.

 

وبدأت وزارة العمل الأردنية بتنفيذ الاتفاق على تيسير مشاركة السوريين في سوق العمل الأردنية وفق خطة معدة لهذا الغرض زودت "عمان نت" بنسخة منها.

 

فاستحدثت لهذا الهدف وحدة إدارية معنية بشأن اللجوء السوري ضمن هيكلها، تعنى بتنظيم وتيسير وصول اللاجئين السوريين إلى سوق العمل منذ بداية العام 2016.

 

وبدأت الوزارة بالتنسيق والعمل مع مؤسسات الدولة المختلفة وغرف الصناعة والهيئات المختلفة بغرض تحقيق نسب إشغال السوريين في وظائف لدى المصانع والتحقق منها والمصادقة على النموذج المعتمد للحصول على رقم تفويض للاستفادة من تبسيط قواعد المنشأ مع الاتحاد الأوروبي وتعزيز النمو الاقتصادي من خلال تشجيع وجذب الاستثمارات في القطاع الصناعي للاستفادة من فتح قنوات تصدير أوسع إلى الاتحاد الأوروبي ووجهات أخرى.

 

 

وقامت بتنفيذ برامج تدريبية بالتعاون مع منظمة العمل الدولية والشركة الوطنية للتدريب والتشغيل في مجال المهن الانشائية تهدف إلى منح المتدربين السوريين شهادات مزاولة مهنية ومن ثم الحصول على تصاريح عمل مرنة في القطاع الانشائي، بالإضافة الى برامج أخرى في مجال دعم البنية التحتية وفي القطاع الصناعي والزراعي.

 

 

وبدأ العمل بإصدار تصاريح عمل للسوريين المقيمين داخل المخيمات بتاريخ 8/2/2017  بالتنسيق مع مديرية شؤون اللاجئين السوريين/ إدارة المخيمات والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومنظمة العمل الدولية.

 

 

اذ تم توقيع مذكرة تفاهم مع الاتحاد العام لنقابات العمال لإصدار تصاريح عمل مرنة للسوريين في قطاع الإنشاءات تحت مظلة الاتحاد بلغ عددها حوالي (7000) تصريح عمل حتى تاريخ 31/12/2017.

 

واستمرت الوزارة في وقف الاستقدام لباقي العمالة الوافدة والذي بدأ منذ مطلع العام 2016. وبدأت الوزارة بإصدار تصاريح عمل مؤقتة للسوريين (أقل من 6 شهور) لتوائم برامج تشغيل السوريين في البرامج الخاصة بـ (العمل مقابل الأجر).

 

 

تصنيفات المهن المسموح العمل بها

وأصدرت الوزارة قائمة جديدة بتصنيفات المهن المسموح العمل بها في قطاع الصناعات التحويلية بتاريخ 14/6/2017, تتيح هذه التصنيفات المزيد من فرص العمل للسوريين في القطاع الصناعي وذلك للاستفادة من قرار تبسيط قواعد المنشأ (ROO) للتصدير الى أسواق دول الاتحاد الأوروبي.داث مكاتب تشغيل وتنسيق داخل مخيمي (الزعتري والأزرق) للسير بإجراءات تشغيل وإصدار تصاريح, وتتمثل مهام الوزارة باستقبال طلبات التصاريح وتدقيقها وتحويلها الى مديريات العمل المعنية، بالإضافة الى تقديم خدمات التوعية والإرشاد بقانون العمل والاجراءات المتبعة لإصدار تصاريح العمل, حيث تم لغاية تاريخ 31/12/2017 إصدار (12995) تصريح عمل للسوريين المقيمين داخل المخيمات.

 

 

و بلغ عدد تصاريح العمل الصادرة للاجئين السوريين في الأردن منذ بداية العام 2016 وحتى العشرين من آذار (مارس) الماضي 94074 تصريحا توزعت بين المقيمين في المخيمات وخارجها، بحسب تقرير لوزارة العمل.

 

 

وأشار التقرير الى أن عدد التصاريح الصادرة للاجئين السوريين داخل المخيمات ولغاية 20 آذار (مارس) الماضي بلغ 15242 تصريحا، فيما تصدر الوزارة في موازاة ذلك تصاريح عمل مرنة للسوريين في القطاع الزراعي من خلال الجمعية التعاونية في عدة محافظات وبالتنسيق مع منظمة العمل الدولية، حيث تمنح هذه التصاريح العامل حرية الانتقال من صاحب عمل لآخر في القطاع الزراعي.

 

 

وتقوم الوزارة بإصدار تصاريح عمل مرنة للسوريين في القطاع الزراعي من خلال الجمعية التعاونية في عدة محافظات بالترتيب والتنسيق مع منظمة العمل الدولية، هذه التصاريح تمنح العامل حرية الانتقال من صاحب عمل لآخر في القطاع الزراعي، حيث بلغ عدد التصاريح في القطاع الزراعي (32436) تصريح عمل منها (30400) تصريح من خلال هذه الجمعيات التعاونية منذ بداية العام 2016 وحتى تاريخ 31/12/2017.

 

 

وتم بتاريخ 13/11/2017 منح السوريين مجموعة من الاستثناءات من التعليمات لا تمنح للجنسيات الأخرى من ابرزها السماح بالانتقال من القطاع الزراعي الى قطاعات أخرى، والسماح بالانتقال من صاحب عمل لآخر دون إخلاء طرف، الى جانب فتح باب مديريات العمل أمام السوريين لمدة ساعتين بعد انتهاء اوقات ايام الدوام الرسمي.

 

 

بينما يقول البنك الدولي أنّ أكثر من 50 ألف لاجئ سوري في الأردن تلقى تصاريح عمل ضمن مشروع "توفير فرص اقتصادية الأردنيين واللاجئين السوريين" والذي موله البنك في سبتمبر (أيلول) 2016، بقرض قدر بـ300 مليون دولار.

 

 

لاجئون في الجنوب

وعلى الرغم من الجهود المبذولة من قبل وزارة العمل والتسهيلات المقدمة للاجئين السوريين، إلا أن ذلك لم يحصل في مدن الجنوب حسب اللاجئ السوري بلال الدرزي الذي يقطن في مدينة معان.

 

 

فحسب الدرزي، يتوجب عليه التوجه إلى العاصمة عمان للحصول على تصريح عمل إنشائي حر، الأمر الذي يشكل عبئاً عليه هو ليس بحاجته، فالدرزي يعمل في طلاء المنازل الداخلي منذ سنوات في المدينة، ولم يواجه أي مشكلة بغياب حملات التفتيش على العمالة الوافدة في المدينة.

 

 

 

الحصول على تصريح عمل من العاصمة، يطال أيضاً ما لا يقل عن 28 ألفا من اللاجئين السوريين، ممن يقطنون في مدن الجنوب الثلاثة، ومسجلين لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.

 

 

الأمر أكثر تعقيداً مما هو عليه.

 

 

على الرغم من جميع التسهيلات التي قامت بها الحكومة الأردنية إلا أن القطاع الزراعي الأردني ما زال يمانع احتواء العمالة السورية، حسب تصريح المهندس والمستثمر الزراعي الأردني إبراهيم الشريف.

 

 

فالعمالة السورية حسب الشريف غير مؤهلة للعمل في قطاع الزراعة الأردني، بسبب ظروف المناخ القاسية في الأغوار، بينما تعوّدَ العامل المصري هذه الظروف، لعمله لسنين طويلة فيها، ولكونه قادم من جنوبي مصر واعتياده الظروف المناخية القاسية هناك.

 

 

ويرى الشريف أن آليات العمل الزراعي في الأردن مختلفة عما هو عليه في سوريا، ولا يصلح العامل السوري لبناء البيوت البلاستيكية، لعدم استخدامها في مناطق جنوبي سوريا التي قدم منها الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين.

 

 

لم تكن استفادة الأردن كبيرة من الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي في تسهيل شروط المنشأ حسب أحمد عوض مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية في تصريحه "لعمان نت".

 

 

فقدرات القطاع الصناعي الأردني حسب العوض تراجعت بشكل كبير في السنوات الماضية، وهاجر قسم كبير منها الى قطاعات أخرى مثل قطاع الخدمات، بينما إخراج المنتجات الزراعية من الاتفاق، حيد قطاعاً اقتصاديا اردنيا كبيراً كان يمكن الاستفادة منه.

 

وأشار العوض أن هناك محاولات جادة حالياً لتعديل اتفاق تسهيل شهادة المنشأ مع الاتحاد الأوربي، لتشمل منتجات القطاع الزراعي الأردني أيضاً.

 

أثمرت جهود المجتمع الدولي بلندن في حث الحكومة الأردنية للنظر بوجود اللاجئين السوريين لديها كفرصة جيدة للتنمية، وعلى الرغم من أن الأهداف الأولية لم يتم تحقيقها بعد، إلا أن هذه التجربة لا شك ستنتج الكثير من الدروس في كيفية إشراك قطاع الأعمال في خلق وظائف للاجئين وستلق بأثرها على عملية صناعة السياسات حول العالم.

أضف تعليقك