هروب عاملات المنازل .. مبعث قلق مستمر ومسؤولية تائهة

هروب عاملات المنازل .. مبعث قلق مستمر ومسؤولية تائهة
الرابط المختصر

تظل ظاهرة هروب العاملات من المنازل، مشكلة قديمة متجددة، لكنها مؤرقة.

وبرغم جهود تنظيم قطاع العاملات في المنازل، إلا أن هروبهن يعد القضية الأبرز، حتى أن وزارة العمل وضعت شرط التأمين الإلزامي لتطويق الهروب أو الوفاة أو المرض أو الإصابات أورفض العمل.

 

 

فما الأسباب وراء هروب عاملات  المنازل؟، وهل كل العاملات متهمات بمخالفة الأنظمة بهروبهن أم أن بعضهن مظلومات؟ وهل المواطنون جميعًا ملتزمون باللوائح والأنظمة؟ أم أن هناك من يتسبب بهروبهن؟

 

لأجر أعلى ..

 

يعتبر هروب العاملة من العمل بشكل غير قانوني بالنسبة لها، فرصة للحصول على أجر شهري أعلى مقارنة مع الأجر الذي تحصل عليه عند كفيلها القانوني. إذ تلجأ معظم الهاربات للعمل في صالونات التجميل أو الفنادق أو العمل كخادمة على نظام المياومة أو في المناطق الصناعية المؤهلة "QIZ" في مدينة الحسن الصناعية، ومدينة سحاب.

 

ويعد العمل على نظام المياومة وبالساعة أجدى ماديًا بالنسبة للعاملات كونهن يحصلن على ما يقارب (3) دنانير مقابل كل ساعة عمل، إضافة إلى أجرة التنقل، في حين لا يتجاوز الراتب الشهري للعاملة في بيت كفيلها (250) دولارًا.

 

تقول أم مهند التي تقطن في منطقة الأقصى، بضاحية الأمير حسن، إنها تتعامل مع إحدى العاملات منذ أكثر من 3 أعوام، والتي تقوم بتنظيف منزلها مرة في الأسبوع، من الساعة الثامنة صباحًا وحتى الثانية ظهرًا، مقابل أجر يومي يصل إلى 21 دينارا أردنيا وبحسب ساعات العمل. فيما تتعامل أم زيد مع عاملة تتصل معها مباشرة مقابل دينارين ونصف الدينار للساعة الواحدة، مفضلة ذلك على التعامل مع مكاتب خاصة بتأمين عاملات المنازل.

أسباب أخرى ..

 

توجد أسباب أخرى لهروب العاملات من المنازل مثل، عدم وجود أي نوع من العقاب الرادع للعاملة الهاربة، فهي تهرب وتعمل براتب مضاعف، ثم تأخذ تأشيرة دخول مرة أخرى، وتعود للبلاد. بالإضافة إلى تورط بعض مكاتب استقدام العاملات في ظاهرة الهروب لتحقيق الكسب المادي السريع.

 

وقد يكون السبب في ذلك أن خدمة الأطفال متعبة، أو أن خدمة المنزل كثيرة ومزعجة، كما يتعرض بعضهن لمعاملة قاسية، من إهانة وضرب، فضلا عن أجور متدنية أو متأخرة.

 

وبلغ عدد الهاربات من عاملات المنازل في الفترة من الأول من يناير/ كانون الثاني 2016 ولغاية 25 مارس/ آذار 2017، بحسب وزارة العمل، نحو 1828 عاملة، ليبلغ العدد التراكمي لعاملات المنازل الهاربات خلال 8- 10 سنوات، 11 ألف عاملة.

 

وبلغ عدد عاملات المنازل في الأردن الحاصلات على تصريح عمل وإذن إقامة، بحسب قيود وسجلات الوزارة نحو50 ألف عاملة, تصدرتها الجنسية البنغالية بـواقع (23484) عاملة تلتها الفلبينية بـواقع (16293) عاملة.وبلغ عدد مكاتب الاستقدام المرخصة من قبل الوزارة حوالي (144).

 

أماكن تمركز الهاربات

 

يشير مدير مديرية العاملين في المنازل بوزارة العمل هايل الزبن، إلى أن العاملات الهاربات من المنازل، يلجأن في الغالب إلى 3 أحياء سكنية في العاصمة عمّان هي: جبل عمان– الدوار الثاني، بيادر وادي السير، إضافة إلى مناطق أخرى مثل جبل التاج والأشرفية والرصيفة في محافظة الزرقاء، مؤكدًا عدم وجود صلاحية لدى الوزارة باقتحام المنازل للبحث عن العاملات الهاربات.

 

الشكاوى

 

ويلفت الزبن إلى أن لجنة حل شكاوى العاملات في المنازل، نجحت بإيجاد الحلول اللازمة لنحو (948) شكوى من أصل (960) شكوى، وتم توجيه انذارات لـ (27) مكتبًا، وإرجاع ما يقارب 200 ألف دينار أردني لمواطنين نتيجة حالات رفض العمل من قبل عاملات المنازل والهروب على نظام التأمين.

 

ويضيف بأن عدد حالات رفض العمل والهروب على نظام التأمين الإلزامي الذي يشمل (التامين على الحياة، حوادث شخصية، والتأمين الطبي) باستثناء تأمين الهروب ورفض العمل كونه يتم تعويض الكفيل به، بلغ نحو (1402) حالة, وبلغ عدد معاملات النقل القانوني للعاملات من صاحب العمل إلى صاحب عمل آخر نحو (2400) معاملة, وبلغ عدد الشكاوى والحالات التي نظرت بها لجنة السفارات (840) شكوى من حيث عدم تسليم الرواتب وحجز جوازات السفر، توزعت ما بين (60) للجنسية الأندونيسية، و(280) للجنسية الفلبينية، و(370) للجنسية البنغالية و(40) للجنسية السيرلانكية، و(40) للجنسية الكينية، و(10) للجنسية الغانية.

 

وبلغ عدد حالات النصح والإرشاد ما يقارب 2200 حالة، وعدد الشكاوى التي تم إحالتها إلى وحدة مكافحة الاتجار بالبشر (97) شكوى.

 

ونتيجة متابعة شكاوى المواطنين التي ترد لمديرية العاملين في المنازل بوزارة العمل, والتي تتعلق بعدم تقيد بعض المكاتب بالتعليمات والأنظمة، تم إغلاق (9) مكاتب استقدام لعاملات المنازل، وإيقاف (12) مكتبًا عن العمل.

 

ويوضح الزبن، أن العاملات اللواتي يتم ضبطهن مخالفات، يتم ايداعهن في المراكز الأمنية المختصة لحين اتخاذ الإجراءات القانونية من تسفير أو تكفيل اذا ثبت عملها بشكل قانوني, وفي حال تم ضبط أصحاب عمل يشغلون عاملات بطرق غير قانونية، يتم تسفير العاملات على نفقة أصحاب العمل الخاصة، إضافة إلى توجيه إنذار بالإغلاق لصاحب العمل لحين تصويب وضعه القانوني.

 

ويحذر الزبن، أصحاب العمل والمواطنين الذين يأوون أو يتسترون على العاملات غير القانونيات من تحملهم المساءلة القانونية وفقًا للتعليمات والقوانين, وشدد في الوقت نفسه على اتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة بحق كل عاملة مخالفة للقانون وسيصار إلى تسفيرها فورًا.

 

تخبط بالتشريعات

 

ويؤكد محامي إحدى شركات استقدام عاملات المنازل، والمحامي السابق للسفارة السيرلانكية، سمير زنون، على وجود تخبط واضح بالتشريعات من قبل وزارة العمل، في ظل غياب لجنة مشتركة ما بين وزارتي العمل والداخلية ونقابة العاملين في المنازل للعمل على تنظيم سوق عمل خادمات المنازل، ودراسة احتياجاته من حيث إصدار تصاريح العمل، والحصول على التأشيرة والإقامة.

 

ويشير إلى ان أجور عاملات المنازل تتفاوت بين جنسية وأخرى، حيث تكلف الخادمة الفلبينية مبلغ 3000 آلاف دينار ويبلغ راتبها 400 دولار، والبنغالية تكلف 2300 دينار ويبلغ راتبها 250 دولار.

 

بوليصة التأمين

 

وحول أجور بوليصة التأمين لعاملات المنازل، قال المحامي الزنون إنه تم رفع قيمتها من 120 دينارا أردنيا إلى 300 دينار أردني وذلك تماشيًا مع موجة ارتفاع الأسعار التي يشهدها الأردن، مشيرًا إلى وجود شركتي تأمين فقط تحتكران السوق هما: شركة التأمين الأردنية، والأولى للتأمين، داعيًا إلى تعميم بوليصة التأمين على شركات تأمين أخرى من أجل تخفيض تكلفة استقدام الخادمات على المواطن الأردني.

 

ويحمل زنون، المواطن الأردني مسؤولية هروب عاملات المنازل، حين يسمح لها بالعمل بشكل يومي بمبلغ 30 دينارا سواء في منزله، والتحقق منها أمنيًا، مما يؤثر على الأمن الاقتصادي والاجتماعي والأمني في الأردن.

 

ويضيف بأن المبلغ الذي يدفع كمخالفات لعدم تجديد إقامة عاملات المنازل يبلغ (550) دينارا هو أقل من رسوم تجديد الإقامة البالغة 750 دينارا، الأمر الذي يدفع المواطن الأردني إلى عدم القيام بتجديد إقامة عاملة منزله.

 

عاملة المنزل

 

ويقول جمال شحادة مالك إحدى شركات استقدام عاملات المنازل، إن علاقة المواطن الأردني بالعاملة في  منزله، يحكمها الحظ ، وأن معادلة استقدام العاملة، هي معادلة مشتركة ما بين الكفيل والعاملة والمكتب، وأن بعض النساء الأردنيات "غير رحيمات" تجاه عاملات المنازل، حيث يقمن أحيانًا باصطحابهن إلى منازل أقاربهن وأصدقائهن للخدمة والعمل هناك، وهو ما يدفع عاملات المنازل للهروب، والبحث عن العمل بمنزل آخر.

 

"وغالبًا ما يتم تعويض الكفيل ماديًا ولكن ليس بأمواله الكاملة عند هروب العاملة في منزله بموجب بوليصة التأمين".

 

ويضيف شحادة، أن تكلفة العاملة حاليًا تصل إلى 2400 دينار أردني، منها 621 دينارًا لوزارة العمل بدل التصريح، و1400 دينار تذاكر وعمولات لمكتب المنشأ وغيرها من المصاريف والرسوم الأخرى، موضحًا بأن عملية الهروب من منزل كفيلهاكبدت الدولة عشرات الملايين من الدنانير.

 

ضياع حقوق الأردنيات ربات المنازل

 

من جهته، يقول المحامي محمد الصبيحي، مدافعًا عن حقوق الأردنيات ربات المنازل اللواتي يطلبن استقدام عاملة منزل، إن القصة تبدأ بسيدة أردنية موظفة تضطر لأستقدام عاملة منزل أسيوية عن طريق مكتب استقدام مرخص، يتقاضي مبلغ 3 آلاف دينار كلفة استقدام العاملة. وتصل العاملة إلى الأردن، وتتسلمها ربة المنزل وتوفر لها كل المتطلبات التي تشترطها وزارة العمل، وبعد مرور شهرين تعود السيدة من عملها إلى المنزل لتكتشف أن العاملة تركت الأطفال وهربت إلى جهة مجهولة، فتبدأ رحلة البحث عن الخادمة ليتبين لاحقًا أنها في مأوى سفارة بلادها.

 

وبمراجعة السفارة تتفاجأ السيدة بادعاءات العاملة أنها تتعرض لسوء المعاملة أو الضرب، وأنها لا ترغب بالعمل لدى هذه الأسرة وترفض العودة إلى المنزل أو تزعم أنها لم تتقاضى راتبها وهي "إسطوانة مشروخة" متكررة تحفظها العاملات غيبًا دون أي إثبات على تلك المزاعم، وتظل الخادمة معتصمة داخل السفارة، بل ويبدأ محامو السفارة بمطالبة ربة المنزل بإحضار تذكرة عودة العاملة إلى بلدها، وأحيانًا تسمع ربات البيوت من يهدد بتحويل شكوى من العاملة إلى المدعي العام فيدب الرعب في نفس ربة المنزل وزوجها، فكيف تمثل زوجته أمام المدعي العام ؟ وماذا سيقول الأهل والجيران ؟ وماذا لو أصدر المدعي العام قرارًا بتوقيف الزوجة إزاء ادعاءات العاملة التي تصل أحيانا إلى الجانب الأخلاقي من أجل ابتزاز الأسرة والتنازل عن العاملة لتعود إلى بلدها بعد "رحلة السياحة إلى الأردن" أو من أجل أن تعمل لدى عائلة أخرى براتب أعلى ؟.

 

التعميم الأمني

 

من جانبه، يقول الناطق الإعلامي باسم مديرية الأمن العام المقدم عامر السرطاوي،" إننا على تواصل مع وزارة العمل لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق العاملات الهاربات من المنازل، وانه تم إنشاء وحدة لمكافحة الاتجار بالبشر منذ سنوات للتعامل مع القضايا التي يكون فيها شبهة اتجار بالبشر، حرصًا على أن ينلن العاملات حقوقهن، وأن لا يتم التعدي عليهن أو الاتجار بهن".

 

ويوضح بأن أحد الأجزاء في هذا الجانب، هو هروب العاملات من منازل مخدوميهن. حيث ينحصر دور الأمن العام في استقبال شكوى تغيب العاملة والفرار من المنزل، ومن ثم التعميم على العاملة الهاربة، ومباشرة البحث عنها.

 

"ويتم يوميا التعامل مع تلك القضايا بعد ضبط أولئك العاملات حيث يتم إجراء اللازم بحقهن وحسب القوانين المرعية".

 

ويلفت السرطاوي، إلى أنه في بعض الأحيان ترد معلومات عن منازل تستخدم لإيواء العاملات الهاربات، حيث يتم اتخاذ الإجراء اللازم  من خلال مداهمتها وتفتيشها وضبط من بداخلها، والتأكد من الأوضاع القانونية لهن.

 

ودعا السرطاوي، أرباب الأسر التي تتغيب عاملاتهن عن منازلهم بداعي التسرب أو الهروب للعمل بمكان آخر، إلى التبليغ عنها في المراكز الأمنية ومديريات الشرطة، موضحًا أنه يتم بعد ذلك التعميم عليها لحين العثور عليها، ومن ثم يصار إما إلى تصويب أوضاعهن وإعادة تسليمها للكفيل إذا رغب بذلك، وإما تسفير العاملة إلى بلادها وعلى نفقة صاحب العمل الجديد (المخالف)، وإما نقل كفالتها من الكفيل الأصلي إذا رغب أحد غيره بتشغيلها وذلك وفقًا للأصول القانونية .

 

وأوضح السرطاوي، أن هناك أشخاص يقومون بتحريض عاملات المنازل على الهروب من منازل كفلائهن، ويتم إغرائهن بالعمل اليومي وبأجر مرتفع.

 

وحدة مكافحة الاتجار بالبشر

 

ومن أجل الحصول على إجابة حول هل هروب العاملات من منازل كفلائهن هي عملية منظمة وممنهجة من قبل جهات تغريهن بالمال وتشجعهن على الهروب لغايات تشغيلهن في البغاء أو في أعمال بأجور أكبر؟

 

وقال مدير وحدة مكافحة الاتجار بالبشرالعقيد حيدر الشبول، إن عمليه هروب العاملات ليست عملية منظمة وممنهجة، وأن هروبهن يتم عبر أصدقاء لهن من أجل الحصول على أجر أكبر فقط. و تقدم معد التقرير بطلب للحصول على معلومات إضافية، جرى تقديمه للناطق الرسمي باسم مديرية الأمن العام المقدم عامر السرطاوي، إلا أنه لم يتم الرد على الطلب.

 

تشديد الحملات التفتيشية على عاملات المنازل

 

مدير مديرية العاملين في المنازل بوزارة العمل، الدكتور هايل الزبن، قال إن الوزارة اتخذت سلسلة من الإجراءات بهدف ضبط وتنظيم قطاع العاملات في المنازل، وتأمين أقصى تدابير الحماية للعاملات في المنازل وفقًا للمعايير الدولية الناظمة لحقوق الإنسان من خلال حزمة من الإجراءات التي من شأنها المساهمة في ضبط وتنظيم سوق العمل.

 

وأوضح الزبن، أن من أبرز الإجراءات التي قامت بها الوزارة لتنظيم ملف عاملات المنازل, تكثيف الحملات التفتيشية على العاملات الهاربات من أصحاب العمل، والمخالفات لقانوني العمل والإقامة, والتعميم على كافة مكاتب الاستقدام، ومكاتب العمل بضرورة حصول العامل على وثيقة تفيد بعدم وجود طلبات جرمية أو أمنية بحقه.