منطقة عازلة في الجنوب السوري: دوافع وموانع
مع ارتفاع وتيرة المعركة في الجنوب السوري منذ بدء عملية "عاصفة الجنوب" التي تقودها قوى المعارضة في محاولة للسيطرة على مدينة درعا، ترتفع نسبة الأخطار وضيق المساحة للحركة والمناورة على المستوى الأردني، بسبب تخوّفات كبيرة من أن تعصف رياح المعركة بالحدود الأردنية.
رغم التصريحات الأردنية الأخيرة على لسان وزير الدولة لشؤون الإعلام محمد المومني أن الأردن ينأى بنفسه عن التدخلات في شؤون سورية، إلا أن تسريبات من الجيش الحر تفيد بأن غرفة العمليات العسكرية الدولية المشتركة الموجودة في الأردن التي يطلق عليها اسم "الموك" باتت معطّلاً لعاصفة الجنوب بسبب هواجس أردنية حول مصير درعا بعد السقوط.
حالة اللبس في السيناريوهات على الحدود الأردنية مع الجنوب السوري مربوطة بشكل مباشر بعوامل عدم استقرار المشهد السياسي حيث أن النظام السوري أعاد خلط الأوراق مجدداً بمقابلة وزير الخارجية السوري لنظيره الروسي لافروف قبل أيام والخروج بوعود استمرار الدعم الروسي لسورية، بالإضافة إلى قتامة المشهد في مدينة إدلب التي سقطت قبل أشهر بيد الجيش الحر، حيث تنامت قوة الفصائل الإسلامية المتشددة فيها بشكل كبير.
القذائف التي سقطت على مدينة الرمثا في الخامس والعشرين من شهر حزيران فجرت معها الدعوات داخل أروقة الدولة إلى إقامة منطقة عازلة على الحدود الشمالية للأردن، لغايات حماية الأراضي الأردنية من أي هجمات محتملة أو من القذائف الطائشة.
وفقاً لميثاق الأمم المتحدة فإن إقامة المناطق العازلة في فترة النزاعات تحتاج إلى قرار من مجلس الأمن يؤكد إذا ما كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال فيه، ويهدف إقامتها إلى فرض الحماية والوصاية الأمنية عليها تحت مسمى مبدأ حفظ السلم والأمن الدولي.
ملفات متعددة قد تُجبر الأردن على التفكير بالمنطقة العازلة، أولها هو حماية المدن والقرى المحاذية للحدود من أي تهديد أو عدوان أو وصول لشظايا المعركة الطاحنة إلى أراضيها، والسبب الثاني هو محاولة الحد من تدفق اللاجئين إلى الداخل الأردني وإنشاء مخيمات للاجئين الجدد داخل حدود دولتهم ضمن المنطقة العازلة، أما ثالثاً فهو تدريب المعارضة السورية التي يفترض أنها ستقاتل داعش خارج أراضي الدولة الأردنية.
إلا أن إقامة المنطقة العازلة يعني انزلاق الأردن إلى مستنقع المعركة مباشرة والصدام المفتوح مع أكثر من جبهة فالنظام السوري سيعارض الأمر من جهة وبعض الفصائل المعارضة ستعارض الأمر من جهة أخرى، كما سيُفهم من التحرك انه توجه لتنفيذ مخطط التوسع الذي نفته الحكومة الأردنية سابقاً.
النائب ذو الخلفية العسكرية الواسعة محمد فلاح العبادي يرى أن تأمين الحدود عبر منطقة عازلة أمر وارد، لكنه يتساءل "ما هي خطورة ذلك على الأردن"، حيث يعتبر العبادي أن سقوط القذائف الأخيرة على الرمثا ليس مبرراً كافياً، فالقذائف تنطلق بشكل عشوائي وخاطئ وخارج السيطرة بعض الأحيان في التمارين العسكرية حد قوله.
"القضية ليست بالسهولة التي يراها البعض" يقول العبادي، فالخروج إلى ما بعد الحدود الأردنية "يعني الدخول الفعلي في الحبر وبدء التوسع"، ويرفع العبادي من خطورة المنطقة العازلة بسبب وجود مناطق مأهولة بالسكان في الجانب السوري من الحدود، أي أنها ليست منطقة مفرغة من السكان.
كما يحّذر العبادي من التسرع في اتخاذ قرار مشابه، حيث أن التسرع في هذا المجال لن يكون لصالح الدبلوماسية أو العسكرية الأردنية، داعياً إلى التروي قليلاً ومراقبة النتائج الأولية للمعركة ومن هي الجهة التي سيكون لها فرصة بالسيطرة على الجنوب السوري، "فالمعركة لن ييتم حسمها بشكل سريع وخلال فترة قصيرة" حسب العبادي.
المحلل والكاتب د. عامر سبايلة يؤكد أن عاصفة الجنوب جاءت بما لا تشتهي المعارضة السورية، فالمعطيات الأولية تشير إلى فشل هذه العاصفة، مطالباً الأردن بمراقبة التطورات والعمل على النأي بالحدود عن تفريخات الجماعات التي تتعرض للتفتيت في المعركة.
ويشير السبايلة إلى أن مشكلة الأردن الآن هي عدم وجود شريك حقيقي للأردن في موضوع التعامل مع المنطقة في التنسيق الأمني والسيطرة على المنطقة، داعياً الاردن لإعادة النظر في إسقاط الجنوب السوري.
التحليلات والإشارات السياسية تحذر من سقوط درعا التي تعتبر الآن بوابة الدخول إلى دمشق، قبل إيجاد أي بديل أو حل سياسي يضمن عدم تعاظم حالة الفوضى في المنطقة.
السبايلة يشدد على أن الحل السياسي هو المخرج الوحيد للأزمة السورية، موضحاً أن الأردن معني بإيجاد الشريك الذي يضمن عودة اللاجئين إلى بلادهم وحماية حدوده من أي خطر.
ويرفع السبايلة من شأن وجود إعادة ترميم العلاقة مع النظام السوري، كون "المراهنة على ما يسمى بالمعارضة المعتدلة ليس من مصلحتنا كأردنيين".
ووفقاً للسبايلة فإن الأردن بات وحيداً في أزمته الحدودية، فالسعودية ودول الخليج مشغولة بملفات اليمن والأمن الداخلي، والولايات المتحدة لم تقدم أي غطاء لتركيا لإقامة منطقة عازلة، مؤكداً أن الجميع يسعى لإطالة أمد الأزمة مما يعني وصول تداعياتها إلى الأردن على الصعيد الأمني والصعيد الاقتصادي.
ويضيف السبايلة أن انتشار السلاح مع كثير من الجماعات في الداخل السوري يضع الأردن كمحطة استهداف، داعياً إلى تطبيق سياسة تهدف إلى شطب عملية دخول السلاح في سورية وإنهاء استمرار تداول السلاح في يد التنظيمات غير الشرعية.
في ظل عدم قدرة الفصائل على الحسم في درعا وسعي الأردن إلى الابتعاد عن الدخول المباشر في الحرب واختفاء السند الحقيقي له على الأرض السورية، يبدو أن فكرة المنطقة العازلة باتت أكثر صعوبة مما يتم تصوّره، مما يفرض على الأردن البحث عن وسائل أخرى لحماية حدوده دون إدخال يده في عش الدبابير.
إستمع الآن