مشروع قانون "أمن الدولة": إصلاح مطلوب أم ضربة للإصلاح
ما زالت المطالبات بإلغاء محكمة أمن الدولة مطلباً رئيسياً للعديد من الناشطين رغم إحالة مشروع تعديل القانون إلى مجلس النواب بعد حصر اختصاصات المحكمة في 5 تهم فقط، استناداً إلى التعديلات الدستورية.
فقد نصت المادة (101) البند 2 بعد تعديلها من الدستور الأردني على: "لا يجوز محاكمة أي شخص مدني في قضية جزائية لا يكون جميع قضاتها مدنيين، ويستثنى من ذلك جرائم الخيانة والتجسس والرهاب وجرائم المخدرات وتزييف العملة".
أصوات نيابية اعتبرت أن الإصرار على الإبقاء على محكمة أمن الدولة لكونها محكمة سياسية وليست قضائية، النائب محمد هديب اعتبر أن التمسك بمحكمة أمن الدولة، يأتي لسيطرة الهاجس الأمني على عقول الحكومات مضيفاً بأنها "محكمة سياسية وليست قضائية، وهي الجناح السياسي للحكومة في القضاء".
فيما رأى نواب آخرون أن خطوة حصر المحكمة ب5 تهم فقط هي خطوة اصلاحية، بحسب ما أكده النائب عبد المنعم العويدات.
تساؤلات عدة ما زالت ملحة بالرغم من إحالة مجلس النواب مشروع قانون معدل لقانون محكمة أمن الدولة لسنة 2013، إلى اللجنة القانونية وإعطائه صفة الاستعجال؛ وفي ضوء موافقة الحكومة على 126 توصية في الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الانسان في جنيف تضمنت؛ تبني تعديلات قانونية لإلغاء محكمة أمن الدولة أو التأكد من عدم محاكمة المدنيين أمام محكمة أمن الدولة، وإطلاق سراح النشطاء السياسيين الموقوفين ومحاكمتهم أمام محاكم مدنية.
مشروع قانون بين الإصلاح والإلغاء:
مع مضي عامين على التعديلات الدستورية التي حصرت اختصاصات المحكمة بـ5 تهم؛ إلا أن الحكومة لم تتقدم بمشروع قانون إلا بعد توجيه الملك عبد الله الثاني للحكومة بتعديل القانون وحصر اختصاصها بخمسة جرائم هي التجسس والخيانة والإرهاب وجرائم المخدرات وتزييف العملة.
النائب هديب وخلال استضافته في برنامج المجلس على أثبر راديو البلد، أكد أن الحكومة لا يجب أن تنتظر الملك لاجراء أي عملية اصلاحية؛ قائلاً "مشروع القانون خطوة نحن متأخرين عنها لمدة 50 عام".
ومع وجود مطالبات بإلغاء محكمة أمن الدولة؛ إلا أن البعض يعتبر حصر اختصاصاتها ب5 تهم هو أمر ايجابي وخطوة اصلاحية؛ النائب عويدات أكد أن مشروع القانون جاء لينسجم مع التعديلات الدستورية واحداث نقلة نوعية في الحريات العامة.
فيما أكد النائب علي الخلايلة قبيل إحالة القانون للجنة القانونية على وجود محاكم خاصة في كل دول العالم، وقال ”هذه المحكمة ليست قهرية بل هي من صلب القانون".
تهم فضفاضة:
رغم حصر اختصاصات المحكمة في 5 تهم؛ إلا أن التخوف ما زال قائماً تجاه الاستمرار بالإحالة إلى محكمة أمن الدولة استناداً إلى استخدام تهم فضفاضة كالارهاب مثلا؛ حيث تعرف المادة (147) من قانون العقوبات الارهاب بإنه "استخدام العنف بأي وسيلة كانت أو التهديد باستخدامه ، أياً كانت بواعثه وأغراضه، يقع تنفيذاً لمشروع اجرامي فردي أو جماعي يهدف الى تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر إذا كان من شأن ذلك إلقاء الرعب بين الناس وترويعهم أو تعريض حياتهم للخطر أو الحاق الضرر بالبيئة أو المرافق والأملاك العامة أو الأملاك الخاصة أو المرافق الدولية او البعثات الدبلوماسية أو باحتلال أي منها أو الاستيلاء عليها أو تعريض الموارد الوطنية للخطر او ارغام أي حكومة او أي منظمة دولية او اقليمية على القيام بأي عمل او الامتناع عنه ".
النائب محمد هديب عبر عن تخوفه بشكل واضح بقوله "تهمة الارهاب هي تهمة فضفاضة؛ وقد يحال البعض بتهمة الارهاب الفكري مثلا".
إلا أن النائب عبد المنعم العودات يصر أن الارهاب ليست كلمة فضفاضة، في ظل تحديد تعريفها في قانون العقوبات.
وأضاف أن الجرائم المنصوص عليها في مشروع القانون لها خصوصية في استقصاء الأدلة والبيانات؛ فهي قضايا خطرة على أمن الدولة.
استقلال محكمة أمن الدولة:
بحسب مشروع القانون فان المادة (2) من قانون محكمة امن الدولة تنص على منح رئيس الوزراء صلاحية انشاء محكمة خاصة واحدة أو أكثر في أحوال خاصة تقتضيها المصلحة العامة.
ولم ينص القانون أو يحدد هذه الأحوال الخاصة، التي منحت لرئيس الوزراء.
النائب هديب أكد أن لا استقلالية لمحكمة أمن الدولة في ظل تعيين قضاتها من قبل رئيس الحكومة.
وأضاف بأن الأحوال الخاصة التي تمنح رئيس الحكومة انشاء محكمة خاصة؛ هي أحوال سياسية "عندما ترغب الحكومة في إسكات بعض الأشخاص تستخدم الأحوال الخاصة".
فيما اعتبرت الناشطة والمحامية لين خياط أن الأحوال الخاصة، هي عبارة فضفاضة تترك المسألة لرئيس الوزراء ليقرر هذه الظروف دون وجود ضوابط معينة.
وتساءلت عن المسؤول عن تحديد التهم إنا كانت خيانة أو تجسس أو ارهاب، وصلاحية الاحالة لمحكمة أمن الدولة؟.
إلا أن الأحوال الخاصة بحسب مشروع القانون بحسب النائب العويدات ما زالت محصورة في 5 تهم فقط.
صلاحيات مجلس النواب
وفقاً لتفسير المجلس العالي للدستور للمادتين 91 و 92 فإن صلاحيات مجلس النواب في تعديل مشروع القانون محصورة فيما تم تعديله من قبل الحكومة فقط.
المادة 91 من الدستور الأردني تنص على: "يعرض رئيس الوزراء مشروع كل قانون على مجلس النواب الذي له حق قبول المشروع أو تعديله أو رفضه وفي جميع الحالت يرفع المشروع إلى مجلس الأعيان ولا يصدر قانون إلا إذا أقره المجلسان وصادق عليه الملك ".
النائب عويدات أكد أن مجلس النواب لا يستطيع تعديل أي مادة لم يرد تعديلها من قبل الحكومة.
إلا أن مجلس النواب يمتلك حق التقدم بمشروع قانون جديد؛ استناداً للمادة (77) من النظام الداخلي لمجلس النواب تنص على: أنه ﻴﺠــوز لعشرة أو أكثر من أعضاء المجلس أن يقترحوا القوانين ويحال كل اقتراح مرفقاً بالأسباب الموجبة والمبادئ الأساسية على اللجنة المختصة في المجلس لإبداء الرأي، فإذا رأى المجلس بعد الاستماع لرأي اللجنة قبول الاقتراح أحاله على الحكومة لوضعه في صيغة مشروع قانون وتقديمه للمجلس في الدورة نفسها أو في الدورة التي تليها".
ورغم أن المطلب الرئيسي هو الغاء محكمة أمن الدولة إلا أن العويدات أكد أن مجلس النواب لا يمتلك القدرة على الغاء مشروع قانون محكمة أمن الدولة في ظل نص المادة الدستورية (99) التي تنص على "أن المحاكم ثلاثة أنواع، المحاكم النظامية، المحاكم الدينية ، المحاكم الخاصة" .
كما وتنص المادة 110 من الدستور على أنه: "تمارس المحاكم الخاصة اختصاصها في القضاء وفقا لأحكام القوانين الخاصة بها"
بدورها أكدت الناشطة والمحامية لين خياط أن الدستور الأردني لم ينص على انشاء محكمة أمن الدولة وانما نص على انشاء محكمة خاصة.
وأضافت بأن جميع المحاكم الخاصة منشاة استناداً إلى أحكام قانون، باستثناء محكمة أمن الدولة التي تنشأ بقرار من رئيس الوزراء.
النائب هديب بدوره أشار إلى وجود عدة مخالفات دستورية وأن الغاء قانون محكمة أمن الدولة لا يتوقف عند الدستور، موضحاً أن آلية تشكيل المحكمة وتعيين قضاتها من قبل مجلس الوزراء يخالف استقلال القضاء وفي هذا مخالفة دستورية أيضاً.
هذا وتنص المادة (126) من الدستور على أنه "تطبق الأصول المبينة في هذا الدستور بشأن مشاريع القوانين علىاي مشروع لتعديل هذا الدستور ويشترط لقرار التعديل أن تجيزه أكثرية الثلثين من أعضاء كل من مجلسي الأعيان والنواب وفي حالة اجتماع المجلسين وفقا للمادة (92) من هذا الدستور يشترط لقرار التعديل أن تجيزه أكثرية الثلثين من الأعضاء الذين يتألف منهم كل مجلس وفي كلتا الحالتين لا يعتبر نافذ المفعول ما لم يصادق عليه الملك" .
القضايا المنظورة أمام المحاكم:
بحسب مشروع القانون المرسل من الحكومة؛ فإن الفقرة (ج) من المادة 2 من مشروع قانون محكمة أمن الدولة، ينص على "تستمر محكمة أمن الدولة في النظر في جميع الجرائم غير المنصوص عليها في هذا المادة والمحال عليها قبل العمل في هذا القانون المعدل على أن يتم ذلك من قبل هيئة جميع قضاتها مدنيين".
بالرغم من أن محاكمة الحراكيين الموقوفين أمام أمن الدولة تتم الآن أمام هيئة مدنية إلا ان المحامية لين خياط أوضحت أن الاشكالية تكمن في كون النيابة العامة في محكمة أمن الدولة ما زالت عسكرية.
"التغيير طال الهيئات ولم يطل النيابة العامة"، تقول خياط.
وتضيف بأنه لا يوجد ضمانة للمحاكمات العادلة، حيث أن الجلسات تعقد بسرية.
كم وتطرح خياط تساؤلات حول آلية تعيين القضاة العسكريين، حيث أنهم يقسمون القسم ذاته في القوات المسلحة، عدا عن أن القاضي العسكري لا يعتبر منفصلا عن أوامر الربط والضبط العسكري بصفته أحد أفراد القوات المسلحة وما زال ملتزم بالحياة العسكرية.
ما يعني بحسب خياط غياب معايير ومبادئ تعيين القضاة العسكريين.
بدوره أكد وزير الشؤون البرلمانية د.خالد الكلالدة أن القضايا ستبقى بحوزة المحكمة ، ولن تسري عليها التعديلات بإثر رجعي وستستمر المحكمة في النظر فيها لحين فصلها تحقيقاً للعدالة مثل قضية البورصات.
إلا أن النائب العويدات أكد أن من حق مجلس النواب تعديل المادة بما يضمن محاكمة الحراكيين أمام محاكم مدنية.
هذا وتنص المادة (6) من قانون محكمة أمن الدولة السابق على أنه "لا تسري أحكام هذا القانون على القضايا المنظورة أمام المحاكم قبل تاريخ نفاذه ويستمر النظر فيها لحين الفصل في الدعوى.
ويبقى الجدل المستمر؛ هل سيحاكم المدنيون أمام محاكم مدنية أم محاكم خاصة !!