للبالة تاريخ في الأردن
نظر الناس في عمان بأربعينيات القرن الماضي إلى الملابس القديمة "البالة" بإرتياب، كون جودتها لا تتناسب مع سعرها الرخيص.
ومع دخول " البالة" الى الثقافة الاردنية حينها حيكت معها عشرات القصص حول مصدر هذه الملابس، و وجد من قال في البداية،انها ملابس موتى أو مخلفات مستشفيات،مما خلق حالة من الخوف لدى الناس الذين ترددوا بشرائها أو ارتدائها.
عرف الأردنيون البالة لأول مرة في عام 1942 - كما يذكر عبد الرحمن منيف في كتابة سيرة مدينة عمان- كانت الملابس القديمة تصل لاسواق عمان بحالة جيدة من الاسواق الامريكية بعد دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية.
وبدأت المسألة أول مرة شديدة الغرابة، فالعادة جرت ان لا يتم التخلي عن الملابس الا اذا تلفت تماما.
نظرة الشك لملابس البالة لم تصمد طويلا امام إغراءات رخص الأسعار، فسرعان ما انتشرت أسواق البالة بالقرب من سوق السكر وسط العاصمة الاردنية عمان وما زالت عائلات اردنية تتوارث هذه المهنة منذ ذلك الحين ومنها عائلات السبتية و الشنانة وجمعان والخليلي التي تحافظ على محلات ورثتها من الأجداد.
وانتشرت البالبة كالنار بالهشيم واصبحت تنتقل من مكان لاخر، ليبرز سوق في عمان القديمة يدعى سوق اليمانية، فيما اشتهر حديثا سوق الجمعة في العبدلي الذي اقيم على انقاض مجمع العبدلي للنقليات الذي ازيل من مكانه كون لم يعد يناسب زحف الابراج للمناطق المحيطة فيه.
وعُرف عن سوق اليمانية انه سوق الفقراء يبتاعون منه ملابس غربية نقلت ثقافة مختلفة من اللباس من خلال الوان القمصان الزاهية و قصات السترات التي اصبحت موضة في حينها.
و مع تقدم الزمن لم يعد مفهوم البالة يقتصر على الفقراء واصبحت محجا للأغنياء الباحثين عن الماركات العالمية، وتلاشت ثقافة العيب ونظرة الشك التي رافقت ملابس البالة جزئيا، ولم يعد مرتاد البالة يحيط نفسه بالسرية حول مصدر ملابسه، بعد مشاركة الأغنياء للفقراء بنبش بسطات البالة.
وتنشتر ثقافة لدى الاردنيين بنبش جيوب ملابس البالة بحثا عن اموال قد نسيها " المرحوم" في جيب بنطاله او سترته، ويروي اشخاص انهم عثروا على " دولارات" في بعض الاحيان.
و " ملابس المرحوم " كلمة مازالت تطلق حتى الان على ملابس البالة، نتيجة الموروث الثقافي والمعتقدات التي رافقت دخول البالة ومصادرها.
رحلة ملابس البالة تبدأ من الغرب الى الشرق من خلال شبكة كبيرة من المصانع و جامعي الملابس القديمة، اذ يقوم متخصصون بجمع ملابس الاوروبيين والامريكيين من صناديق مخصصة لوضع الملابس القديمة او حتى من حاويات القمامة ليعاد غسلها و كيها و تصديرها.