لا أثر لدم يسيل.... صور تظهر طفولة باردة يتوسط جسدها قطع ثلجية بأحجام كبيرة لـتقول لنا "كمية الأجساد التي ترونها لم تصل سن البلوغ بعد ... انها ميتة"، لا يعني أمام هذا المشهد من القاتل، كل ما في الأمر سلاح كيماوي قتل طفولتنا.
وسابقا لـهدوء الطفولة الملقاة على الأرض في غوطة دمشق الشرقية، صور وفيديوهات لا يغيب صخب اللون الأحمر عن تكوينها، تطايرت جثث اصحابها عبر صفحات الفضاء الالكتروني دون اكتراث لحرمتها، كل ما في الأمر اثبات وحشية "الطرف الآخر" وحمل المتلقي على أخذ موقف سياسي "انساني" .
لا هيبة للموت، صور الموتى في كل مكان على الـ "home page" في موقع التواصل الاجتماعي "facebook" يمكن أن تجد قتيلا "شهيد" تاليا لصورة الاعتناء بالجمال أو لدعاية تشجعك على المشاركة بالانتخابات البلدية، وقد ترى جانب صورة لـ "جثة" اعلانا تجاريا لسلعة ما.
في الانتفاضة الفلسطينية الثانية اهتزت المشاعر الانسانية لصورة الطفولة المتمثلة بمحمد الدرة تقتل وهي تحتمي بوالدها، أصبح تكرار المشهد أمرا يحول مشاعرنا الى جدل يكذب أو يصدق وسائل الاعلام في نقل عدد القتلى، أستاذ علم الاجتماع الدكتور عزمي منصور يربط بين تكرار مشاهدة صور القتل وبلادة الاحساس " أصبح المتلقي يتابع نشرة مليئة بأخبار القتل كما يتابع نشرة الأخبار الجوية".
تحذير تضعه عدد من وسائل الاعلام قبل بث أي مشاهد تحوي مقاطع قتل وعنف، قد تكون حلا لمنع تكرار هذه المشاهد على المتلقي كما يرى الدكتور منصور الذي تحدث عن وجود اعلام يختار صورة غير متحركة مع مراعاة بعدها عن اظهار أي عنف أو وحشية حتى لا تترك أثرها على الجيل الجديد المتلقي للصورة والذي يتعلم ويخزّن كل ما يراه من صور ، الا أنه أشار عن التوجهات السياسية لوسائل الاعلام التي تدفعها لبث الصور ومقاطع الفيديو حتى تستقطب المتلقي لتوجهها.
التحذير أو الصورة التي تتوخى معايير حقوق الانسان قبل نشرها قد يكون لها قبولا عند الاعلام المحترف الا أنها تضيع أمام انفجار شبكات التواصل الاجتماعي التي تتيح لمستخدمها حرية نقل ما يشاء كيفما شاء، دون ضوابط أو معايير، فلا جنازة مهيبة للقتلى ولا حرمة لجثة امتلأت جراحا وذلا قبل قتلها على يد قاتلها وصفحاتنا.
تعليق صغير طار في ذلك الفضاء أن "لا هيبة للموت" ليأتي الرد عليه "ولا هيبة للحياة أيضا"!