كيف أثرت سياسية رفع الدعم على الأردنيين خلال 15 عاما؟

كيف أثرت سياسية رفع الدعم على الأردنيين خلال 15 عاما؟
الرابط المختصر

يضرب البرد القارس جسد “ام مروى” واطفالها الخمسة دون هوادة، الأمطار تدلف من سطح المنزل لتملأ المطبخ واحدى غرفتي المنزل الصغير، فيما ينزون الاطفال ملتحفين اغطيتهم في الغرفة الاخرى، بجانبهم مدفأة صغيرة لا تكفي لكسر حدة البرد.   قد تغض “ام مروى” البصر عن حاجتها وأبنائها للطعام والملبس والدفء، لكنها لا تستطيع ذلك عندما ترى منزلها المتهالك وحاجتها لمسكن ملائم، تقول”عام عن عام يزداد وضعي الأسري والمعيشي فقرا حيث ارتفعت الأسعار وبقيت الأمور على حالها”.     بالمقارنة مع السنوات الماضية حال “ام مروى” كان افضل قبل ان تلجأ الحكومة الاردنية لإلغاء الدعم الحكومي عن المحروقات، والكهرباء، على القطاع الصناعي والتجاري ويصبح المواطن وجها لوجه مع مسلسل ارتفاع الأسعار.ارتفاع الأسعار جراء الازمة الاقتصادية زادت وطأتها مع أزمة الطاقة التي عصفت بالأردن، ومحاولات حكومية متعاقبة لسداد عجز الموازنة من جيوب الأردنيين.     أم مروى، من شريحة واسعة الأردنيين، تأثرت أحوالهم الاقتصادية سلبا خلال السنوات الخمسة عشر الأخيرة جراء التوغل في سياسة رفع الدعم، وفرض الرسوم والضرائب.  

 

سلسلة سياسات اقتصادية للحكومات المتعاقبة  

دخلت المملكة في برامج "التصحيح الاقتصادي" مع صندوق النقد الدولي 1989 وحتى الوقت الحاضر، شكلت هذه البرامج جوهر السياسات الاقتصادية للحكومات المتعاقبة التي طبقت هذه الوصفات، وقامت برفع أسعار ورسوم سلع أساسية، وفرضت عددا كبيرا من الضرائب، استجابة لمطالبات الصندوق، مما انعكس على الوضع الاقتصادي للأفراد والمؤسسات سلبا حسب المؤشرات الاقتصادية.     ورغم أن الحكومة لا تكشف عن أرقام حديثة لنسبة تآكل الطبقة الوسطى في الأردن الا أن  دخل ونفقات الأسرة لعام 2014/2013 تشير الى أن حوالي 8.27 % من المجتمع، 9.29 % من المجتمع من طبقة الدخل المحدود، فیما نسبة الطبقة الفقيرة والمعرضة للفقر بلغت 2.23.%.     أمين عام المجلس الاقتصادي والاجتماعي محمد النابلسي، أن الطبقة المتوسطة تأثرت بسياسة رفع الدعم عن المحروقات بشكل كبير ، مشيراً الى ان طبيعة المجتمع الأردني مجتمع استهلاكي ، مؤكدا أنه من المفروض عن رفع الأسعار ورفع الدعم ان يتم مقاطعة هذه السلع أو التخفيف منها وعلى سبيل المثال في عام 2017 ، عندما قامت الحكومة برفع أسعار ضريبة الدخان بزيادة 25 قرش لكل علبة سجائر مما زاد استهلاك الإقبال على الدخان من قبل المواطنين بحوالي 13 % .         ويضيف ، أن هناك إعادة توجيه للدخل عن طريق الإقبال على السلع غير الأساسية.   فيما أكد أن أنه "لا يوجد لغاية الان تقرير مفصل عن  دخل النفقات للأسر خاصة الأسر متوسطة الدخل ، مشيرا الى حكومة الرزاز أوعزت بنشر تقرير مسحي لدخل الأسر الشهرية لكن لغاية هذه اللحظة لم يظهر أي تقرير بذلك".     وفي حال صدور المسح ، يرى النابلسي يستطيع المجلس الخروج  بدراسات لجميع دخل الأسرة خاصة متوسطي الدخل ، مؤكدا أن غالبية الأسر متوسطي الدخل تأثروا بسياسة رفع الأسعار والضرائب بشكل كبير .     وبين أنه في العام 2017 ،انخفضت أسعار اللحوم والدواجن ومع هذا توجه المواطن لشراء اللحوم المجمدة والمعلبات، علما أن اللحوم والدواجن انخفضت أسعارها بشكل ملحوظ في ذلك الوقت .     وأشار إلى أن هناك ما يسمى اقتصاد "الظل" أي الإقتصاد غير المنظم والذي وصلت نسبته 30% ،حيث تعمل الكثير من العائلات بالاقتصاد الغير منظم ، مشيرا إلى أن هذا الاقتصاد غير معروفة نسبة دخل الأسرة فيه .    

قطاعات اقتصادية في خطر  

ولم يقتصر تأثير سياسة رفع الدعم على الأفراد،  اذ شمل قطاعات اقتصادية حيوية، وخسر الأردن خلال السنوات الثلاث الأخيرة 1.800 مليار دولار، في مجال الاستثمارات العقارية التي وجدت موطئ قدم لها في تركيا ودبي، حسب ما قاله رئيس جمعية المستثمرين في قطاع الإسكان زهير العمري.   وحسب إحصاءات الجمعية، شهد القطاع الاقتصادي تراجعا في الشهر الأول من العام 2019 عن الشهر الأول من العام الماضي، بنسبة بلغت نحو 37%.     كما شهد قطاع الألبسة انسحاب نحو 35 علامة تجارية عالمية منذ عام 2016 كان يعمل لديها قرابة 700 موظف وموظفة، وذلك لتخفيض خسائرهم؛ لعدم وجود بيئة استثمارية محفزة لهم. حسب ما يقوله ممثل قطاع الالبسة والاقمشة والمجوهرات في غرفة تجارة الأردن أسعد القواسمي.      

توسع جيوب الفقر وتفاقم البطالة  

الخبير في دراسات الفقر محمد الجرابيع أن هناك  توسع مناطق جيوب الفقر وانعكاسها سلبا على الطبقات متوسطة الدخل وهو انعكاس طبيعي لفشل السياسات الاجتماعية والاقتصادية التي مرت خلال السنوات الأخيرة ، مشيرا إلى انه يجب ان توضع خطط  لمعالجة موضوع الفقر .   ويقول الجربيع، إن "الفقر في ازدياد وتفاقم كبير خاصة في السنوات الأخيرة ، وهناك شرائح مجتمعية جديدة دخلت إلى مناطق جيوب الفقر لم تكن متواجدة في الماضي ، مشيرا إلى أن هناك مؤشرات  يعطيك مؤشرا و خطط خاطئة من قبل الحكومات السابقة المتعاقبة التي لم تحقق أي أهداف إقتصادية مرجوة في سياسة الرفع".   ويضيف "هناك ارتفاع كبير في مؤشرات الفقر والبطالة التي تزداد عاماً بعد عام ، مشيرا الى فشل هذه السياسات  الحكومية والاجتماعية المتزايدة ساهم بشكل كبير بوجود طبقة مجتمعية فقيرة" .     وقال إن "هناك فشل كبير من قبل القائمين على تنفيذ السياسيات الاقتصادية الأمر الذي أدى إلى تفشي الفقر والبطالة والجرائم" .   أما فيما يتعلق بفرض الضرائب ورفع الأسعار ، أكد الجربيع أن "هناك علاقة مباشرة ما بين الفقر وبين السياسات الإقتصادية المتعاقبة المتبعة ، مشيرا إلى أنه من ضمن سياسة الرفع هي سياسة الضرائب التي أثرت بشكل سلبي وكبير على موضوع الدخل الشهري لأي أسرة وخاصة الأسر الفقيرة والمتوسطة".     وبين أن هناك انحلال من الطبقة الوسطى للطبقة الفقيرة ، بالاضافة الى ان هناك تقليل بالطبقة الوسطى وتوسع بالطبقة الفقيرة ، مشيرا إلى أن  الطبقات المجتمعية جميعها متأثرة بسياسة الرفع وفرض الضرائب .     ويرى الجرابيع، أن "الطبقة المتوسطة تنحدر حاليا لتصبح طبقة فقيرة؛ بسبب فرض الرسوم و الضرائب ورفع الأسعار من قبل الحكومات المتعاقبة" .     أما فيما يتعلق بتأثر القطاعات التجارية بسياسة الرفع وفرض الضرائب ، أكد الجربيع أن جميع القطاعات الإقتصادية تأثرت بسياسات الرفع ، مشيرا الى ان القطع الغذائي لم يتأثر بشكل كبير لأنه يعتبر من القطاعات الأساسية التي لا يستطيع الإستغناء عنها .     ويعاني الاقتصاد الأردني من تباطؤ بالنمو، الذي لم يتجاوز 2.2%، وتسببت القرارات الاقتصادية من رفع الدعم وفرض ضرائب ورسوم في تراجع القدرة الشرائية للمواطن الأردني، وارتفاع تكاليف الإنتاج على القطاعات المختلفة.     وأظهر تقرير صادر عن البنك المركزي الأردني، بداية الشهر الحالي، تراجع صافي الاستثمار الأجنبي المباشر المتدفق إلى السوق الأردنية، بنسبة 53.9 بالمئة في الشھور التسعة الأولى من 2018.

   

 

زيادة  الإيرادات عملت على حجب الحكومة  

وحول تأثير سياسة رفع الدعم على المواطن الأردني في مختلف القطاعات ال 15 سنة الماضية يقول الخبير الاقتصادي حسام عايش، إن "الأردن حاول التكيف مع مستجدات اقتصادية مر بها وبالأخص منذ تراجع سعر صرف الدينار مقابل الدولار في عام 1989 بالتعامل مباشرة مع صندوق النقد الدولي ليبدأ برنامج التصحيح الاقتصادي تم تطبيقه في أوائل التسعينات، أدى إلى مجموعة من الأوضاع يفترض على الأردن أن يعمل بها منها، الخصخصة لتقليل تدخل الحكومة بالشأن الإقتصادي، والتخلص تدريجيا من الدعم للسلع والمواد الغذائية وأنواع الدعم المختلفة المستمرة حتى الآن، ومحاولة زيادة إيرادات الحكومة من الضرائب والرسوم والخدمات المختلفة ،والعمل بشكل أو بآخر ’وإن لم ينجح بالشكل المطلوب  على تقليل حجب الحكومة, وبالتالي تخفيض حجم القطاع العام عبر وسائل مختلفة".     هذه القرارات الرئيسية تبعتها مجموعة من النتائج, فالخصخصة أدت إلى تسريح الكثير من العمالة من القطاع الخاص، و إعادة هيكلة الشركات والمؤسسات, و تقليل الطلب على الموظفين الجدد.   وفيما يخص السياسات الحكومية المتعلقة بالتوظيف في القطاع العام فقد راعت الحكومة بأن تكون في حدها الأدنى , علما بأن القطاع العام كان من أكبر المشغلين للأيدي العاملة.   "ورافق كل ما سبق انخفاض القيمة الشرائية والنقد بين يدي المواطنين لأسباب متعلقة بارتفاع الأسعار والتضخم وزيادة الضرائب والرسوم, مما أثر بشكل واضح على قدرة المواطنين على التكيف مع قرارات الحكومات المتغيرة والمتسارعة والمتتابعة حول رفع الأسعار ورفع الضرائب المبيعات والدخل"، حسب عايش.   يقول "كانت هناك محاولات من الحكومة للتصالح مع المواطنين بتخفيض ضرائب الدخل على شرائح وزيادتها على شرائح أخرى, إلا أن الضرائب المباشرة وغير المباشرة ارتفعت, في نفس الوقت الذي بدأ فيه النمو الإقتصادي بالتراجع إلى أن وصل في نهاية عام 2018 إلى معدل نمو 1.09% , مما يعني تضاؤل فرص العمل وصعوبة الحصول عليها بالشكل المطلوب".  

تراجع القدرة الشرائية للمواطنين في السنوات السابقة  

وبالإشارة لمعدلات الفقر، يرى عايش أن "جيوب الفقر بدأت بالارتفاع والازدياد والانتشار , ورافق ذلك تراجع في القدرة الشرائية للمواطنين الأمر الذي فاقم من مشكلة العملية الإقتصادية والتجارية في الأردن. وكان وزير التخطيط السابق قد أشار إلى 35 جيبا من جيوب الفقر علما بأن عددها كان أقل في السنوات السابقة". ويضيف عايش أن "تراجع قدرة المستهلك على الإنفاق أثر على الوضع الإقتصادي بشكل عام, من حيث تقليل إنتاج المؤسسات بسبب قلة الطلب على منتجاتها, وحتى تتكيف مع هذا الوضع الجديد اتخذت عدة إجراءات, إما بتسريح العمالة لديها, أو الإغلاق الجزئي أو الكامل للمؤسسة أو الشركة او المصنع, أو بالانتقال إلى دول أخرى" .   "وتفاقم الأمر مع استمرارية رفع الدعم عن السلع والمواد التي يستهلكها المواطنين, إلى أن وصل الأمر إلى رفع الدعم عن أهم السلع الأساسية وهو الخبز."   وبالنظر إلى معدل إنفاق الأسر الأردنية نجده بالمتوسط حوالي 12,519 دينار سنويا  ومعدل دخلها حوالي 11,512 دينار وهذا يعني أن هناك عجزا بالإنفاق والدخل يقارب الألف دينار, هذا العجز تم التكيف معه بوسائل مختلفة ,إما بتقليل النفقات ,أو اللجوء إلى القروض ,علما بأن إجمالي القروض المقدمة للأفراد من القطاع المصرفي تشكل ما يقارب ثلث التسهيلات والقروض التي تقدمها.   ومن إجراءات التكيف التي اتبعها المواطن يقول عايش"لجأ البعض لبيع أصولهم من أراض وذهب وسيارات وشقق وعمارات وغيرها، أو بالانسحاب من السوق أو مغادرة البلاد، كاقدام الأردنيين على شراء العقارات في تركيا ودبي وحتى في سيريلانكا وأذربيجان ، وهذا يؤدي إلى المزيد من الضغط على الوضع الاقتصادي العام في الأردن".   ويقارن بين توفر الدعم للسلع والمواد الغذائية والخدمات  والطاقة ومعدلات البطالة التي كانت تبلغ حوالي 12% أما بعد رفع الدعم عن الطاقة وزيادة الضرائب والرسوم على الطاقة فقد فاقم كثيرا من مشكلة ارتفاع الأسعار المباشرة على المواطنين والكلف التشغيلية في إنتاج السلع والخدمات في السوق. يقول الخبير.   ويرى عايش أن توفر الدعم ربما سمح بالحفاظ على نسبة البطالة عند مستوى 12% تقريبا وعند رفعه ارتفعت البطالة إلى أن وصلت تقريبا  19%،أي مع رفع الدعم فإن البطالة ارتفعت بنسبة 7% تقريبا بسبب تقليص نشاط المؤسسات وأعمالها وإنتاجها..   ومن وجهة نظر الخبير الإقتصادي حسام عايش فإن الدعم قد شوه الإقتصاد وأدى إلى الفساد ,لكن التخلص منه جاء في وقت كانت فيه الحكومة منهكة اقتصاديا وماليا . والمواطن منهك من حيث انخفاض قدرتة الشرائية وانخفاض القيمة الحقيقية لدخله وتراجع قدرته على توفير المزيد من الدخل متطلباته الحياتية المتزايدة. لذلك تم رفع الدعم في وقت لم يكن مناسبا للمواطنين وأدى إلى ما سبق ذكره.. وفيما يخص نسب ومعدلات الفقر يرى عايش أن أرقام الفقر لا يجب أن تقاس فقط بالنسب المئوية وإنما بشعور الناس بعدم القدرة على الوفاء باحتياجاتهم بالشكل المناسب. وهناك فرق بين تكاليف الحياة والتي يشعر الجميع تقريبا بوطئها، وبين معدلات الفقر وفق نسب ووحدات تأخذ بعين الاعتبار السعرات الحرارية وتفاصيل أخرى تحدد النسب المتعلقة فيه.

   

الحكومة تقر بالأثر السلبي للضرائب والرسوم  

الحكومة وعلى لسان رئيسها عمر الرزاز اقرت بان السياسات الحكومية المتعاقبة للحد من العجز أضرت بالاقتصاد وقال في محاضرة بالجامعة الأردنية في ايلول\2018 إن الحكومة حاولت معالجة الموضوع لضبط العجز بزيادة الرسوم والضرائب، الا أن المحصول الضريبي كان اقل لان مستوى النمو والنشاط الاقتصادي كان أقل بسبب اعتمادنا بشكل أساسي على ما يسمى بالضرائب غير المباشرة كضريبة المبيعات والضرائب الخاصة وغيرها من الرسوم، لافتا إلى أن ضريبة المبيعات أثرت سلبا وبشكل كبير على المواطن".   سنوات مما يسمى بتطبيق برنامج التصحيح الاقتصادي، ومازال المواطن الأردني يشعر أن وضعه لم يصحح بل زاد سوءا مع تدهور المؤشرات الاقتصادية والدخول بحلقة مفرغة من رفع الرسوم والضرائب والتي نتج عنها تباطؤ النمو، وارتفاع معدلات البطالة والفقرة.. على أمل أن تطبق الحكومة الحالية ما اسمته مشروع النهضة والاعتماد على الذات بعيدا عن جيوب الأردنيين.

 

أضف تعليقك