قراءة بمخرجات قمة عمان
ما أن انتهت أعمال القمة العربية في البحر الميت، حتى بدأ كتاب الرأي والمقالات يخطون حروفهم حول مضامين إعلانها الختامي، وسط توافق واسع النطاق على "الإشادة بالجهود الأردنية، في التنظيم والترتيبات الدبلوماسية واللوجستية".
ومع أمنيات بتطور "هذا الترتيب والتنظيم عالي المستوى، الذي أشاد به قادة الدول وضيوف الأردن، ليتجه إلى ترتيب وتنظيم داخلي"، كما يقول الوزير الأسبق صبري ربيحات.
ويرى ربيحات أن صياغة التوصيات الخمسة عشر التي خرجت بها قمة عمان، مشابهة لسابقاتها باحتواءه للـ"الإدانة والتهنئة، وتجديد المواقف والتأكيد"، واصفا إيها بتوصيات "بلا أسنان"، خاصة في ظل غياب برامج المتابعة والتنفيذ.
مع المقارنة البسيطة بآخر قمة في موريتانيا، فإن بيان نواكشوط جاء شاملا وتفصيليا فيما قد يلبي طموحات الشارع العربي، من تناول ملفات ثقافية ومائية وبيئية واقتصادية، وفي مجال التعاون العربي المشترك، وقضايا المرأة، في محاولة لمقاربة لهجة قمم العرب بالستينيات والسبعينيات.
إلاّ أن قمة عمان "حاولت أن تكون قمة عادية، بهيبة قمة استثنائية، حيث أن المعالجات أقل من التوقعات بكثير"، بحسب ربيحات.
ومع وجود أربع حروب طاحنة في زوايا العالم العربي، وتباين كبير في لغة وموقف كل عضو في الجامعة العربية من هذه الحروب وآثارها، يؤكد ربيحات "أن القادة العرب كأنهم جلسوا في غرفة العمليات في البحر الميت، متبعين أسلوبا دبلوماسيا بالحديث عما هو متوافق عليه، دون الخوض بما هو محل خلاف، وغادروا المملكة تاركين هذه الخلافات "كالنار تحت الرماد".
فلم تتناول القمة طموحات المواطن العربي "الاعتيادية والعاجلة، من مكافحة للفقر والبطالة، وقضايا المرأة، والتطوير الإداري، ومحاربة الفساد، وتمكين دولة القانون والديمقراطية"، لتتجاوز ذلك "بالبارشوت" إلى إدانة ورفض التدخل الخارجي في الساحة العربية وتحصينها من الاختراق.
ويتضح، بحسب ربيحات، أن دعوة بيان عمان إلى ضرورة العمل على إيجاد استراتيجية شاملة متعددة الأبعاد لمكافحة الإرهاب، تتضمن الأبعاد السياسية والاجتماعية والقانونية والثقافية والإعلامية، أن الدول لا تمتلك أي استراتيجية لذلك حتى الآن على على الصعيد القطري، ولا العربي.
"فالاستراتيجية تخضع للاجتهادات، وفي الشأن الأردني ما نزال في دائرة التيه "فمرة نتجه لمحاربة الإرهاب بنشاط، أو تعديل المناهج، ومرة يظن وزير بأن ذلك ممكن من خلال توحيد خطبة الجمعة"، يضيف ربيحات الذي يؤكد أننا بحاجة ثورة في القيم والممارسات والنهج قبل وضع الاستراتيجيات وتشاركها عربيا.
في حين أدان بيان عمان التدخلات الإيرانية في الشؤون العربية، وتصريحات المسؤولين الإيرانيين التحريضية والعدائية ضد الدول العربية، وطالب الحكومة التركية بسحب قواتها فورا دون قيد أو شرط من الأراضي العراقية، باعتبار وجودها اعتداءً على السيادة العراقية، وتهديدا للأمن القومي العربي.
وحول قضية الجزر الثلاث "طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى"، يقول للعين كمال الناصر إنه لم يسمع بأن هناك شكوى قانونية خليجية أو إماراتية ضد احتلال إيران لها.
"لكن، تطبيق التوصية بوقف الاختراقات التركية والإيرانية للساحة العربية يرتبط بميزان القوى، فلم يعد خطاب الدبلوماسية العربية مجديا إذا لم يتبعه ضغط قوي وموحد سياسيا وقانونيا في المجتمع الدولي، وفي أروقه الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، بحسب الناصر.
في الملف الفلسطيني يبدو الأمر أكثر وضوحا، بوجود قرارات دولية تدين إسرائيل وجرائمها، وتواجه توسعها الاستيطاني، حيث ذهب بيان عمان للمطالبة مرة أخرى "بإيجاد الآلية المناسبة لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2334 لعام 2016 "، ورفض ترشيح إسرائيل لشغل مقعد غير دائم في مجلس الأمن لعامي 2019 ـ 2020 باعتبارها قوة احتلال.
هذا التأكيد العربي "يعد شكلا من أشكال التأصيل"، برأي الناصر، الذي يشير إلى أن العرب والمجتمع الدولي يعلمون أن "إسرائيل تخالف نظام روما بشأن التوسع الاستيطاني، وتخالف نظام الأمم المتحدة واتفاقية جنيف وقرار محكمة العدل الدولية.
ويؤكد الناصر أن القانون ملزم لإسرائيل وتقع مخالفته تحت طائلة تطبيق الجزاءات الدولية، لكن "لا تحرك قانوني دولي دون ضغط سياسي عربي مشترك"، بما في ذلك التطور في الموقف الفلسطيني "من تهديد سابق" باللجوء لمحكمة الجنايات الدولي لإدانة إسرائيل، إلى تطبيق هذا التهديد فعلياً.