قانون مكافحة الإرهاب يفتح المجال لإعادة التوقيف والحبس في قضايا النشر

قانون مكافحة الإرهاب يفتح المجال لإعادة التوقيف والحبس في قضايا النشر
الرابط المختصر

 

بالرغم من تأكيدات الحكومة المتكررة بأن "الحريات العامة ما تزال مصانة ضمن أحكام القانون"، إلا أن ناشطين وإعلاميين يرون أن هناك ارتفاعا في أعداد الصحفيين، الذين تعرضوا لانتهاك "حجز الحرية"، جراء نشرهم مقالات في مواقع إخبارية، أو آراء على صفحاتهم الخاصة في "فيسبوك"، وهذا ما أكدته أيضا تقارير منظمات حقوقية دولية.
فـ"تعكير علاقات الأردن مع دول صديقة"، باتت تهمة تلاحق صحفيين، ينتقدون العلاقة الأردنية مع دول عربية عدة، أو لانضمامه لتحالفات عربية أو دولية ضد "الإرهاب".
"الحريات العامة مصانة ضمن أحكام القانون ولكن تجاوز القانون وتعريض مصالح الأردن أمر تجرمه القوانين المعمول بها، في حال تضمنت إساءات، وتجريحا بدول صديقة وشقيقة"، تصريح لوزير الدولة لشؤون الاعلام والاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة محمد المومني، أدلى به ردا على تقرير أصدرته "هيومن رايتس ووتش" في كانون ثاني الماضي، اتهمت فيه الأردن بـ"كسر وعود الإصلاح من خلال اعتقال واتهام نشطاء في الجرائم المتعلقة بالتعبير عن الرأي".
وأورد تقرير "هيومن رايتس ووتش" عدة حالات، قال أنها اعتقالات وإحالة لمحكمة أمن الدولة لصحفيين وكتاب، على خلفية مواقف سياسية عبروا عنها عبر المواقع الالكترونية أو "التواصل الاجتماعي"، ومنهم الكاتب المستقل جمال أيوب (أوقف منذ 22 نيسان ولم يفرج عنه)، والزميل غازي المرايات من صحيفة الرأي، وأوقف لـ 4 أيام للتحقيق بزعم انتهاكه لأمر بحظر النشر، بنشره تفاصيل عن مخطط إرهابي، وأيضا بموجب قانون مكافحة الإرهاب.
00

وأيضا تم توقيف الصحفيين سيف العبيدات، وهاشم الخالدي من الموقع الإلكتروني "سرايا نيوز"، في 28 كانون الثاني، بعد نشر الموقع لمقال بشأن مفاوضات "مزعومة" بين الأردن و"داعش" للإفراج عن الشهيد معاذ الكساسبة.فيما كانت آخر القضايا المسجلة هي بحق الزميل الكاتب جهاد المحيسن حيث قال شقيقه "إنه احتجز بأمر من محكمة أمن الدولة"، ووفق قانون مكافحة الإرهاب أيضا.

رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية الدكتور موسى الشتيوي يستبعد أن تكون هناك سياسة للسلطات تستهدف اعتقال وتوقيف الصحفيين، ويقول "أن المشكلة تكمن في قانون منع الإرهاب، الذي تتيح نصوصه اعتقال من يتجاوز القانون، فيما يتم التعبير عنه من آراء سواء صحفيين أو غيرهم".

ويستشهد شتيوي بما ينشر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي من قبل مواطنين، حيث يندرج بعضه في مخالفات لقانون منع الإرهاب. "فالمسألة ليست مرتبطة بالصحفيين، بل بمخالفة نص قانوني، وما حدث من اعتقالات أخيرة، شملت صحفيين وغير صحفيين، ومن ضمنهم حتى نواب مثلوا أمام محكمة أمن الدولة".
فيما يرى عضو مجلس سابق في نقابة الصحفيين راكان السعايدة أن "الحالة الأمنية" تسيطر على مستويات القرار السياسي، بالنظر إلى ظروف المنطقة والإقليم، تتطلب أن تكون هناك أجندة واحدة متبناة من كل الأطراف، خصوصا الإعلامية".
ويضيف السعايدة، أن هذه حالة "ستطول وتتفاقم أكثر مع اشتداد الصراعات، وسنلاحظ المزيد من التضييق على الإعلاميين ووسائل الإعلام".
وحالة الصحفيين الأردنيين، بحسب وصف السعايدة، مقلقة، نتيجة التضييقات والاعتقالات، والتقييدات، "وأظن أن المقبل أصعب، وربما بدأ يدفع الكثير من الإعلاميين والصحفيين لقمع وضبط مواقفهم وطريقتهم في العمل تجنبا للملاحقة".
ويحمل السعايدة مسؤولية هذا الواقع لأطراف عديدة، أبرزها نقابة الصحفيين التي "يفترض أن تكون المدافع الأول عن الحريات، وعليها أن تعمل على تغيير التشريعات الناظمة للعمل الإعلامي بما يضمن صون هذه الحريات".

 

المطلوب موقف من كل الأطراف للضغط على المؤسسات الرسمية، لتوقف نمط وطريقة تعاطيها مع الإعلام، وأن تعي أن وسائل المعرفة باتت متاحة وأي تقييد لا قيمة له"، وفق السعايدة.
نقيب الصحفيين الزميل طارق المومني يجدد تأكيد موقف النقابة برفض توقيف الصحفيين في قضايا المطبوعات والنشر، "هذا موقف ثابت ومبدأي، وتحويل الصحفيين لمحكمة أمن الدولة، في قضايا لها علاقة بقانون المطبوعات طالما كان مرفوضا من قبل النقابة".
يقول المومني "نحن لا نريد حصانة للصحفيين أمام القانون، لكن نطالب أن تتم محاسبتهم أمام القضاء المدني، مع احترامنا لمحكمة أمن الدولة واختصاصاتها الخمسة، لكن ليس من بينها قضايا المطبوعات والنشر".
وواجه الصحفيون التوقيف "الحبس الاحتياطي" في جرائم تقع عبر وسائل النشر، إلى أن تم تعديل قانون المطبوعات العام 2007، والذي حظر التوقيف في جرائم ترتكب خلافا لقانون المطبوعات، وتحتوي على تعبير عن رأي فقط، ولكن ظنهم هذا كان في غير مكانه، وفق المحامي المتخصص بقضايا المطبوعات محمد قطيشات. "

 

تستخدم النيابة العامة صلاحيتها في اعتقال صحفيين ومن ثم إخراجهم بكفالة أو بإعلان عدم اختصاصها، "وطبعا هذا يخالف توجيهات الملك بعدم توقيف الصحفيين في قضايا الإعلام".
ويرى قطيشات: "أن هذا التعديل جاء من باب لزوم ما لا يلزم، لأن قانون المطبوعات لا يحتوي على عقوبات سالبة للحرية بل غرامات مالية لا يجوز التوقيف فيها، وظل التوقيف مستمرا للصحفيين من خلال جرائم النشر المرتكبة خلافا لقانون العقوبات والذي يحتوي على جرائم من اختصاص محكمة أمن الدولة".
ويضيف: جاء تعديل قانون المطبوعات عام 2012 ليجعل كل الجرائم الواقعة على أمن الدولة من اختصاص قاضي المطبوعات وليس محكمة أمن الدولة، والذي سبقه تعديل الدستور بمنع محاكمة المدنيين أمام قضاة عسكريين، وبالتالي لم يكن أمام الحكومة إلا استحداث قانون منع الإرهاب، وتضمن نصوصا قانونية تعاقب على جرائم التعبير عن الرأي والتي تحتوي على تعكير صفو العلاقات مع الدول الشقيقة والأجنبية، فيما لا زالت هناك جرائم واردة في قانون العقوبات مثل "تقويض نظام الحكم" تجيز لنيابة أمن الدولة استخدام صلاحياتها قي التوقيف، وهذا ما حدث مع صحفيين وكتاب مؤخرا، يقول قطيشات.
من جهتها، تضع المحامية والناشطة الحقوقية نور الإمام المشهد الإعلامي وحرية التعبير "بين مقصلة قانون منع الإرهاب وسندان محكمة أمن الدولة"، وبينت أن "الدستور كفل الحق بحرية الرأي والتعبير في المادة 15 منه، كما كفلته المواثيق الدولية والمصادق عليها من قبل الأردن"، تقول الإمام، كما أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والأردن طرف فيه، يحمي الحق بحرية التعبير، بما في ذلك "حرية التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها" ( المادة 19)
000

كما أن لجنة حقوق الإنسان التي تتولى تفسير العهد، شددت على أهمية "التعبير غير المقيد"، فيما يتعلق بالنقاش حول المسؤولين العموم في المجال السياسي والمؤسسات العامة .

وبموجب المادة 9-3 من العهد الدولي، "لا يجوز أن يكون احتجاز الذين ينتظرون المحاكمة هو القاعدة العامة"، يقول تقرير "هيومن رايتس ووتش": "إن وصف التعبير بالإرهاب لمجرد انتقاد بلدان أخرى لا يخفي حقيقة أن الأردن يعاقب المواطنين الذين يمارسون حرية التعبير".

أضف تعليقك