"لم يكن أبي يوجه لي كلمات حادو ولا يصفني إلا بأبشع الألفاظ البذيئة، فقدت ثقتي بنفسي واحترامي لإنسانيتي وبدأت أعاني من اكتئاب وقلق مستمر" هكذا تصف الشابة ندى تجربتها المؤلمة بعد إضطرارها للعودة لبيت أسرتها بعد طلاقها، وتقول كانت " من بين الحوادث الأكثر قسوة التي واجهتها، أنني تعرضت للضرب بكرسي من قبل والدي خلال شجار حاد معه" ورغم ان هذا الاعتداء الجسدي سبب جرحا عميقا لها إلا انه شكل نقطة تحول في حياتها على حد تعبيرها.
ندى واحدة من كثير من الشابات اللواتي يتطلقن بسن مبكرة فيعشن صراع كبير يتخلله عنف لفظي وجسدي، لكنها لم تستسلم، وتقول ل "صوت شبابي" لا يعرف الجميع ان هناك آثارا سلبية عميقة للعنف الأسري، يجب تقديم الدعم للناجيات ومساعدتهم على التعافي من الصدمات التي تعرضوا لها".
صوت الجرح: تأثير العنف اللفظي على حياة وئام
"وئام" هو اسم مستعار اختارته شابة أخرى عن تجربتها المؤلمة مع التعنيف اللفظي من زوجها، وتروي كيف أثرت هذه المعاملة الجارحة على صحتها النفسية وتقديرها لذاتها" واجهت إهانات متكررة تركت آثاراً عميقة في حياتي كان لها تأثير علي وعلى اسرتي بالكامل"
وفقًا للتقرير السنوي للفريق الوطني لحماية الأسرة من العنف خلال عام أن الشابات وبخاصة في الفئة العمرية بين 18 و60 عاماً هن الأكثر تعرضاً للعنف، حيث يُعتبر الزوج المصدر الأكثر شيوعاً للعنف الجسدي.
عواقب العنف الأسري على الفتيات: تأثيرات فورية وطويلة الأمد
العنف الأسري يؤثر بشكل خاص على فئة الشباب على المدى القصير والطويل، وبخاصة على على الفتيات، يوضح الدكتور محمد الطعاني، مدير مستشفى المركز الوطني للصحة النفسية "لصوت شبابي" على المدى القصير، يمكن أن يؤدي إلى ظهور أعراض مثل اضطرابات التكيف، القلق، مشاكل النوم، وأعراض اكتئابية. أما على المدى الطويل، فقد يتسبب في ظهور اضطرابات استخدام المؤثرات العقلية، اضطرابات الأكل، واضطراب ما بعد الصدمة. كما يؤثر على قدرة الشخص على الدخول في علاقات اجتماعية صحية، وقد يجعله عرضة لأن يكون ممارساً للعنف في علاقاته المستقبلية أو ضحية له."
وأضاف الدكتور الطعاني أن "في معظم الحالات، يكون الأب هو مرتكب العنف الأسري، والذي قد يتخذ أشكالاً متعددة مثل العنف الجسدي، العاطفي، الجنسي، أو الإهمال، أو مزيج منها. يُلاحظ أيضاً تنامي ظاهرة تعنيف الآباء لبناتهم المطلقات، حيث يتم لومهن على المشاكل الزوجية والطلاق، رغم وجود دلائل واضحة على مشاكل من الطرف الآخر في حالات كثيرة، هذا الأمر يزيد من احتمالية دخولهن في حالة من الاكتئاب المرضي، مما يؤثر سلباً على قدرتهن على العناية بالأطفال والمنزل."
وأشار الطعاني إلى أن "آثار العنف قد تظهر بشكل جلي من خلال علامات الرضوض، الكسور، الجروح، والزيارات المتكررة لغرف الطوارئ، بالإضافة إلى تغيرات في السلوك وسرعة الاستثارة، وتصرفات وسلوكيات غير ملائمة للفئة العمرية، وتغيرات في النوم والشهية للطعام."
وشدد الدكتور الطعاني على أن "الوقاية خير من قنطار علاج، لذا فإن تثقيف الأطفال والمراهقين من خلال المدارس ووسائل التواصل الاجتماعي لتمييز علامات العنف الأسري بأشكاله والتوجه إلى الجهات المختصة، هي الخطوة الأولى لتخفيف آثار هذا العنف. كما يجب تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأفراد المتعرضين للعنف من خلال زيارة العيادات النفسية، حيث تقدم وزارة الصحة خدمات الصحة النفسية والدعم الاجتماعي مجاناً للمواطنين الأردنيين واللاجئين، وذلك لتقليل تبعات العنف الأسري من خلال العلاج الدوائي وجلسات العلاج المعرفي السلوكي، وفقاً لاحتياجات كل فرد."
إدارة حماية الأسرة: درع الأمان ضد العنف الأسري وأبرز التحديات
أوضح الخبير الشرطي العقيد المتقاعد يزيد العبداللات في حديثه لـ "صوت شبابي"، أن إدارة حماية الأسرة تلعب دوراً حيوياً في مواجهة العنف الأسري، مشيراً إلى أن "الإدارة تتولى مسؤولية استلام ومعالجة البلاغات بشكل فوري، حيث تشمل الإجراءات الأولية التحقيق في البلاغات لضمان سلامة الضحايا، وتقديم الدعم الطبي والنفسي اللازم، ونقلهم إلى مراكز آمنة عند الحاجة."
وأشار العبداللات إلى أن الإدارة تواجه تحديات كبيرة، موضحاً أن "أبرز التحديات تتمثل في مقاومة الضحايا للإبلاغ عن العنف بسبب الخوف من الانتقام أو الوصمة الاجتماعية، إضافةً إلى نقص الموارد وتحديات التنسيق بين الجهات المعنية."
في إطار رفع الوعي المجتمعي، أوضح العبداللات أن الإدارة تسعى إلى "تنظيم حملات توعية وورش عمل تعليمية، وإنتاج مواد إعلامية تسلط الضوء على تأثيرات العنف الأسري وتوفر معلومات حول سبل الحصول على الدعم."
كما قدم العبداللات نصائح للنساء اللواتي يعانين من العنف الأسري، حيث قال: "ينبغي البحث عن دعم فوري من خلال التواصل مع الجهات المختصة، واتخاذ تدابير احترازية لتأمين أنفسهن وأطفالهن، واستشارة مستشارين قانونيين ونفسيين بسرية."
وفي تقييمه للسياسات الحالية، اعتبر العبداللات أنها توفر إطاراً جيداً، لكنه شدد على ضرورة "تعزيز التنسيق بين الجهات الحكومية والمجتمع المدني، وزيادة الموارد المخصصة لبرامج الدعم." كما اقترح تحسين التدريب للمسؤولين والمختصين "لتعزيز فعالية التعامل مع حالات العنف الأسري."
أزمة العنف الأسري في الأردن: أرقام صادمة وتأثيرات عميقة على الصحة العامة
وعودة للتقرير السنوي للفريق الوطني لحماية الأسرة من العنف عام 2023، تم تسجيل 58,064 حالة عنف أسري في الأردن، بزيادة 38% مقارنة بالعام 2022. وتنوعت هذه الحالات بين العنف الجسدي، الجنسي، النفسي، والإهمال. كما أشار التقرير إلى أن إقليم الوسط سجل أعلى نسبة من حالات العنف بنسبة 60%، في حين سجل إقليم الجنوب أدنى نسبة بـ1% رغم أنه يضم 11% من السكان.
تكشف الأرقام أن العنف الأسري في الأردن يتعدى كونه مجرد إحصائيات، بل يمتد ليؤثر على الأفراد بشكل عميق. ووفقاً لدراسة حديثة من المركز الوطني للطب الشرعي، يعاني حوالي 40% من الشباب الذين تعرضوا للعنف الأسري من أعراض القلق والاكتئاب. كما أظهرت إحصاءات وزارة الصحة الأردنية زيادة بنسبة 30% في حالات الإصابات الجسدية بين الشباب نتيجة العنف الأسري. هذه البيانات تسلط الضوء على حجم الظاهرة وتأثيراتها السلبية على الصحة العامة، مما يستدعي استجابة عاجلة ومتكاملة من جميع الأطراف المعنية.
حملات حكومية لوقف نزيف العنف الأسري: جهود الأردن في حماية الأسرة
في إطار عملها لمواجهة العنف الأسري المتزايد أطلقت الحكومة عدة حملات إعلامية لمواجهته بحسب خديجة علاوين، مديرة الاتصال والإعلام في المجلس الوطني لشؤون الأسرة، التي قالت لـ "صوت شبابي" تم افتتاح 10 مراكز للإرشاد الأسري بالتعاون مع عدد من الجمعيات في مختلف المحافظات. تلعب هذه المراكز دوراً مهماً في التوعية، خاصةً فيما يتعلق بالعنف ضد المرأة. كما قام المجلس خلال عامي 2021 و2022 بإعداد دليل استرشادي توعوي لحماية الأسرة من العنف، والذي شمل مجموعة من الرسائل التي استهدفت الواعظين والواعظات والقساوسة ومفتي المملكة، من خلال تنظيم تدريبات متخصصة عليهم. هذا العام، سيستمر التدريب على هذا الدليل ليشمل الإعلاميين وطلبة الجامعات."
التكافل المجتمعي لمواجهة العنف الأسري
أوضحت إنعام عشا، المديرة التنفيذية لمستشارة معهد تضامن النساء، في حديثها لـ"صوت شبابي"، للمجتمع المدني دور مهم بالتوعية بل والعمل على تقليل آثار العنف الأسري والحد منه من الأساس ، مثلا نقوم في المعهد بتقديم خدمات للشابات المعرضات للعنف من خلال مشاريع تُقدّم مجانًا، بما في ذلك التمثيل أمام القضاء. تستند هذه الخدمات إلى جهد ووقت يمتد من سنة إلى سنتين، حيث يقدم المعهد الدعم للنساء اللواتي لا يمتلكن القدرة على سداد أتعاب المحامين في القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية، العمالية، وغيرها. كما يشمل الدعم النفسي المتعلق بالعنف والتدخل الاجتماعي لحل الخلافات عبر الوساطة، إذا أمكن، مع الحفاظ على حقوق كلا الطرفين قبل اللجوء إلى المحاكم، خاصة في حالات الخلافات الزوجية."
كما نوهت عشا إلى أن "نحن نقدم في المعهد برامج وأنشطة تستهدف كافة مناطق المملكة، بما في ذلك البادية، المدينة، المخيمات، ومختلف التجمعات مثل مخيمات اللجوء. هذه المناطق تشكل جزءًا من الفئات المستهدفة وبنية المجتمع، وبالتالي فإنها تحظى باهتمام خاص من قبل المعهد." وأضافت أن "التحديات التي واجهناها تشمل التحديات الثقافية والاجتماعية."
واختتمت عشا بقولها: "خطط المعهد وبرامجه تهدف دائمًا إلى دعم المرأة في الجوانب الحقوقية، الاجتماعية، النفسية، وكل الجوانب المتاحة. في المستقبل، تركز خططنا على تحسين البيئة التشريعية، حيث نولي اهتماماً خاصاً لهذا الجانب كحقوقيات للحد من العنف قدر الإمكان، وذلك من خلال تطوير التشريعات وبرامج إعادة تأهيل الضحايا والناجيات."