الحياة الكشفية.. بيئة ملتزمة لتجربة ملهمة

الرابط المختصر

لطالما كانت التجربة الكشفية جانبًا مهمًا في صناعة الشخصيات القيادية، وتعزيز روح المسؤولية والتعاون لدى الكشاف، وهذا ما عايشته الكثير من العائلات الأردنية من خلال تجارب أبنائها الكشفية في المدارس، الأمر الذي يمتد أثره ويتأصل في المجموعات الكشفية المتخصصة والتي تسطر برامج كاملة ممنهجة للعمل على بناء الأفراد ورفدهم بالخبرات المهاراتية للتأثير في المجتمع.

ملاك الغزاوي (18 عامًا) من عشيرة الجوالة في مجموعة شقائق الخنساء الإرشادية ذكرت لـ"صوت شبابي" أنها عضو بالكشافة منذ عام 2012 وكان ذلك قرارًا من والدتها التي ارتأت أن هذه التجربة ستجعل من ملاك شخصًا اجتماعيًا بدرجة كبيرة وله علاقات وصداقات عديدة، كما سيساهم المجتمع الكشفي في تنمية شخصيتها، مؤكدةً أنها لا تندم مطلقًا على هذه التجربة على العكس فهي ما جعلت منها شخصًا منفتحًا لديه صداقات واسعة.

وتضيف الغزاوي أنها خلال سنواتها الكشفية شعرت بتطور شخصيتها وباختلاف نظرتها للمواقف الحياتية، فأصبحت تتعامل دومًا مع مختلف المواقف بشقها الإيجابي وتغليبه على بقية الجوانب وهذا يجعلها أقدر على التعامل وأحرص في ردات فعلها تجاه الأحداث، "وهو أمر جميلٌ جدًا غرسته داخلي التجربة الكشفية" على حد قولها.

وعن تشجيعها لمن حولها توضح الغزاوي، أن آثار التجربة لم تقتصر عليها فمن خلال الأنشطة والفعاليات وحديثها عن حجم الاستفادة من انخراطها في الكشافة، دعت صديقاتها وابنة خالها للالتحاق بصفوف الكشافة "وكانوا يشكروني على تعريفهم بالكشافة وأنشطتها والإضافة التي تقدمها للشخص في حياته" 

وتقول أن هذه التجربة تجمع بين التعلم والاستفادة والترفيه فتصنع من الكشاف شخصًا منضبطًا في وقته، مساعدًا للآخرين، يمتلك صفاتٍ قيادية، وينعكس ذلك بوضوح على حياته بالمجتمع، كما تُعلمه كيف يكون صادقًا مخلصًا نافعًا ودودًا، وهذا ما يُمليه القانون الكشفي.

 

*آثار الكشافة على الأفراد خارج المجتمع الكشفي*

يضمُّ المجتمع الكشفي في أحضانه مختلف الأعمار في مجموعات متنوعة فما بين مجلس البراعم الذي يضم الصفوف الابتدائية الأول والثاني، والفراشات للصفوف الثالث والرابع والخامس والمرشدات السادس والسابع والثامن والمتقدم للصفوف التاسع والعاشر والأول ثانوي وعشيرة الجوالة والتي تضم مرحلة التوجيهي وما بعدها تنقسم فتيات مجموعة شقائق الخنساء فتجدهن خلال يوم الدوام خلية نحل تعمل في انسجام وتآلف كبيرين، لتطبيق مختلف الأنشطة للجوانب التعليمية والترفيهية.

 

ندى قشير (10 سنوات) عضو من مجلس الفراشات، تذكر لـ "صوت شبابي" أنها التحقت منذ عامين بالكشافة وكانت تجربتها في البداية مختلفة وجديدة إلا أنها سرعان ما تأقلمت الأمر الذي أشعرها أنها داخل عائلتها، تقول "العلاقة بين الأفراد والقادة مترابطة جدًا ما جعل الكشافة جزءًا مهمًا من حياتي، أخي الأكبر كان فردًا من العائلة الكشفية ولما شفت الأنشطة الي بقوموا فيها والأمور الي بتعلموها شجعني إني أكون أنا أيضًا فرد من أفرادها" 

 

وتضيف أن المخيمات الكشفية تقوي من شخصية الكشاف، فما يواجهه من مواقف تعلمه الحياة الكشفية كيف يتداركها ويجد حلولًا سريعة وهذا "من أفضل الأمور الي علمتني ياها الكشافة"، موضحةً أن الأنشطة لا تقتصر على كونها ترفيهية، بل ثقافية ودينية وتعليمة "ودومًا نتعلم أشياء جديدة" 

 

وتقول قشير "علمتنا الكشافة أن نكون شجاعين وواثقين بأنفسنا، ومتعاونين مع بعضنا البعض، كما تنمي لدى الكشاف روح المغامرة لتجريب أنشطة جديدة، وعززت لدينا قدرة التحمل والتعامل مع الظروف على اختلافها"

 

*الكشافة.. حياةٌ تُعاش وتجربة فريدة*

 

قائد مجلس الفراشات في مجموعة شقائق الخنساء الإرشادية، رهف أبو روزا وضّحت لـ" صوت شبابي" أنها التحقت بالمجموعة منذ 2018 في فترة دراستها الجامعية، وبدأت مرحلة التأهل والدراسات لتصبح قائدًا في المجموعة وهذا ما لمست آثاره جليًّا على شخصيتها، من سعة الصدر للتعامل مع مختلف الشخصيات والأفراد، وكيفية التعامل مع المواقف الصعبة والأمور السلبية.

وذكرت أبو روزا أن الفئة التي تشرف عليها والتي تتمثل في الصفوف الابتدائية الثالث والرابع والخامس هي فئة حساسة تحتاج لمعاملة خاصة كما "نحتاج للتواصل المستمر مع الأهالي باختلاف شخصياتهم ما يربي لدى القائد الصبر وطول النفس لإدارة المواقف"

وبيَّنت أن التجربة الكشفية انعكست آثارها على حياتها الشخصية، ففي العمل "استطعت تجاوز العديد من التحديات وتنظيم المهام وإدارة الوقت وهذا ما ترسخه الكشافة لدى كل من ينخرط فيها" مضيفةً أن الكشافة حياةٌ تُعاش فكلما عشت أكثر الحياة الكشفية كلما وجدت آثارها واضحةً على الحياة الشخصية في جميع جوانبها

لا تقتصر تجربة الكشافة على جانب ترفيهي فحسب يقضي فيه الأعضاء أوقاتهم في مخيمات صيفية أو بقية أيام العام، فهذه التجربة الثرية تضم تقسيمات متنوعة لجوانب عديدة تتوزع خلال اليوم الكشفي إلى نصاب تعليمي وديني واجتماعي وثقافي وصحي وترفيهي وكشفي في ثوب واحد، وهذا ما يميز برامج الكشافة والتي تعتمد على التنوع بعكس بعض المراكز والمخيمات التي تعتمد التخصصية فيخرج الفرد منها بمهارة واحدة.

وحول تجربة المخيم الصيفي الكشفي تذكر أبو روزا أن هذه التجربة تجعل الأفراد يعيشون بعيدًا عن العالم الرقمي والأجهزة الذكية وهي إحدى الأمور الأساسية التي يسعى المخيم لغرسها لتوعية الأفراد بكيفية استثمار الوقت، كما تعزز لديهم اكتشاف أنفسهم وطاقاتهم والتعرف على أصدقائهم وروح التفاعل مع الأنشطة وبذل الوقت فيما يفيد ويروِّحُ عن النفس.

مساعد قائد مجموعة شقائق الخنساء الإرشادية، القائد فتحية أبو غزالة بيَّنت لـ"صوت شبابي" أنها عضو في الكشافة منذ عام 2008 وتطورت من خلال الدراسات الإرشادية بين عامي 2022 و2023 حيث حصلت على دراسة مساعد قائد تدريب دولي لتأهيل القادة العاملين في الحركة الإرشادية، موضحةً أن كل تجربة أضافت لها الكثير، "وكل يوم في حياة الكشافة تتعلم فيه شيئًا مختلفًا يضاف لرصيد معارفك رغم الخبرة الطويلة"

وتذكر أن الهدف الأساسي لمؤسسي مجموعة شقائق الخنساء الإرشادية كان رفد الفتيات في المجتمع بمهارات وخبرات نوعية في مكان واحد كالرماية وتعلم اللغة التركية وغيرها من المهارات التي يصعب اجتماعها في بيئة حاضنة بتأطير وبرامج ممنهجة.

 

*تحديات كسرتها الجهود الكشفية*

 

تأسيس مجتمع كشفي خاص "بالفتيات" لم يكن أمرًا مألوفًا في مجتمعنا وهو ما احتاج جهدًا كبيرًا من قبل قادة مجموعة شقائق الخنساء وتخطيطًا طويلًا قبل إطلاق المجموعة، تقول أبو غزالة "أن مهمة تأسيس المجموعة في 2012 لم تكن بالأمر الهين وبدأت بانضمام أربعة أفراد من مختلف الأعمار رغم الجهد والتخطيط الكبيرين وهذا جعلنا أمام تحدٍ كبير في الاستمرار ما جعلنا نستشير القادة الأعلى وكانوا يوجهوننا دومًا بالاستمرار وعدم اليأس، وإخلاص النية لله والتوكل عليه وكان ذلك بداية انطلاقتنا"، مضيفةً أن التحدي الأكبر كان بعدم وثوق المجتمع بوجود كشافة خاصة بالفتيات في ذلك الوقت، ورغم ذلك "قمنا بتحويل البرنامج إلى مبادرات خدماتية لتوسيع نطاق نشر اسم المجموعة ولاقى ذلك قبولًا مجتمعيًا". 

وتتابع حديثها أن من بين الأنشطة التي ساعدت على توسع المجموعة هي تحفيز الأعضاء على دعوة الأصدقاء والأقارب للانضمام للكشافة ومكافأتهم بحوافز على ذلك، ما يجعل الأعضاء يتحملون المسؤولية ونشر فكرة هذا المجتمع الذي يحفز المواهب ويكسبني مواهب جديدة غير موجودة في المدرسة أو المراكز الأخرى. 

 

*دور الكشافة في صقل الشخصيات وبناء المهارات*

علا النوش والدة إحدى عضوات مجموعة شقائق الخنساء الكشفية ذكرت لـ"صوت شبابي" أنها سمعت كثيرًا عن الكشافة والبرامج التي ينفذونها، "فشعرت أنها المكان الأمثل لصقل شخصية الطفل وتنمية مواهبه، ففي عصر الأجهزة الإلكترونية يحتاج الفرد أن يشغل أبناءه بما يفيد وينفع، فكانت هذه الخطوة فارقةً، فأنا أضع بناتي في مكان آمن ويستفدن منه ليس فقط من أجل الترفيه وتضييع الوقت" 

وأوضحت أن المجتمع الكشفي كان البيئة الملتزمة التي تبحث عنها، فجمعت ما بين الجانب الديني والترفيهي والقيمي في مكان واحد ما جعلها "بيتهم الثاني".

وحول الأثر الذي تركته التجربة الكشفية في فتياتها تبيِّنُ أنها جعلتهن يميزن المهارات التي يتقنَّها ويحددن ميولاتهن وهواياتهن، والكشافة هي البيئة التي صقلت لديهن هذه الموهبة وعززت تطبيقها على أرض الواقع، كما تنمي قوة الشخصية، وكيفية التصرف في المواقف الحياتية، كما جعلت لهن صحبة صالحة وقائدات ملهمات في حسن التعامل وإيصال الأفكار وتأصيل القيم.

وفي سياق متصل تقول أبو غزالة "كان قائدنا المربي منذر الزميلي -رحمه الله- يقول الكشافة حياة، فحركة الكشافة حياة كاملة تعلم الفرد الانضباط والنظام وابتكار حلول من أمور بسيطة كما تعلمك التأقلم مع الظروف الصعبة والنجاح، وسرعة اتخاذ القرارات للتعامل مع المواقف وكلها تنعكس على الحياة الشخصية للأفراد".

وتضيف أن برامج الكشافة تتناسب مع كل مجلس حسب احتياجاته النمائية والمهاراتية للفئة العمرية الموجودة داخل المجالس، كما تعلم هذه البرامج الأفراد التفكير خارج الصندوق ضمن المبادئ الكشفية للمجموعة وهي الواجب نحو الله والواجب نحو الذات والواجب نحو الآخرين والوطن والبيئة، ويتخلل هذه البرامج مجالٌ كشفي يضم الصيحات والتصفيقات ونظام الحوافز والعقوبات ونظام الشارات والتي تمنح للفرد بعد إتقانه مهارة معينة وإنجازه المهام والواجبات المنوطة بها خلال الأسبوع.

وتتابع أن البرنامج يتضمن جانبًا تربويًا روحيّا مستنبطًا من وحي القرآن والسنة النبوية، للتأكيد على هذه الصفات داخل الأفراد والالتزام بها ما يظهر الفرد ككشاف مسلم منضبط، إضافةً للجانب الفكري والاجتماعي والبيئي. 

 

*الكشافة حصن لقضايا الأمة*

 

الحياة الكشفية لا تعد في جوهرها مجرد تجربة داخل أسوار المجموعة الكشفية ينزع الفرد رداءها بمجرد خروجه، بل ثوب يتناسب مع جميع المواقف الحياتية والقضايا المعاشة في المجتمع، فقد بادرت جمعية الكشافة والمرشدات الأردنية وخاصة القطاع الكشفي والإرشادي الأهلي بإنتاج إصدار إنشادي خاص لنشيد موطني بالتعاون مع جميع المجموعات الإرشادية، "وكان لنا السبق في هذه الفعالية بمشاركة 70 فرد فصورنا فيديو كليب عن الأحداث الحالية في قطاع غزة، ويأتي ذلك تعزيزًا للانتماء وإشعار الأفراد أنهم جزءٌ من هذه الأمة، وأقل القليل أن نشعر ولو بأبسط الأفعال أننا نعمل لهذه الأمة" حسب أبو غزالة.

وتتابع أن جمعية الكشافة والمرشدات الأردنية قامت بإطلاق حملة "معكم" بالتنسيق مع الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية بتقديم الدعم باحتياجات الأهل في قطاع غزة، فتقديم الدعم للآخرين جزءٌ "مهم ومتأصل في عملنا ككشافة". 

ولفتت أبو غزالة أن الجهود الجماعية من القادة في المجموعة هي من أهم أسباب نجاحها واستمرارها، "فالجميع يضع نصب عينيه أن تكون فتيات الكشافة على قدر من المسؤولية أمام التحديات التي قد تصيبهن في هذا المجتمع، وأن يكنَّ خير ممثلات للفتاة المسلمة الإرشادية".