قانون "العفو العام" .. بين الشك واليقين والحسابات الامنية

قانون "العفو العام" .. بين الشك واليقين والحسابات الامنية

تتحدث أم اسماعيل السبعينية، والأمل يملؤ قلبها، رغم تجاعيد اليأس التي خطّت على صفحة وجهها، مطالبة بالعفو عن ابنها، والذي أودع السجن، نتيجة عدم قدرته على توفير سوى ألفي دينار من أصل ثلاثة آلاف للمستشفى الخاص الذي تلقت العلاج فيه، بعد أن أنفق كل ما لديه من مدخرات وأموال.

 

وفي نهاية المطاف، وقف عاجزا أمام مدير المستشفى، مضطرا لتحرير "شيكات" للمستشفى بمبلغ ألف دينار، حتى صدر بحقه حكم بالسجن لمدة عام، لعدم قدرته على الوفاء بالدفع، نظرا أن مبلغ الألفي دينار كان دينا من قبل الأصدقاء لمواجهة الطارئ الإنساني.

 

وتقول ام اسماعيل، لـ“عمان نت"، إن ابنها عرض على إدارة المستشفى المالية أن يقسط المبلغ، إلا أنها رفضت ذلك.

 

وتحاكي قصة أم اسماعيل روايات العديدين، المطالبين بالعفو الذي بالتأكيد، كما يقول أحمد جمال، أحد المتضررين سابقا من قضية "شيكات"، لا يشمل المجرمين والقتلة، ومهربي المخدرات، وأصحاب السوابق، إنما يشمل شرائح واسعة من المواطنين  تدخل الفرحة إلى آلاف العائلات.

 

وبين الحقيقة والشك، لا يزال المواطنون يتناقلون هذه الأيام، الإجراءات التي كان يتناولها الإعلام مطولا مؤخرا، حول وضع الحكومة اللمسات الأخيرة لإصدار قانون للعفو العام.

 

وربما يعزز التفاؤل لدى شريحة كبيرة من المواطنين، بإصدار القانون خلال الفترة القريبة المقبلة، ما قاله الملك عبد الله الثاني العام الماضي خلال لقائه وجوه مدينة معان، والإشارة إلى مطالبهم فيما يتعلق بـ"العفو" عن بعض الموقوفين من أبناء المدينة، قائلا "إن ذلك كله تحت الدراسة والنظر في ظروف هؤلاء الشباب، وغيرهم من الموقوفين والمحكومين من كل المحافظات، وإن شاء الله خير".

 

ولأن الحكومة تضع باعتبارها، أن من أسمى أهداف قانون العفو العام في الأساس، تخفيف الوطأة عن مجموعة كبيرة من المواطنين، إنما دون مساس الحقوق الشخصية، فإنها تبرر موقفها على أساس ذلك، بعدم التسرع بإصدار القانون، لا يحقق هذه النتائج فإنه يفقد كثيراً من مبررات إصداره، وذلك لعدم تحقيقه الارتياح العام لدى المواطنين، بل قد يتحول إلى مثار جدل حول من شملهم ومن استثناهم، وفي هذه الحالة يفقد المبرر وتنتفي الغاية، بحسب المحامي رومان حداد.

 

الناشط الحقوقي فوزي السمهوري، يرى عدم جوازية إصدار قانون للعفو دون أن يكون مستندا لمبررات ومسوغات حقيقية، ولعل السؤال الذي سيطرح كثيرا في حال الحديث عنه، هل يجوز إصداره بحق من ارتكب جرائم جنائية؟، بالتأكيد، يقول السمهوري، لا يعقل إصدار قانون بالعفو عن مثل من ارتكب جرائم جنائية تستحق العقوبة.

 

ولعل أكثر الإشكاليات التي من الممكن أن تثار في حال الحديث عن إصدار قانون للعفو العام، أن القرار قد يصاحبه الخوف من تضييع الحقوق لأشخاص في قضايا من مثل القضايا المرتبطة بالحق الشخصي، وفقا لرئيس منظمة حقوق الإنسان عبد الكريم الشريدة.

 

ويدعو الشريدة، في حديثه لـ"عمان نت"، في هذا الاطار، إلى تشكيل لجنة من البداية لدراسة كافة الإشكاليات التي تلحق في حال إصدار قانون للعفو العام، حتى تتحقق الاستفادة التي من اجلها سيشرع، وهي تحقيق العدالة بين الجميع.

 

فيما لا يرى نقيب المحامين الأسبق صالح العرموطي أي أسباب حقيقية تمنع من إصدار قانون للعفو العام، ذلك أن هذا ما هو الا استحقاق دستوري نص عليه الدستور الاردني في النهاية.

 

ويوضح العرموطي لـ"عمان نت" ان العفو العام لا يضر بالحق الشخصي، في رده على الذين يقولون بان قانون العفو العام من الممكن ان يلحق الضر بالحق الشخصي المدني، بل ذلك يبقى قائما- اي الحق الشخصي- وتبقى المطالبة قائمة.

 

رئيس منظمة حقوق الإنسان عبد الكريم الشريدة يرى سببا اخر في عدم اصدار قانون للعفو العام حتى اللحظة من جانب الحكومة، ويتمثل في الدخل المتاتي من كثير من المخالفات والقضايا التي تلحق بالمواطنين، وليس ادل على ذلك من مخالفات السير "الكاميرات"،  التي تجني الدولة بسببها من المواطنين ما مقداره 40 مليون دينار فقط عن عام 2015، وبالعفو العام، كما يرى الشريدة، فان الدولة ستفوت على نفسها هذه المبالغ من جيب المواطنين.

 

ويقدر عدد الاردنيين الذين صدر بحقهم مطالبات مالية لدى التنفيذ القضائي نحو 200 الف مواطن، حيث يدخل العشرات يوميا عداد المطلوبين على قضايا مشابهة، وفق المحامي الشريدة.

 

من ناحيته، يرى الناشط الحقوقي فوزي السمهوري ان الحكومة ليست مطالبة فقط باصدار قانون للعفو العام عن هؤلاء الذين تورطوا بقضايا مالية، بل يجب على الجهات المسؤولة ان تعمد الى تعديل التشريعات لوقف مثل هذه العقوبات.

 

ويوضح الدكتور السمهوري، وهو ايضا مدير مركز جذور لدراسات حقوق الانسان، هذا المطلب الملح، بالقول ان المحكومين على خلفيات مالية، سواء "شيكات" او "كومبيالات" بناء على القانون المدني او وفقا لقانون الاوراق المالية، لا يستفيد احد من ايقافهم سوى الحكومة، والمواطن دافع الضرائب، هو الخاسر الاكبر من اعتقالهم وايداعهم السجون، لانه في النهاية ستدفع ضريبة مصاريفهم من جيب المواطن، ان كان المحكومين لايام او اشهر او سنوات، مقدرا نسبة الموقوفين على خلفية مثل هذه القضايا نحو 75% من المواطنين.

 

المحامي عبد الكريم الشريدة، يؤكد ان القضايا المالية في القانون الاردني والدولي والانساني، بالاضافة للاعلان العالمي لحقوق الانسان، يحرم حبس المدين بسبب الاعسار المالي، الا ان الحكومة الاردنية حتى اللحظة لم تصوب أوضاعها حسب الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها.

غير أن نقيب المحامين السابق صالح العرموطي، يرجع السبب في تأخر إصدار مثل هذا القانون، إلى تقاعس مجلس النواب، صاحب الصلاحية في ذلك، وللأسف، يقول العرموطي، المجلس لا يمارس صلاحياته، علما أنه يكفي تقدم عشرة نواب أو أعيان، لطرح قانون للعفو، ومن ثم رفعه للحكومة، وبعد المصادقة عليه وتوشيحه بالإرادة الملكية.

 

وتبدو الحاجة ملحة جدا لإصدار مثل هذا القانون، نظرا للظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة والدولة الأردنية، لوجود المئات من المواطنين الذي عبروا عن آرائهم السياسية التي تؤيد بشكل أو بآخر أفكار بعض المنظمات السلفية، وأودعوا السجون، أم أولئك الذين ذهبوا للقتال إلى سورية أو العراق، ومن ثم فضلوا العودة إلى الوطن، والدولة تمنعهم الآن من دخول أرضي المملكة، فالأولى ان تفتح الدولة ذراعيها لابنائها وتحتضنهم من جديد، من خلال إصدار قانون للعفو ، وفق المحامي صالح العرموطي.

 

ويعتقد العرموطي أنه بغير ذلك، اي باصدار عفو عن هؤلاء، سواء الذين يقبعون داخل السجون او الذين هم الان خارج الوطن، فمن المؤكد ان يشكلوا خطرا اكبر بكثير على الدولة الاردنية، الا ان الدولة لا تزال تلجا للحل الامني معهم، وهذا يدلل على وجود سياسات "غير راشدة".

 

وفي هذا السياق، يرى الدكتور السمهوري أن المحكومين على خلفية قضايا سياسية، من مثل التعبير عن الآراء السياسية، أو التجمع والتعبير عن الراي، من الأصل ابتداء لا يعرضوا على محاكمة، ولا تنزل بهم أي عقوبة، وحيث أن بعضهم حوكم، فمن الأولى أن يصدر قانون للعفو العام يشملهم، سواء الذين قضوا أشهرا أو حتى سنوات، وذلك حتى لا تضيع حقوقهم السياسية والمدنية المكفولة.

أضف تعليقك