العلاج الطبيعي لذوي الإعاقة: خطوة مهمة نحو الاندماج في المجتمع
علمت والدة أحمد، وهو من الأشخاص ذوي الإعاقة، بأهمية العلاج الطبيعي لحالته مؤخرا، على الرغم من تشخيصه منذ طفولته بمرض التلين العظمي الذي يحتاج علاجا طبيعيا، ليساعده على العودة إلى حياته الطبيعية وأنشطته اليومية عندما يكبر.
وتقول والدة أحمد، البالغ من العمر 12 عاما، أنه منذ اكتشاف الحالة الصحية لطفلها، لم تدرك أن العلاج الطبيعي يمكن أن يحسن من صحته وحركته، لاعتقادها انه مجرد نشاط ترفيهي، فهي تعتمد على العلاجات الطبية والأجهزة المختصة لتسهيل حركته، وهذا ما زاد وضعه سوءا .
على عكس ذلك، بدأت والدة الطفل خليل، المصاب بالشلل الدماغي بسبب نقص الأوكسجين، عند ولادته بالعلاج الطبيعي منذ اكتشاف إصابته وهو بعمر 6 أشهر.
وتمكن خليل بفضل العلاج الطبيعي من التحسن تدريجيا حتى أصبح قادرا على التنقل مشيا على الأقدام دون مساعدة الأجهزة الطبية وهو في التاسعة من عمره.
من ضمن الأعراض التي لاحظتها والدة خليل كانت عدم قدرته على الجلوس او التحرك بشكل طبيعي، كما الاطفال غير المصابين، مما دفعها لبدء رحلة التشخيص والعلاج الطبيعي المناسب.
أهمية العلاج الطبيعي
رغم من أن العلاج الطبيعي، لا يقدم الشفاء الكامل للأفراد ذوي الاعاقة، إلا أنه يحسن بدرجة كبيرة من قدراتهم الحركية والقوة العضلية والتوازن، ويهدف إلى تحسين الحركة، والقوة العضلية وتخفيف الآلام، مما يمكنهم من الاندماج في المجتمع، ويعزز استقلاليتهم.
يوضح أخصائي العلاج الطبيعي عارف اللوزي أن العلاج الطبيعي هو علاج فيزيائي، يهدف إلى تحفيز الحركة والوظائف الجسدية للأفراد، مما يساعدهم على تخفيف الألم وتعزيز التعافي من الإصابات والوقاية من المشاكل الحركية المختلفة.
ويشير اللوزي إلى أن العلاج الطبيعي يجب أن يبدأ بعد التشخيص، يمكن أن يبدأ منذ لحظة الولادة في الحالات المبكرة إذا تم التشخيص بشكل مبكر، يتضمن العلاج الطبيعي عدة اختصاصات، و يساعد الأطفال على العودة إلى حياتهم الطبيعية وأنشطتهم اليومية عندما يكبرون.
ويضيف أن مراحل العلاج للأشخاص ذوي الإعاقة تعتمد على كل حالة على حدة وفقا للخطة العلاجية المتبعة ونوع الإصابة، ويتفاوت عدد الجلسات حسب الحالة الصحية للفرد.
في حال لم يتلقى الأشخاص ذوي الاعاقة للعلاج الطبيعي يمكن أن تكون هناك أضرارا كبيرة، مثل تدهور حالتهم الصحية، وضعف العضلات، وظهور مضاعفات أخرى كزيادة الألم، أو تصلب المفاصل، أو فقدان التوازن. لذا، فإن الاستمرار في العلاج الطبيعي يمكن أن يكون علاجا مدى الحياة ويحسن بشكل كبير من حالتهم الصحية، وفقا للوزي.
تكاليف مرهقة
الثلاثينية هبة، ذات الإعاقة الحركية منذ ولادتها، لاحظت والدتها وجود تقوس بسيط في قدميها ، مما دفعها لمراجعة الطبيب، وبعد إجراء الفحوصات، تبين أن هبة مصابة بالكساح وتحتاج إلى تعويض نقص فيتامينات معينة لتخفيف تلين العظام، بالإضافة إلى العلاج الطبيعي.
وبدأت هبة رحلة علاجها بعملية لتحسين حركة قدميها، ومن ثم تقرر البدء بالعلاج الطبيعي، ومع ذلك، لم تستفد هبة من هذه التجربة في أحد المراكز الصحية الحكومية في العاصمة عمان، بسبب نقص الكادر الطبي المتخصص وغياب المتابعة الطبية الكاملة نظرا لعدد المراجعين الكبير.
عندما لجأت هبة إلى المراكز الخاصة، فوجئت بالأسعار المرتفعة للعلاج، التي تتراوح بين 150 و350 دينارا شهريا، وهو ما يفوق قدرتها المالية ويمنعها من الاستمرار في علاجها.
بعض أهالي الأشخاص ذوي الإعاقة يقومون بعلاج أبنائهم في المنزل لتوفير التكاليف المالية، معتقدين أن ذلك يغني عن العلاج الطبيعي الذي يقدمه المتخصصون.
ويوضح اللوزي أن العلاج المنزلي يمكن أن يبدأ منذ اليوم الأول، حيث يتعلم الأهل التمارين المناسبة التي يمكنهم القيام بها في المنزل للتقليل من التكاليف، ومع ذلك، لا يمكن الاستغناء عن المعالج الطبيعي في بعض الحالات المعينة.
يحتاج الشخص إلى ثلاث جلسات على الأقل، تتراوح تكلفة كل جلسة بين 25 إلى 30 دينارا، وهو ما قد لا تتمكن بعض العائلات من تحمله بسبب ظروفهم الاقتصادية.
من جانبه، يشير نقيب أصحاب مراكز العلاج الطبيعي، إسلام قداح، إلى أن وزارة الصحة تحدد أسعار الجلسات بحيث تتراوح بين 15 و25 دينارا، مع لائحة أسعار محددة لأجهزة معينة قد تصل إلى 30 دينارا، ومدة الجلسة لا تتجاوز 45 دقيقة.
يؤكد قداح أن النقابة لم تستقبل أي شكاوى بخصوص تجاوز الأسعار المحددة من قبل الوزارة، ولكن إذا احتاج المريض إلى جلسة علاجية مدتها ساعة، من طبيعي السعر قد يرتفع، كما أن هناك جلسات استثنائية تتضمن اسعارا خاصة لأجهزة معينة قد تستخدم في العلاج، موضحا أن الأسعار وضعت لضبط المهنة ومنع التلاعب من قبل المتجاوزين الذين يعملون بدون تراخيص ويستغلون المرضى للحصول على مبالغ منخفضة جدا.
أما بالنسبة لعدد الكوادر العلاجية في مجال العلاج الطبيعي، فيوضح أن هناك مشكلة بطالة في هذا المجال نتيجة قلة الأجور، ووقف وزارة الصحة لعمليات الترخيص، وهذا الامر يؤدي إلى نقص في عدد المتخصصين في العلاج الطبيعي.
ويأتي دور النقابة تنظيمي لعمل المراكز في القطاع الخاص والتي يصل عددها الى أكثر من 190 مركزا خاصا مرخصا تقدم العلاج الطبيعي لمختلف الأعمار والأمراض المختلفة، والدفاع عن حقوق العاملين فيها، كما قامت النقابة خلال العامين الماضيين، بإصدار نظام مزاولة المهنة، وتسعى إلى توفير فرص عمل ومصادر استثمارية للمراكز، من خلال إدراج مهنة العلاج الطبيعي ضمن السياحة العلاجية.
تهيئة المراكز الشاملة تسير ببطء
خلال السنوات الأخيرة تم تطوير استراتيجية وطنية للتأهيل من قبل وزارة الصحة تمتد من عام 2020 إلى 2024، تهدف هذه الاستراتيجية إلى توسيع نطاق خدمات التأهيل والرعاية الصحية الأولية في المراكز الصحية الشاملة، بهدف تخفيف الأعباء عن المرضى من خلال توفير خدمات قريبة من أماكن سكنهم لتقليل معاناة التنقل.
ويشير رئيس جمعية أطباء الطب الطبيعي وأمراض المفاصل والتأهيل، الدكتور علي الرجوب، الى أن عدد المراكز الصحية الشاملة في مختلف أنحاء المملكة تصل إلى نحو 120 مركزا، ورغم ابداء الوزارة تعاونها مع إبرام الاتفاق لتقديم الخدمات التأهيلية والعلاجية للأشخاص ذوي الإعاقة، إلا أن عملية التنفيذ على الواقع تسير ببطء بالرغم من تخصيص ميزانية لعملية تهيئة هذه المراكز.
ويرجع الرجوب ذلك بسبب العديد من التحديات، مثل عدم تأهيل بعض المراكز لتضمين وحدة التأهيل، أو عدم توفر المكان المناسب للتوسعة، موضحا أن الوزارة تعمل على تنفيذ هذه الوحدات ضمن إمكانياتها المتاحة، ومع ذلك فان خدمات التأهيل تظل ناقصة في بعض المحافظات، حيث تتوفر فقط في العاصمة عمان، مما يعوق الحصول على العلاج الطبيعي للأشخاص ذوي الإعاقة في هذه المناطق.
وفيما يتعلق بأسعار المراكز التأهيلية الخاصة، يفيد الرجوب أن دور وزارة الصحة يتمثل في إدارة التراخيص ومراقبة الجودة واستقبال الشكاوى من المرضى عن أي استغلال قد يتعرضون له والتعامل معها بفعالية.
دور الحكومة
افتتح أول قسم لتقديم الخدمات التأهيلية والعلاجية للأشخاص ذوي الإعاقة في مركز صحي القويسمة الشامل، من قبل المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، بالتعاون مع وزارة الصحة لتقديم الخدمات التأهيلية والعلاجية للأشخاص ذوي الإعاقة .
كما بدأ مركز صحي صخرة الشامل في تقديم خدمات العلاج الطبيعي والوظيفي، وتعمل الوزارة حاليا على إنشاء هذا القسم في عدة محافظات مثل البلقاء والكرك والطفيلة، بهدف الوصول إلى 14 مركزا لتحقيق اهداف الاستراتيجية.
جاء إنشاء مركز صحي القويسمة كخطوة اولى، بعد أن قامت حملة "أبني" بالضغط على وزارة الصحة من خلال توقيع عريضة من أكثر من 12 ألف شخص من ذوي الإعاقة وأهالي أشخاص من ذوي الإعاقة ونشطاء حقوقيين للمطالبة بتفعيل قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 20 لعام 2017 في مادته 24 التي تضمن وصول الأشخاص ذوي الإعاقة إلى جميع الخدمات الطبية والعلاجية والتأهيلية مجانا.
في عام 2021، تمكنت حملة "ابني" من توقيع اتفاقية مشتركة مع وزارة الصحة، تنص على البدء في تنفيذ مطلبها من خلال أول مركز صحي شامل في منطقة القويسمة و12 مركزا صحيا إضافيا في عام 2022، بواقع مركز في كل محافظة.
تطالب الحملة بتخصيص ميزانية من الموازنة العامة لتوظيف أخصائيين من مختلف التخصصات، العلاج السلوكي، السمع والنطق والبلع، العلاج الوظيفي، العلاج الطبيعي، العلاج النفسي، وتخصيص غرف مجهزة في جميع المراكز الصحية الشاملة.
كما تطالب بضمان وصول الأشخاص ذوي الإعاقة إلى الخدمات العلاجية والتأهيلية والأدوات والمساعدات المساعدة ، مثل العكازات، الجبائر، العصي البيضاء، النظارات الطبية، الكراسي المتحركة، السماعات، الأطراف الصناعية، الووكر، وغيرها، بشكل مجاني عبر وزارة الصحة، بما يتناسب مع معايير المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
هذا التقرير نفذ بالشراكة مع المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.