فجوة في الأجور وجندرية: استغلال مهني وجنسي

فجوة في الأجور وجندرية: استغلال مهني وجنسي

لم يشفع للمعلمة ندى تفوقها بالجامعة  مع مرتبة الشرف، بأن تحصل على حقها بالتساوي في الأجر الذي تتقاضاه بالمقارنة مع زملائها الرجال، رغم تقدمها للعديد من الوظائف في المدارس الخاصة، إلا أنها لازالت تعاني من  عدم الإنصاف في الأجر رغم تساوي قيمة الجهد والعمل .

 

 

ندى من سكان العاصمة عمان، درست تخصص معلم صف من كلية الآداب في الجامعة الاردنية، و تعمل مدرّسة في سلك التعليم الخاص ، تجهد مع ذويها  بسبب ظروفهم المعيشية الصعبة، لتأمين مصاريف الحياة اليومية من إيجار المنزل، ومساعدة عائلتها في تسديد الفواتير المختلفة، وغيرها من المصاريف التي ترهق عائلتها.

 

 

تقول ندى لعمان نت : " منذ إن تخرجت بتقدير امتياز، وقررت الدخول في سوق العمل، تقدمت إلى العديد من المدارس الخاصة ، ورغم تقديري لم أجد الراتب الذي استحقه في أي وظيفة هناك ذكور أقل منى في التقدير، والانجازات حصلوا على رواتب اعلى وقد تصل الى ضعف ما اتقاضاه في الوقت الحالي " .

 

 

بدأت في مهنة التدريس براتب  220 دينار، وهو الحد الادنى للاجور، كانت المدرسة التي تعمل بها بجانب منزلها مما دفعها للقبول، تقول "ورحبت بي مديرة المدرسة آنذاك، واشادت بالجامعة التي تخرجت ووعدتني بأن احصل على علاوات في الشهور القادمة ، وطلبت مني مباشرة العمل على الفور وتفاجئت عند تجديد عقدي، بعد ان اتممت عام  قبل أيام  بأن الزيادة التي تم منحها للمدرسات الإناث %5 بينما وقع المعلمين الذكور على زيادة وصلت الى %10 علما بأن الحد الادنى لرواتب المعلمين الذكور في المدرسة التي اعمل بها يبدأ من 400 وينتهي ب 1000 " .

 

 

"وتم الرد على اعتراضي، انا وبعض من زميلاتي فيما بعد هي اننا اناث مصاريفنا متدنية ولا يوجد لدينا مسؤوليات  بينما يترتب على الرجال مسؤوليات عدة منها المنزل والأطفال , مضيفة " نحن ايضاً لدينا مسؤوليات وعائلات " .

 

 

تتابع "انا الانثى الوحيدة في المنزل، ولدي 3 اخوة ذكور لكني اعين اهلي واتحمل مسؤوليته أكثر منهم ، الى ان اصبحوا يعتمدون علي عملي بشكل كبير، لم يعد بوسعي ان اكتفي بهذا العمل لتغطية احتياجاتنا، الأمر الذي اضطرني في نهاية المطاف الى ان الجأ لإعطاء الدروس الخصوصية في المنزل" .

 

 

وتقول " أنا معترضة وبقوة وبشدة , لكن صوتي انا وحدي لن يحدث فرقا, سكوت البنات ورضاهم والأجور المتدنية هو احد اكبر الاسباب التي تؤدي الى ذلك التحيز "  .

 

 

فروقات في الأجر

 

تشير دراسة تحليلية صدرت في حزيران 2017 عن دائرة الإحصاءات العامة على أن متوسط الأجر الشهري للعاملين في القطاعين العام والخاص لكلا الجنسين بلغ 484 ديناراً لعام 2015، في حين بلغ متوسط الأجر الشهري للذكور بحدود 499 ديناراً مقابل 446 ديناراً للإناث وبفجوة جندرية 53 ديناراً وبنسبة 11.8%.

 

 

المحامي الباحث، والمستشار في قضايا المرأة، عاكف المعايطة، يرى فيما يخص الفجوة في الأجور حسب الجندر، أن "بعض المؤسسات تسعى لتوظيف الجزء النسائي، ويعود السبب الرئيسي في ذلك؛ هو قبول نسبة كبيرة من النساء بأجور متدنية، والدليل الأكبر على ذلك، هو ما يدور بقطاع التعليم الخاص الذي يعاني من فجوة كبيرة".

 

وشدد على مسؤولية وزارة التربية والتعليم ودورها الرقابي في حماية للمرأة، و تفعيل دور وزارة العمل والمؤسسات المعنية في حماية هذه الحقوق , بالإضافة الى مسؤولية الدولة في حماية افرادها وهذه مسؤولية مهمة جداً على ان يكون هناك مراقبة وموضوعية, حيث يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الشهادة والتعليم والخبرة عند تحديد الأجر بعيداً عن الجندر.

 

 

 

وأكد المعايطة اننا "معنيون بتغيير الثقافة بالدرجة الاولى، بعيدا عن القانون والدستور، وذلك بسبب عدم وجود نصوص تميزية في القوانين , قائلاً : " أننا بأمس الحاجة لحملات توعوية، ورصد كامل للمؤسسات التي تشغل عدد من الأشخاص بالاضافة الى دراسة أحوال، ولا بد من ان نرفع صوتنا لتغطية هذه الفجوة , فنحن مسؤولون برفع أصواتهم للمطالبة بحقوق الانثى حسب الشهادة والخبرة والجهد المقدم، وللاسف يضطر الكثير للصمت لان العمل اصبح متطلب أساسي, وعدم توفر فرص عمل كافية تضطر احيانا بعض الفتيات القبول باجور متدنية ، سكوتنا و عدم رفع صوتنا هو جزء من المسؤولية ".

 

 

وعلى الرغم من انها فجوة موجودة بكل العالم وليس بلاردن فقط لكن هو واقع يجب ان يتغير ,لنصل للمساواة الجندرية، آن الأوان لتغيير ونتكلم بهذا الموضوع الحساس التغير يكون يبدأ من السلوكيات داخلنا لكن القوانين والانظمة لن تجدي أي شيء تمييزي بهذا الشأن  .

 

 

 

الصورة ليست سوداوية بالكامل، فاسراء، التي تعمل في احدى المدارس الخاصة في محافظة المفرق  تعبر عن امتنانها للمدرسة التي تعمل بها اذ انها لم تعطِ يوما لأي معلمة راتب أقل من الحد الأدنى للأجور .

 

 

تؤكد" إن اجور المعلمات في المدرسة التي اعمل بها ممتازة جداً حيث لا تقل عن الحد الادنى للاجور حيث تترواح ما بين  220 او 240 "وهذا شيء منصف برأيي".

 

 

تعتبر اسراء أن جهل الانثى بحقوقها" السبب الحقيقي في أن اصبح الحد الادنى للأجور هو أقصى طموحاتها ، لترضى بالأجر الذي لا ينسجم مع مقتضيات الحياة اليومية ومتطلباتها، في ظل الغلاء المعيشي. وأيضاً بسبب خذلان الاتحاد العام للمعلمين".

 

 

وترى جمعية معهد تضامن النساء الأردني، أن  الفجوة في الأجور بين الجنسين (والتي يكون أغلبها غير مبرر) وهي "عبارة عن الفرق بين متوسط الأجر في الساعة للأنثى نسبة إلى متوسط أجر الذكر في الساعة، لا تعتبر قضية اقتصادية فحسب، وإنما لها قيمة اجتماعية هامة تمتد آثارها السلبية على النساء لتؤثر في موازين القوى، وبالتالي يتأثرن بها، على اعتبار أن الاستقلالية الاقتصادية تعزز من استقلالية النساء وقدرتهن على إسماع أصواتهن وإحداث التغيير على مستوى المجتمعات المحلية وعلى مستوى أسرهن.

 

 

وحسب المعهد أن "الفجوة في الأجور بين الجنسين، ما هي إلا مؤشر آخر من مؤشرات ضعف التمثيل النسائي في المناصب القيادية والإدارية العليا في القطاعين العام والخاص".

 

 

بينما تذهب  المحامية، وأمين عام اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة، أسمى خضر، الى أن أصحاب العمل يسعون إلى أن يحصلون على طاقة أكبر للعمل، مقابل اقل التكاليف، وهنا يبرز التمييز بين المرأة والرجل في العمل؛ لأن النساء لا يحميهن القانون حماية كافية ويمكن ان يؤدين نفس العمل بأجر أقل" .

 

 

امان وظيفي معدوم

 

 وتشير خضر إلى أن "الأمان المهني والوظيفي شبه معدوم بالنسبة للاناث؛ ولذلك نجدهم يقبلون بشروط العمل المجحفة، وتضيف أن "السبب وراء غياب السياسات وخطط فعلية لدعم وتمكين المرأة وتحميها، كما أن نفوذ أصحاب العمل أكبر من نفوذ العمال على أصحاب القرار اعلى من تأثير العمال على صانعي القرار ولابد من تقليص هذه الفجوة من خلال  نشر الوعي".

 

 

تقول، "ولو كان هناك حراكات ثقافية وعمالية قوانين تردع هذا التمييز، لما تمكن صاحب العمل من أن يستغل طاقة المرأة لكي تؤدي له الأعمال، ويدفع لها أقل مما يدفع لزميلها الرجل".

 

وفيما يخص المواد القانونية التي تحتاج لتغيير،  تضيف خضر : "قانون العمل يجب أن يتضمن نصا على المساواة في الأجور، ولكن تحت طائلة عقاب رادع، ولا يكفي أن ينص القانون على المساواة  في الأجور، بل يجب أن ينص القانون في حال عدم المساواة في الأجور وبحال رفعت دعوى أن يدفع لها مقابل الفروقات عن كامل الفترة يلي عملت فيها" .

 

 

وأكدت خضر أن "أبرز المشاكل التي تواجه المرأة في سوق العمل هي تدني الدخل بالمقارنة مع الغلاء المعيشي، وأحيانا لا يكون هناك جدوى من العمل خصوصا عندما يستغرق التنقل وقت وتكلفة عالية، بالاضافة الى ساعات العمل طويلة، وعدم توفير خدمات للمرأة مساندة مثل توفير حضانات المساندة" .

 

 

تحديات أمام عمل المرأة

 

وتبين ورقة موقف اصدرها مركز الفينيق للدراسات أن أبرز التحديات التي تواجه المرأة الأردنية في سوق العمل هي شروط العمل " صعوبة التنقّل وعدم توافر حماية اجتماعيّة، وعدم توافر حضانات على الرغم من أنّ المادّة 72 من قانون العمل الأردنيّ  يجبر المؤسّسات على توفير حضانات للسيّدات العاملات".

 

 

ويرى مدير المرصد العمالي احمد عوض، أن :أسباب الفجوة في الأجور بين الرجال والنساء تعود  الى عدة أسباب منها التشريعية، حيث يغيب مبدأ المساواة بين الجنسين في الدستور الأردني، الى جانب عدم وجود نص واضح ومباشر يؤكد المساواة في الأجور بين الجنسين في قانون العمل الأردني، الى جانب الصلاحيات الممنوحة لوزير العمل في المادة 69 في قانون العمل والتي يحدد فيها الوظائف التي يسمح للنساء العمل فيها، حيث يتضمن قرار الوزير المعمول به وفق هذه الصلاحية منع تشغيل النساء في العشرات من الوظائف، والقرار يتجاوز الوظائف التي تتطلب توفير الحماية للنساء لأسباب بيولوجية، إلى حرمانها من العمل في وظائف لأسباب اجتماعية".

 

 

وعلى مستوى الممارسات، الى تركز عمل غالبية النساء في قطاعات وظيفية محددة مثل التعليم والصحة والخدمات الاجتماعي، وهي وظائف مستويات الأجور فيها اقل من الوظائف الإدارية المتوسطة والعليا، هذا إلى جانب الاتجاه العام لانسحاب المرأة من سوق العمل بوقت مبكر بسبب الزواج وانجاب الأنجاب وغياب بيئة عمل صديقة للمرأة مثل توفر الحضانات ووسائل نقل فاعلة، اذ أن غالبية المؤسسات التي تنطبق عليها مادة 72 من قانون العمل لا توفر حضانات لأبناء العاملات، هذا الى جانب والمسؤوليات الاسرية الإضافية التي تتحمل عبئها النساء في المجتمع.

 

 

رهام تحمل شهادة بكالوريوس في اللغة الإنجليزية، وعملت في مدارس خاصة في محافظة الزرقاء منذ 3 اعوام،  وهي تجهد مع زوجها الموظف في شركة لتأمين مصاريف رعاية طفليهما، وتتعاون معه من أجل تسديد الالتزامات الشهرية التي ترتبت على تحضيرات زواجهم  عبر التقسيط لسنوات عدة.

 

 

واستقالت ريهام من وظيفتها في فبراير من العام  الحالي؛ لأنها تتقاضى أقل بكثير من أقرانها الذكور،  "اعمل انا وابن عمي في نفس المدرسة إلا أنه تقاضى ضعف أجري بالرغم ".

 

 

واضافت "من حق الانثى أن تتقاضى كما الرجل، واكثر،ذلك لان الرجل غير محكوم بنظرة العيب، ويمكنه العمل أكثر من عمل في آن واحد دون ينظر له المجتمع نظرة دونية او تحكمه الظروف، ولكن الانثى محكومة بالوقت و بمهن معينة ومن ضمنها مهنة التعليم , كما ان الأنثى تبذل جهد  مضاعف في العمل خارج وداخل المنزل" .

 

استغلال جنسي

 

وتتفق  الناشطة في مجال حقوق المرأة، إنعام العشا، مع عوض حول وجود  إشكاليات تواجه المرأة في سوق العمل، وضيف عليها "الفجوة والفروقات في الأجور بين الذكور والاناث، بالإضافة الى تعرضهم للاستغلال المهني او الجنسي في قطاع العمل، وذلك بإجبارهن على العمل لساعات طويلة وعدم إعطائهن الأجور العادلة التي لا ترتقي بمناصب مهنية كما يستحقن".

 

 

 

وتضيف العشا أن "خطورة الأمر تكمن في انه  قد تصل التحرشات والاستغلال الى حد المساومة، وقد تضطر الانثى الى ان تعمل في مهن ومجالات لا تلائمها رغم امكانياتها ومستواها التعليمي الذي يؤهلها للعمل في مكان أفضل بكثير، لكن نتيجة الوضع الاقتصادي وحاجة المرأة عادة تفرض عليها بأن تكون أكثر مرونة في هذا الجانب وممكن ان تعمل في أية مجال في سبيل ان تُقضي حاجتها".

 

 

 

وترى العشا ان سبب التمييز في الأجور هو أن "الانثى بحاجة إلى أن  تثبت جدارة و وجود وان تخرج من إطار المنزل لذلك تقبل في العمل بأجور متدنية لا يقبل بها الرجال، بالإضافة إلى تحمل المرأة مسؤوليات اسرية في هذه الايام تزيد من حاجتها للعمل أكثر وبالتالي قد تقبل باقل مما تستحق" .

 

 

 

واضافت " ايضا لابد من تفعيل الدور التوعوي لبعض الفتيات لانها متواطئة ضد نفسها لكن نعود لنقطة الاساس الا وهي ان  النساء مدفوعات بحاجاتهم وظروفهم الشخصية والعائلية ليرضوا بالتمييز الجندري ،ولتجاوز هذه الفجوة يجب ان تكون الانثى  اكثر صبر واكثر صمود على التحديات والصعوبات والمشاكل التي تحتاج قوة حديدية وصلابة ومثابرة وابداع, كما يجب ان تقدم افضل ما لديها لكي تطور عملها وتكون مقنعة اكثر لارباب العمل ولاي مجال من المجالات التي تعمل به " .

 

 

وأشارت العشا الى ان "هناك ناس تقفز من على القانون ، وبالأخص في القوانين التي تتضمن فيها فروقات لصالح الرجل و تحيزات وتمييز ضد المرأة، وبالتالي لا يوجد تنفيذ وتطبيق عادل على أرض الواقع، على الرغم من القوانين لدينا شديدة ومغلظة لكنها تبحث عن تنفيذ جيد ".

 

وبحسب دراسة أجراها مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية لعام 2018  جدول يوضح فجوة الأجور ومتوسط الاجر الشهري للعاملين في القطاعين العام والخاص بحسب الفئة الوظيفية

 

 

المجموعات الرئيسية للمهن متوسط الأجور الفجوة في الأجور
القطاع العام القطاع الخاص القطاع العام القطاع الخاص
ذكور إناث ذكور إناث
موظفو الإدارة العليا 1,208 890 1,490 1,135 33% لصالح الذكور 23.8% لصالح الذكور
المتخصصون 721 539 687 461 25.2% لصالح الذكور 32.9% لصالح الذكور
الفنيون والمتخصصون المساعدون 595 454 499 401 23.7% لصالح الذكور 19.6% لصالح الذكور

 

أضف تعليقك