انقضت ذكرى "هبّة تشرين" الأولى دون أن يستذكرها الحراكيون بفعاليات أو اعتصمات كما جرت العادة مع ذكرى 24 آذار التي أحياها الناشطون للعام الثالث على التوالي، واكتفوا بما كتبوه على مواقع التواصل الاجتماعي حول ما عايشوه بأحداث الهبّة التي انتهت باصطفاف المواطنين في طوابير لاستلام دعم المحروقات النقدي.
الهبّة التي انطلقت بتاريخ 14 تشرين الثاني العام الماضي، وانتهت خلال أيام قليلة، طالبت بوقف قرار حكومي يرفع الدعم عن المحروقات، وبقية الاجراءات الحكومية من رفع أسعار السلع الأساسية، ومحاربة الفساد.
ارتفعت سقوف المطالبات بالاحتجاجات التي عمّت المملكة لتبتعد عن المطلب الأساسي ألا وهو وقف رفع الأسعار، وطالت القصر والملك مباشرة.
لم تتحقق أي من مطالب الهبّة حتّى الآن، فرئيس الوزراء عبد الله النسور الذي اتخذ قرار رفع الدعم عن المحروقات، بقي في منصبه، كما اتخذ حتى الآن قرارات أكثر جرأة كرفع الدعم عن الخبز، وتوجهات حكومته لرفع الدعم عن المياه أيضاً.
الاجراءات الحكومية اللاشعبوية يرى فيها منسق التيار القومي التقدمي خالد رمضان ارتداداً على الإصلاح في مسيرة توصف بالـ"متعثرة".
ويعاني الحراك في هذه الأثناء انحساراً قوياً وضعفاً بالقوة والتشتت، بسبب انعكاس الأزمات الإقليمية على الشارع السياسي الاردني، وتأثر الاردن بالازمة السورية والمصرية.
ويعتبر رمضان أن عدم اتضاح الرؤيا وغياب التنظيم لدى الحراكات ساعد المركز الأمني السياسي الحاكم بالاستفادة من الأوضاع الاقليمية للتراجع في العملية الاصلاحية.
"تنظيم العمل الشعبي المنحاز للفقراء هو ما سينتج تفاعلاً ميدانياً حقيقياً للوصول الى القضايا المطلبية العمالية، فالعمل الشعبي ليس مسيرة هنا أو هناك" يقول رمضان.
ويضيف أن المحرك الواقعي للنخب السياسية والناشطين هو جوع الناس الذي على الناشطين أن يدافعوا لإنهاءه.
ويدعو رمضان كل الفعاليات التي ترغب بالتصالح مع المركز الأمني السياسي الى إعلان ذلك دون الانجرار الى العمل المتقطع حسب الأهواء.
بعد الهبّة بشهرين تقريباً، أجرت الحكومة الاردنية الانتخابات النيابية على قانون الصوت الواحد الذي كان إلغاؤه مطلباً للحراكات الشعبية منذ بداية انطلاقها، لتنتج مجلساً لم يختلف عن سابقه حيث كان منبراً للعنف الذي توجّ بإطلاق النائب طلال الشريف النار على زميله قصي الدميسي داخل المجلس بالعاشر من شهر أيلول الماضي.
عادت ذكرى الهبّة الأولى بالإفراج عن معتقلي الحراكات الشعبية قبل أيام، الذين مازالوا يحاكمون امام محكمة أمن الدولة على قضايا تتعلق بمشاركتهم بالهبّة.
ويتخوّف عضو منصة تقدم د. ناظم النمري من تراكم حالة الفشل الحكومي والتأزيم التي قد توصلنا بيوم ما الى ما هو أبعد من هبّة تشرين.
وعلى الرغم من أن الهبّة لم تحقق مطالبها، إلا أنها حسب النمري ساهمت بتغيير النمط الحكومي بشكل عام وهو ما بدا جليّاً في الحكومة الأخيرة التي ضمّت حزبيين ويساريين في تشكيلتها.
ولا يرى النمري أن المطالب الشعبية تتوقف عند رفع الأسعار فقط، انما تمتد لتعديل منظومة التشريعات والقوانين للوصول الى حالة من اللامركزية وإنهاء الدولة الريعية.
ويطالب النمري النخب بطرح البديل الإصلاحي عمّا هو موجود من حالة الفساد والتراجع بالحريات العامة، لتجنب حالة الفوضى والانتفاضة التي قد تؤدي الى خسارة أكبر مما قد يتم تحقيقه بالضغط عبر مؤسسات المجتمع المدني.
هذا وكانت أحداث الشغب والعنف التي رافقت الاحتجاجات قد سيطرت على الصحف اليومية الأردنية الرسمية وشبه الرسمية والمستقلة، وفي حين حاولت بعضها إرسال رسائل التحذير من الانزلاق للفوضى الى درجة شيطنت الحراكات الشعبية أمام القارئ، وبعثت أخرى انتقادات للحكومة لغيابها عن المشهد منذ إعلان رئيس الوزراء قرار رفع أسعار المحروقات الذي تلته الاحتجاجات الواسعة وغير المسبوقة في البلاد.