عام على تولي الرزاز الحكومة.. جردة حساب
مضى عام على تشكيل حكومة رئيس الوزراء، عمر الرزاز، والتي حملت معها وعودات، وشعارات، بمشروع نهضة للاردنيين يخرجهم من ضيقتهم الاقتصادية، ويمنحهم إصلاحا سياسيا يقود إلى انتخاب الشعب لحكوماته.
"حالم ورومانسي"، هكذا يصفه خصومه، بعد أن أغرق الرئيس المواطنين بوعود وآمال بإيقاد الشموع، وإضاءة المستقبل من خلال كسر حلقة الاقتراض والدخول في حلقة الإنتاج، والتخلص من نهج صندوق النقد والضرائب.
إلا أن الرئيس، سرعان ما دخل في حلقة الاقتراض التي انتقدها سابقا، وحصل في كانون ثاني/ يناير الماضي على أكبر قرض في تاريخه من صندوق النقد الدولي (1.2 مليار دولار) ليدخل الرئيس في مسار النهج اقتصادي القائم على الاقتراض وترتب الفوائد، ثم فرض الضرائب لسداد تلك الفوائد.
خصومة الرزاز، جزء منها جاء من طبقة "البيروقراط" و "المحافظين"، وقال عنه نائب رئيس الوزراء الأسبق ممدوح العبادي، إنه "شخص حالم وشاعر، ولم يكن ناجحا حسب استطلاعات الرأي".
الرزاز،(المحسوب على تيار الدولة المدنية) جاء على خلفية احتجاجات عمت المملكة في شباط/فبراير 2018 استمرت لأسابيع ضد رفع الدعم عن الخبز، وارتفاع الأسعار وفرض الضرائب التي أقرتها حكومة رئيس الوزراء السابق هاني الملقي في موازنة عام 2018 وصادق عليها مجلس النواب الأردني.
وأطاحت هذه الاحتجاجات بالملقي، ليؤدي الرزاز، اليمين الدستورية أمام الملك عبد الله الثاني في 14 من يونيو/حزيران الماضي، بعد أسبوع من إقالة الملقي حاملا في جعبته وعودا بالإصلاح السياسي والاقتصادي وقيادة مشروع أطلق عليه اسم "النهضة".
النائب في البرلمان الأردني،خالد رمضان، لا يرى أن حكومة الرزاز تمثل الشارع أو "محتجي الدوار الرابع"، يقول لـ"عربي21"،الجميع يتذكر المناخ الذي تم به تشكيل حكومة الرزاز، وهي أكثر مرحلة جرى فيها تزييف الوعي في رمضان 2018 عندما الناس خرجت من جوعها وفقرها للاحتجاج بعد ذلك تدخلت مراكز قوى وإعادة إنتاج المشهد، ورجت أن الحكومة التي ستأتي ستكون ممثلة للحراك".
وحسب رمضان "هذه الحكومة لا تمثل الحراك الشعبي، وليست حكومة الدوار الرابع، إنما جاءت على ظهر الدوار الرابع، فهي من مررت قانون الضريبة وقانون الموازنة مع الدولة العميقة في مجلس النواب".
شعبية الرزاز سرعان ما تراجعت، بعد إقرار قانون ضريبة مماثل للذي سنه الملقي، واعادة 15 وزيرا من الحكومة المقالة، واستقبله الأردنيون باحتجاجات شعبية، وأطلق ناشطون أردنيون اسم "الشماغات الحمر" في محيط الدوار الرابع للمطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية، وسط اعتقالات في صفوف ناشطين.
مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، أحمد عوض، يرى أن لا تغييرات جوهرية حدثت على السياسات الاقتصادية في عهد الرزاز، معتقدا أن الملف الاقتصادي في الأردن لا يدار من قبل الحكومة وحدها.
وقال لـ"عربي21" إن "السياسات الاقتصادية التي أدت إلى خروج الأردنيين إلى الشارع في 2018 كانت تتطلب تغييرها وتغيير الخيارات الاقتصادية، واعترفت الحكومة بالخلل بالنظام الضريبي لكن عمليا لم تقم إلا بخطوات خجولة، كما أن سياسات العمل تراجعت، كما لم تعمل الحكومة على إصلاح ملف الطاقة بشكل جوهري، وبقيت أسعار المحروقات في الأردن هي الأعلى في العالم"، منتقدا واقع الحريات في حكومة الرزاز من التضييق على نشاطات المجتمع المدني، واعتقال ناشطين، معتبرا أن هذا الملف قد أصبح بيد جهات اخرى غير الحكومة.
وكانت رسالة المحتجين الأردنيين واضحة بأنه "لا ملقي ولا رزاز بدنا نغير هالبرواز"، في إشارة إلى تغيير النهج السياسي والاقتصادي، الذي أثقل كاهل المواطن من خلال جباية لم تنعكس على الخدمات الأساسية المترهلة.
أمين عام الحزب الوطني الدستوري، أحمد الشناق، أعرب عن اعتقاده أن الحكومة فشلت في تطبيق ما جاء في كتاب الملك لها من إصلاح سياسي وتوفير الخدمات للمواطنين مقابل الضرائب التي تتقاضاها من الشعب.
وقال الشناق لـ"عربي21"، "كتاب التكليف السامي، وجه الرزاز لتحسين الخدمات بما يوازي ما يدفعه الأردنيون من ضرائب، وإجراء مراجعة شاملة للنظام الضريبي بما يحقق العدالة بين الأغنياء والفقراء، كما كلفت دستوريا من الملك ومن خلال حصولها على ثقة البرلمان بإجراء مراجعة شاملة للقوانين الناظمة للحياة السياسية وعلى رأسها قانوني الأحزاب والانتخاب وإجراء حوار وطني،وتمكين الأحزاب للوصول الى البرلمان، وحتى اللحظة فشلت في تطبيق ذلك ولم تعطي حتى لو اشارة لفتح ملف الإصلاح السياسي."
واعتبر الشناق أن تصريحات الحكومة حول الإصلاح السياسي كلام في الهواء، رغم إجراؤها ثلاثة تعديلات حكومية الا انها لم تنفذ ما جاء في كتاب التكليف السامي.
الرزاز، رد على استفسارات الصحفيين في مؤتمر صحفي في كانون أول/ ديسمبر حول عدم نية الحكومة تعديل قانون الانتخاب، قائلا: "الحكومة تولي ملف الإصلاح السياسي أهمية كبرى من خلال العمل على إيلاء التشريعات الناظمة للامركزية والأحزاب، وصولا لقانون الانتخاب، الأهمية الكبرى؛ لضمان مشاركة واسعة، وتمكين الشباب"، لافتا إلى أن "الأمر يحتاج وقتا لإعادة بناء جسور الثقة وممارسة المواطن لحقه بشكل كامل".
وأكد أن "العملية بدأت، ونحتاج لإشراك الناس في هذه العملية، وانخراط المواطنين بالمواطنة الفاعلة التي وجه بها الملك، ليس هناك وصفة سحرية تنقلنا من موقع لآخر".
ملفات تنفجر في حضن الحكومة
الحكومة ومن يومها الاول، تفجرت في حضنها ملفات صعبة أمنيا، واقتصاديا، وسياسيا، ففي تموز/ يوليو 2018 وضعت حكومة الرزاز في أول اختبار لها بعد هروب 160 ألف لاجئ سوري على الحدود الشمالية، للتمسك بعد ادخال اللاجئين واغاثتهم في الأراضي السورية، قبل أن يدخل الأردن في مفاوضات أفضت بتسليم المعارضة السورية أسلحتها.
وما كاد الرزاز يخرج من هذا الشهر حتى اثيرت ما عرف "بقضية تهريب وتصنيع الدخان" وأعلنت الحكومة الأردنية منع سفر أشخاص يشتبه بتورّطهم في القضيّة بعد أيام على فرار المتهم الرئيسي رجل الأعمال عوني مطيع الذي جلب لاحقا بتعاون تركي.
لكن شهر تموز يأبى الرحيل دون وضع الرزاز في اختبار جديد، فقد عاد التحدي الأمني من جديد إلى المملكة بعدما قامت خلية متشددة بتفجير مركبة تابعة للأمن العام في مدينة الفحيص أودى بحياة رجال أمن واصابة آخرين، عقب العملية داهمت قوات الأمن واشتباكات بالأسلحة مع خلية في مدينة السلط أسفرت عن مقتل عدد من رجال الأمن وإصابة 24 شخصا.
وتفجرت في حضن الحكومة حادثة سيول البحر الميت في تشرين أول/ أكتوبر تسببت بمقتل 21 شخصا وإصابة 35 آخرين أغلبهم طلاب بعد انجراف رحلة مدرسية جراء السيول، وأعلن وزير التربية والتعليم ووزيرة السياحة والآثار الأردنيان استقالتهما، بعد أسبوع من الحادثة.
ولم يطل صبر الأردنيين على الرزاز كثيرا، ليخرج محتجون كانون أول/ ديسمبر باحتجاج أطلق عليه اسم "الشماغات الحمر" في محيط الدوار الرابع للمطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية، وسط اعتقالات في صفوف ناشطين.
لينفجر في حضن الحكومة ملف آخر، ففي شباط/ فبراير الماضي وفي خطوة احتجاجية غير مألوفة، بدأ مئات الشباب الأردنيين العاطلين عن العمل من المحافظات بالزحف نحو الديوان الملكي في العاصمة عمان؛ للمطالبة بفرص عمل، والاحتجاج على النهج الاقتصادي.
وما زاد من غضب المتعطلين تسريب وثائق رسمية تكشف عن تعيينات في القطاع الحكومي خارج إطار قانون ديوان الخدمة المدنية لاشقاء نواب مما دفع الحكومة لوقف تلك التعيينات، إلا أن الرزاز أثار الجدل مؤخرا عندما عدل حكومته للمرة الثالثة وجاء بأصدقاء له من الخارج لتولي حقائب وزارية.
تحديات داخلية كبيرة، واخرى خارجية تتمثل في صفقة القرن وتداعياتها تقف أمامها حكومة الرزاز، وسط مطالبات شعبية للحكومة بتغيير النهج السياسي والاقتصادي، وعدم إلقاء الوعود جزافا في الهواء.