ظاهرة التسول.. أشكال عديدة وضغوطات أسرية في ظل تهاون قانوني
" لم امتلك حق التعلم بسبب والداي " بهذه الكلمات بدأت المتسولة عبير تروي قصتها حول رحلتها مع هذه المهنة "انا فتاة ذات 9 اعوام والداي أجبراني على امتهان التسول، فأنا اذهب يوميا للجامعة واتواصل مع الطلاب بشكل مباشر، اقوم بتوصيل بعض الطلبات بينهم مقابل مبلغ، وها انا احصل يوميتي من الطلبة لكي أعيش"
وتضيف في حديث لـ "عمان نت" أن "جميع افراد عائلتي يمتهنون التسول، ونقوم بتقسيم الاحياء والشوارع قبل النزول، حيث ننسق برنامج دوري لتغير اماكن وقوفنا بشكل مستمر، موضحة بأن اهمية هذه النقطة تكمن بعدم اثبات اماكنهم للمضبطين"
ووصل عدد المتسولين في الاردن وفق الاحصاءات التي رصدتها وزارة التنمية الاجتماعية منذ بداية العام الجاري إلى 4313 متسول ومتسولة، فيما أن عدد الحملات التي قامت بها مديرية مكافحة التسول زادت عن 1680 حملة.
فئتين عمريتين للمتسولين
ويؤكد مدير وحدة مكافحة التسول ماهر كلوب أن الوحدة تتعامل مع فئتين عمريتين، الاولى احداث وتضم الاعمار من 18-7 سنة، وهؤلاء يتم ضبطهم وتحويلهم الى الوحدة ليتم اجراء دراسة اجتماعية من قبل مراقب السلوك، ومن ثم تحويلهم الى محكمة الاحداث، لتنظر بشأنهم فهي صاحبة القرار، إما الحكم في مذكرة الاحتفاظ وحماية ورعاية او تكفيله وهنا يتم دفع الغرامة والرسوم.
ويشير إلى أن ما يتم حكمهم بالحماية والرعاية نحتفظ بهم في مراكز رعاية المتسولين، الذكور في مأدبا والاناث في الظليل، وهنا تقدم لهم كافة الخدمات الاجتماعية والنفسية والصحية، وتعليمهم على بعض الحرف والمهارات، مثل الحلاقة والتطريز، اما البالغين لا يتم تحويلهم الى الوحدة بل الى مراكز الامن مباشرة، ويعرضوا على القضاة في المحاكم النظامية ليتم اخذ الاجراءات إما بالحبس او تحويله الى الحاكم الاداري لاتخاذ تعهدات كالإقامة الجبرية او كفالة عدلية.
بدوره، يوضح المحامي ايهاب بشتاوي أنه "عادة ما يتم محاسبة وزارة التنمية الاجتماعية، والوزارة تتخذ الاجراءات الازمة لمنع تكرار هذا الامر مثل توقيع ولي الامر على تعهد، وفي حال تكررت هناك عقوبات تقع على الاب، وهنا لا تقع أي مسؤولية على الطفل، اما في حال قام الحدث بعمل احتيالي هنا يتعرض للمسألة القانونية هو ومن قام بالضغط عليه "
ويضيف أنه إذا قام الحدث بالتسول دون علم ذويه يتم اخذه الى مراكز التأهيل، وان القانون شدد العقوبة في حال قام الشخص المتسول تكرار فعل التسول للمرة الثانية، بحيث تصبح العقوبة التي تحكم بها المحكمة الحبس لمدة ثلاثة أشهر الى سنة، وفي حال كرر جرم التسول للمرة الثالثة او أكثر من ذلك تقوم المحكمة بحبسه مدة اربعة أشهر الى سنة"
ويرى البشتاوي أن العقوبات المفروضة على المتسول غير رادعة من منظور قانوني بحت، حيث انه في الغالب يقوم الشخص المتسول والذي يصدر ضده الحكم بتقديم طلب الى المحكمة لاستبدال عقوبة الحبس بغرامة مالية مستفيدا من القانون الذي اجاز للمحكوم عليه التقدم بمثل هذا الطلب للمحكمة إذا صدر بحقه حكم لا يزيد عن ثلاثة أشهر"
أشكال متعددة للتسول
ويوضح الكلوب أن اشكال التسول تعددت واخذت أكثر من جانب، فمنهم من يتسول بتقارير طبية مزورة، او من خلال إعاقته ليثير الشفقة، مؤكدا ان ما نسبته 92% من المضبوطين هم اصحاء جسديا وعقليا، و76% يمتهنون التسول، وعند الاستعلام عنهم نجد ان لديهم عقارات او سيارات او شركات، مشيرا إلى أن متوسط المبالغ المضبوطة مع المتسولين تتراوح ما بين 20 إلى 30 دينارا يوميا، وتعتبر كسب غير مشروع.
ويؤكد كلوب خلال حديثه لـ "عمان نت" على أن وحدة مكافحة التسول تركز على توعية المواطنين بعدم اعطائهم ودفعهم للنزول مرة أخرى.
اخصائيون ومحللون اجتماعيون أكدوا تعرض المتسولين الاطفال لضغط شديد من قبل ذويهم، علاوة على استغلال واضح من قبل نساء متسولات لأطفال ليسوا اطفالهم لكنهم يستخدمونهم لجذب عطف الاخرين حيث تم تصنيفهم تحت مسمى الاتجار بالبشر وهذا استغلال واضح للطفولة.
ويقول دكتور علم الاجتماع الأستاذ حسين الخزاعي، إن هناك مظاهر فريدة للتسول على غير المعتادة وهي سبل جديدة لإثارة الشفقة وجني نقود بشكل أكبر، مشيرا إلى التأكد من حاجتهم قبل اعطائهم فهناك من هم بحاجة للمال والبعض يجنيها لاستخدامها في سبل غير مشروعة، ففي حال عدم فعل ذلك نفتح لهم الطريق ونرسخ هذه الظاهرة لديهم ونسهم في تفشيها بالمجتمع المحلي.
وبين الخزاعي أن نسبة البطالة والفقر بالإضافة الى المشاكل الاقتصادية في حالة تزايد وارتفاع ملحوظ، مما ساهم في ظهور حالات منفِّرة وغير لائقة حيث تضم جميع الفئات، وأكد ان المواطن بالدرجة الاولى هو الشخص المسؤول عن ترسيخ ثقافة التسول في حال قام بتقديم المساعدة، إذ يجب ان يقوم بمكافحتها، وان هذه الظاهرة في حالة تزايد وخاصة بعد زيادة نسبة اللجوء من جميع الجنسيات.
ومع وجود مراكز لتأهيل المتسولين الأحداث وإجراءات قانونية متبعة مع البالغين منهم إلا أن الظاهرة بتزايد مستمر في ظل تعاطف الكثيرين وعدم وجود إجراءات قانونية رادعة.