- جدل دستوري على أسس القبول الجامعي
- 33 مليون دينار كلفة مكرمة الجيش و14مليون دينار لمكرمة المعلمين لعام 2014
لم يشفع لهاشم مركزه الأول في الفرع العلمي على مستوى المملكة في امتحان التوجيهي للدورة الصيفية عام 2014 وانتزاعه معدل 99.1، في الحصول على منحة لدراسة الطب في الجامعة الأردنية.
هاشم أبن حي الرشيد الشعبي في مدينة الرصيفة 17 كم شمال شرق العاصمة عمان، يعيش ظروفاً اقتصادية ومعيشية صعبة، فأسرته مكونة من سبعة أفراد تسكن في بيت مستأجر، وفيها طالبان جامعيان، وثلاثة آخرون على مقاعد المدرسة.
والد هاشم المعيل الوحيد للأسرة، يعمل موظفا في وزارة الصحة، ولا يتجاوز دخله السنوي 7200 دينار، ما يعادل 1030 دينارا سنويا للفرد الواحد من أسرته، أي أقل ب 50 دينارا من متوسط دخل الفرد في الأردن والبالغ 1081 دينارا لعام 2013 بحسب دائرة الإحصاءات العامة.
أسرة هاشم لا تستطيع دفع التكاليف العالية لدراسة فلذة كبدها لتخصص الطب في الجامعة الأردنية، والتي تقارب 1000 دينارا فصليا، فكل الذين تعهدوا بمساعدته لأتمام حلمه في أن يصبح طبيبا تنصلوا من ذلك لاحقا، حتى المنح المخصصة للعشر الأوائل على المملكة ألغيت عام 2012 بسبب إنشاء صندوق دعم الطالب، وذلك بحسب وزير التعليم العالي الأسبق وجيه عويس.
عدالة ضائعة
الفوج الجامعي الذي ينضم إليه هاشم في كلية الطب في الجامعة الأردنية، يضم 89 طالبا وطالبة يدرسون معه وفق قائمة القبول الموحد الصادرة عن دائرة تنسيق القبول الموحد في وزارة التعليم العالي، معدلات هؤلاء الطلبة أقل من معدل هاشم في امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة "التوجيهي" لعام 2014 .
المفارقة أن قرابة نصف زملاء هاشم 44 من أصل 89 في نفس التخصص والفوج معدلاتهم أقل من معدل هاشم، يدرسون على نفقة الحكومة الأردنية، 26 طالب وطالبة أي ما يقارب 29% من الفوج يدرسون على نفقة مكرمة الجيش،18 طالب وطالبة أي ما يقارب 20% من الفوج يدرسون على نفقة مكرمة أبناء المعلمين. وذلك وفقا لقائمة القبول الموحد الصادرة عن دائرة تنسيق القبول الموحد في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
"اشعر بعدم العدالة" ذات الجملة التي قالها هاشم رددتها ديما التي حرمت من تحقيق طموحها في دراسة طب الأسنان في الجامعة الأردنية رغم حصولها على معدل 95.4 في الدورة الصيفية لعام 2014 .
شعور ديما بعدم العدالة نابع من قبول 15% من الطلبة لدراسة طب الأسنان في الجامعة الأردنية، معدلاتهم أقل من معدلها احدهم يقل عنها بأربع درجات تقريبا، قبلوا وفق قائمة القبول الموحد استنادا على - الاستثناءات في القبول الجامعي الموحد- مكرمات الجيش والمعلمين وأوائل المحافظات.
بهذه الاستثناءات في القبول الجامعي الموحد، تخالف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وذراعيها مجلس التعليم العالي ووحدة تنسيق القبول الموحد، المبدأ الدستوري في المساواة بين المواطنين على اختلاف أعراقهم، لغاتهم، أو دينهم؛ بحسب تقرير المركز الوطني لحقوق الإنسان 2012، نظرا لقبولها لقرابة 47% من الطلبة في الجامعات الحكومية بناءً على الاستثناءات (مكرمة: الجيش، المعلمين، العشائر الأقل حظا، المخيمات، وأبناء العاملين في الجامعات...)؛ إذ يتم قبول الطلبة المستفيدين من هذه المكرمات في الجامعات الحكومية، بمعدلات اقل من زملائهم المقبولين وفق التنافس الحر. ما يفقدهم عدالة المنافسة على أسس الكفاءة العلمية، إضافة إلى انتهاك الحق في التعليم المبني على تكافؤ الفرص في القبول والمنح.
معد التقرير حاول على مدار أسبوعين أخذ رد من وزير التعليم العالي وأمينه العام على هذه الانتهاكات لروح الدستور ونصوصه، إلا أنه باء بالفشل.
الاستثناءات القاعدة، والتنافس الاستثناء
المركز الوطني لحقوق الإنسان -مؤسسة مستقلة شبه حكومية - انتقد في تقريره الخاص بأوضاع حقوق الإنسان في الأردن عام 2012 أسس القبول في الجامعات الأردنية الحكومية قائلا ما نصه " الاستثناء في القبول التنافسي أصبح القاعدة وليس الاستثناء، ويعد ذلك عملا تمييزيا ويتنافي ومبدأ المساواة وتكافؤ الفرص الذي يكرسه كل من القانون الدولي والدستور الأردني".
الخبير الحقوقي الدكتور علي الدباس يرى أن الاستثناء في القبول الجامعي ينهك المادة السادسة من الدستور الأردني والتي تنص في فقرتها الأولى على أن " الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين".
ويتابع الدباس أن الانتهاك يكمن أيضا في عدم تكافؤ الفرص بين الطلبة وهذه أيضا مخالفة للفقرة 3 من الدستور التي تنص " تكفل الدولة العمل والتعليم ضمن حدود إمكانياتها وتكفل الطمأنينة وتكافؤ الفرص لجميع الأردنيين".
الاستثناءات لا تخالف الدستور الأردني فقط، بل تخالف المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي تدعو إلى تيسر القبول للتعليم العالي على قدم المساواة التامة للجميع وعلى أساس الكفاءة، بحسب الدكتور الدباس.
جدل دستوري
وعلى الرغم من أن المحكمة الدستورية المصرية رأت في استثناء قبول أبناء الشهداء وأبناء العاملين في الصليب الأحمر في الجامعات مخالفة للمبدأ الدستوري في المساواة بين المواطنين، بحسب أستاذ القانون الدستوري في الجامعة الأردنية ليث نصراوين، إلا انه يرى في الحالة الأردنية تمييز إيجابي بين الأردنيين، فمن غير المنطقي المساواة بين طالب التوجيهي في عمان وزميله في معان.
ويضيف نصراوين أن الحق في المساواة لا يعني المساواة المطلقة، فالمساواة تكون وفق المركز القانوني، ومثالها المساواة في التنافس بين المستفيدين من مكرمة الجيش كمركز قانوني واحد، وليس بين كل الطلبة كمراكز قانونية مختلفة، وفق نصراوين.
في المقابل، يؤكد أستاذ القانون الدستوري والإداري في جامعة الإسراء حمدي قبيلات أن مبدأ الاستثناءات يخالف "روح الدستور"، فمن غير المقبول "أن يتحول الاستثناء إلى قاعدة" في القوانين والتشريعات بشكل عام.
ويتفق قبيلات مع ما ذهب إليه نصراوين في جوانب التمييز الايجابي، معللا ذلك برفع سوية فئة معينة لفترة مؤقته، ليتم إلغاؤها لاحقاً، بعد تحقيق الهدف المنشود من وجودها كالكوتا النسائية في مجلس النواب.
المكرمات توزيع ظالم للمال العام
بصدور الإدارة الملكية عام 1980 بالموافقة على نظام البعثات الدراسية في الجامعات والمعاهد العليا لأبناء ضباط وأفراد القوات المسلحة رقم 81 لسنة 1980، أصبحت ميزانية وزارة الدفاع تغطي بعثة 20% من الطلبة المقبولين في الجامعات على نفقتها، شريطة ان يكونوا من أبناء العاملين في الجيش، إذ تغطي البعثة للمبعوث رسوم الساعات المعتمدة لكل فصل دراسي، علاوة على 20 دينارا شهريا، إضافة لـ20 دينارا أخرى بدل كتب، وفقا لنظام البعثات الدراسية الخاص بأبناء العاملين والمتقاعدين في القوات المسلحة.
إذ بلغت تكلفة مكرمة أبناء وبنات العاملين والمتقاعدين في القوات المسلحة 33 مليون دينارا لعام 2014، بحسب قانون الموازنة العام لعام 2014.
ويأتي نظام البعثات الدراسية لأبناء معلمي وزارة التربية والتعليم في الجامعات الأردنية الرسمية رقم (75) لسنة 2010، على نسق متشابه مع النظام الخاص "بمكرمة الجيش" في تغطيته لرسوم الساعات الدراسية، و20 دينارا شهريا وأخرى سنوية بدل كتب، يستفيد منها 5% من الطلبة المقبولين في الجامعات الحكومية، شريطة أن يكونوا من أبناء المعلمين.
وزارة التربية والتعليم تدفع من موازنتها العامة تكلفة تدريس الطلبة المقبولين بناءً على مكرمة المعلمين، إذ بلغت تكلفتها 14 مليون و700 ألف دينار عام 2014، بزيادة مليون دينارا عن عام 2013.
وتشكل تكلفة مكرمة المعلمين ما يقارب 1.6% من مجمل موازنة وزارة التربية والتعليم لعام 2014. بينما تشكل تكلفة مكرمة الجيش 3.9% من إجمالي موازنة وزارة الدفاع لعام 2014.
وزير التعليم العالي الأسبق وجيه عويس يرى في تقديم المنح لبعض الطلبة وحرمان آخرين، دون وجود أسس تضمن معايير الكفاءة، والوضع الاقتصادي للطالب بغياب للعدالة.
ويضيف عويس "كلفة تدريس الطلبة الجامعات الحكومية غير المبعوثين على حساب أي جهة لا تزيد على الموازنة أكثر من 50 مليون دينارا سنويا، وهذا مبلغ قليل بالنسبة للموازنة" مطالبا بتوفير المنح والقروض لجميع الطلبة وفق أسس ومعايير واضحة.
من جهة أخرى، يدافع وزير الدولة وشؤون الإعلام والثقافة الأسبق سميح المعايطة عن وجود المكارم قائلا: " أن قرر المكارم من أفضل القرارات، وذلك لتمكين الطبقة الوسطى في الأردن، وعمادها عمليا العاملين في القوات المسلحة، ومكرمة الجيش آتت لتدعم هذه الفئة التي انتقل جزء منها إلى الطبقة الفقيرة".
ويتابع المعايطة "المكارم هي تأمين للحياة الجامعية لأبناء هذه الطبقة؛ فتأمين المقعد فقط لا يعني أن الطالب سيستمر بالدراسة، ما لم يستطيع تأمين احتياجاته المالية عبر المنح".
المكارم تصحيح مسار
الوزير السابق سميح المعايطة يرى أن المكارم هي تصحيح مسار أكثر من كونها "استثناءات"، وهي نتاج لغياب وتكافؤ الفرص في التعليم من الأساس".
ويضيف "غياب العدالة كان في المراحل الأولى في البنية التحتية لمرافق التعليم والفرص التي تغيب عن عدد كبير من الفئات والمناطق في الأردن، إلى أن جاءت المكارم لتحقق لها جزء من العدالة".
"تقديم المكارم كانتهاك للحقوق هو إغماض للعيون عن الخلل في الأصل، وعن الفئات الفقيرة والمتوسطة...فالمكارم قرار اجتماعي مهم لفئات لم يتم إنصافها"، بحسب المعايطة.
لكن الملك ألغى في شهر تموز من عام 2012 "المكرمة الملكية الخاصة بالديوان الملكي" المعروفة بقائمة الديوان الملكي، وذلك في "إطار تحقيق العدالة الاجتماعية وتدعيم مبدأ الكفاءة والجدارة والتمييز في المجتمع" وفق بيان الديوان الملكي في حينه.
الظلم مرتعه وخيم
يربط منسق حملة "ذبحتونا" لحقوق الطلبة الدكتور فاخر دعاس غياب العدالة في القبول الجامعي بشعور الطالب الذي لم يحصل على مكرمة "بالحقد تجاه زميله والدولة" لأنه منحت من لا يستحقه مقعداً جامعيا.
ويتابع دعاس : "الطالب الذي حصل على استثناء يشعر بعدم الانتماء إلى الدولة، مقابل شعوره بالانتماء إلى الجهة التي منحته المقعد، وهذا ما يعزز الفرز بين الطلبة، ويشكل بيئة خصبة لنمو العنف".
وجود الاستثناءات في أسس القبول الجامعي، هي مشكلة بحاجة إلى حل جذري، بحسب وزير التعليم العالي الأسبق وجيه عويس، الذي يرى أنها قد تكون سبباً رئيسياً في "غياب الاستقرار" نتيجة شعور بعض المواطنين بالظلم، وما يترتب عليه من سلوك غير متوقع، وفقا لعويس.
وبينت دراسة للباحث محمود الجندي نشرت العام الماضي تحت عنوان " العنف في الجامعات الأردنية" وجود علاقة ذات دلالة إحصائية بين العنف في الجامعات والطلبة الذين قبلوا على أنظمة الاستثناءات، إذا أن طلبة المقبولين على الاستثناءات يلجئون إلى العنف داخل الجامعات بنسبة 29% مقارنة بالطلبة المقبولين على التنافس بنسبة تصل 20%. بحسب الدراسة.
طالما استمرت أسس القبول الجامعي في منح استثناءات للطلبة، يبقى شعور الظلم وغياب العادلة ملازم لهاشم وديما وطلبة آخرون حرموا من الجلوس على مقاعد الجامعات، لصالح من أتت بهم المكارم.
** هذه المادة أعدت باشراف مشروع تعزيز الحوار العام حول قضايا حقوق الانسان من خلال الاعلام