طفلات القطاع الزراعي: عبودية عمل في وضح النهار

طفلات القطاع الزراعي: عبودية عمل في وضح النهار
الرابط المختصر

كانت تحمل قلما تخط به دفتر أحلامها قبل ثلاثة أعوام من حملها منجلا به تحرث أرضا وتقطف زرعا. طول مدة عملها بحقول منطقة "كريمة" في الأغوار لم يترك لها وقتا لتفكر بتعليم وترفيه هجرتهما مرغمة لإعالة أسرتها.

 

سيرين 15 عاما، ورغم نظرتها لنفسها كفتاة هجرت طفوتها فهي ما تزال "طفلة" كما تعرّفها اتفاقية حقوق الطفل التي وقع وصادق عليها الأردن عام 1992 لمن لم يتم الثامنة عشرة من عمره.

 

تتقاضى سيرين لقاء 8 ساعات عمل مبلغ 3 دنانير من أصل 4 دنانير ونصف، رغم أنها المعيل الرئيس لأسرتها كون والدها مقعدا لا يعمل، ووالدتها ترعى إخوتها الـ 6. فلا طول العمل يرهقها في الحقول، وإنما ما تقضيه من وقت ولو كان قصيرا  داخل أحد البيوت البلاستكية حيث الحر القائض خاصة في فصل الصيف.

 

"مرعب العمل داخل البيوت البلاستيكية" لكن الأقسى كما تقول، هو الحسم المالي الذي تقتطعه المسؤولة عنها بالمزرعة من أجرها فيما لو قضت الحاجة أو اخذت قسطا من الراحة حتى ولو لنصف ساعة.

 

الطفلة فريدة 14 عاما تعمل مع سيرين في المزرعة هذه الفترة، وهي دائمة التنقل بين المزارع تبعا لتنسيق المسؤولة عنها في منطقتها، ورغم "تحسس جهازها التنفسي" لتعرضها للمبيدات الكيماوية وحرارة الشمس إلا أنها تستمر في عملها.

 

وإذا كان تعرض الطفلات العاملات للمبيدات ضررا بالغا على صحتهن وبالتالي انتهاكا، فإن الانتهاك الأكبر يكمن في تشغيل فتيات يقل عمرهن عن 18 عاما، وفق قانون العمل (8) لسنة 1996 والتعديلات التي أجريت عليه، الذي يحظر تشغيل الأطفال والأحداث.

 

العمل تحت أشعة الشمس ليس الانتهاك الوحيد الذي يتعرضن له العاملات القاصرات، وإنما يرافقه تدني الأجور، حيث تثمن ساعة العمل بـ 75 قرشا، وسوء معاملة تصحبه ساعات عمل إضافية  دون أجر.

 

يجعل القطاع الزراعي الطفلات العاملات عرضة للإصابة بأمراض بيئية مختلفة، مثل: (المالاريا، والبلهارسيا، وفقر الدم) وغيرها، نتيجة لتعاملهم مع المبيدات الزراعية بشكل مباشر أو غير مباشر، وتعرضهم لأشعة الشمس لساعات طويلة، وفق تقرير أعده المجلس الوطني لشؤون الأسرة عام 2012 حول واقع عمالة الأطفال في القطاع الزراعي.

 

ki

قطاع زراعي خطر... وغياب الرقابة

 

فريدة تصغر سيرين بعام واحد عمرا وخبرة في قطاع زراعي تصفه وزارة العمل بأحد أشد قطاعات العمل خطورة بمقياس الحوادث إلى جانب قطاع التعدين والبناء، كما ويعتبر ثاني أكبر قطاع مشغل للأطفال، يضم حوالي27 %من مجموع الأطفال العاملين، وفق دارسة المجلس الوطني لشؤون الأسرة.

 

تقدر تلك الدراسة حجم الطفلات العاملات في القطاع الزراعي للفئة العمرية 17-5 سنة بأقل من 0.5%، مقللّة من "ظاهرة عملهن الممنهجة" وواصفة عمل المتواجدات في القطاع بـــ"النادر".

 

qe

لا حماية اجتماعية أو رقابة صارمة

مديرية السلامة المهنية في وزارة العمل كانت نشرت في تقريرها العام 2013 عن تصدر القطاع الزراعي إلى جانب قطاع الانشاءات والمطاعم أعلى اصابات عمل بين صفوف العاملين فيها، واحتلت الزراعة والصيد والحراجة أعلى معدل إصابات بمعدل (33.7/ 33.1/ 31.9) إصابة عمل لكل 1000 مؤمن عليه على التوالي في عام 2013، مقابل قطاع الزراعة والصيد والحراجة بمعدل (35.0) إصابة عمل لعام 2012.

 

يزيد تقرير مؤسسة الضمان الاجتماعي للعام الماضي 2014 إلى أن "الزراعة والانشاءات" أكثر القطاعات يتعرض فيها العاملون إلى مخاطر مهنية، وبنفس الوقت لا يخضعون لأي نوع من التأمين وفي معظم الحالات لا يقومون بالتبليغ عن إصابات العمل لعدم وضوح التشريع في إلزام صاحب العمل بالإبلاغ عن الإصابات بالتالي لا يتحمل تكاليف الإصابات بين العاملات والعاملين فكيف هو الحال بالنسبة لمن يعملن تحت السن القانوني.

المرصد العمالي التابع لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية، أصدر العام 2011 دراسة استطلاعية حول واقع العمل بالقطاع الزراعي، لافتا فيه إلى "انتهاكات صارخة بالمبادئ الأساسية للعمل والاتفاقيات الدولية".

 

يرجع مدير المرصد العمالي احمد عوض غياب الارقام فيما يتعلق بعدد العاملين بالقطاع الزراعي إلى "عدم قيام دائرة الاحصاءات العامة بإعداد دراسة واضحة تظهر عدد وحجم العاملين بهذا القطاع سيما الأطفال منهم".

 

آخر دراسة أُجريت حول واقع الاطفال في الزراعة، كانت لدى الاحصاءات العامة عام 2008 إلى جانب منظمة العمل الدولية، تشير فيها إلى أن عدد الإناث العاملات 3.605 طفلة، أي بنسبة 11% من مجموع الأطفال العاملين، من بين الفئات العمرية من 17 – 12 التي تشكل الحجم الأكبر من إجمالي الأطفال العاملين وبنسبة 90%.

 

ويشير مدير مركز الدعم الاجتماعي الممول من وزارة العمل محمد الفقهاء، إلى أن المسح الذي أجراه المركز، أظهر أن نسبة الفتيات القاصرات العاملات في قطاع الزراعة تصل إلى 30% من مجمل الأطفال العاملين في هذا القطاع، وأن جميعهن يعيشن تحت خط الفقر.

 

ويتابع الفقهاء أن "قطاع الزراعة يعدّ أحد أخطر قطاعات العمل على صحة الأطفال من حيث التعامل مع الكيماويات، والعمل تحت أشعة الشمس لساعات طويلة، ما يعني تعريضهم للأذى والخطر مباشرة".

wre

منظمة العمل الدولية حدّدت شكل الإساءة للطفل وفق إطار اتفاقية عملها لسنة 1999 وهي "جميع أنواع المعاملة السيئة سواء أكان من الناحية الجسدية أم النفسية أم الجنسية أم الإهمال أم الاستغلال والتي تؤدي إلى ضرر واضح أو احتمالية حدوث ضرر لصحة الطفل ولنموه  ولكرامته أثناء عمله"، والأطفال غير قادرين على العمل كما توضح الاتفاقية، وهم الذين لا يزالون على مقاعد الدراسة أو خارجها.

 

 

sand

مسؤولات عن الطفلات

بعد جولات مستمرة لمعدة التقرير، ظهر وجود اتفاق ضمني بين العديد من أصحاب المزارع في منطقة الكريمة و15 عاملة تقود كل واحدة منهن 7 عاملات طفلات تترواح أعمارهن بين 13-18 عاما للعمل في المزراع، ما يعني ذلك عن وجود قرابة 105 طفلة عاملة في الكريمة وحدهاـ

 

لسجود سلمان 17 عاما، قصة مختلفة عن باقي الطفلات، فهي التي تعمل في المزراع منذ أربعة أعوام، تعتبر مسؤولة عن العديد من العاملات الطفلات في مزارع الكريمة، لا تخفي أن العديد من الطفلات "يتعرضن للاستغلال من أصحاب المزارع الذين يقومون بالتلاعب بأجورهن".

 

سجود وهي الطفلة وفق تعريف الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل أيضا، تقوم بحمل مضخة المواد الكيماوية على ظهرها لرش المنتجات الزراعية لتحصل على نصف ما يحصل عليه الرجل، كما تقول لنا .

 

لا شكاوى رسمية  

 

لا تملك دائرة التفتيش في وزارة العمل شكاوى عن واقع العاملات في القطاع الزراعي، رغم شموله مؤخرا بأحكام قانون العمل، "إلا أنه لم يصدر حتى الآن نظام خاص للعمل في هذا القطاع لخصوصيته وطبيعة العمل الذي يتطلب ساعات عمل طويلة ومبكرة وموسميته"، وفق مدير الدائرة أيمن الخوالدة.

 

ورغم غياب الشكاوى إلا أن الخوالدة يدرك أن هناك عددا كبيرا من المخالفات والانتهاكات الواقعة على الطفلات في المزارع.

 

في كانون أول عام 2013، قامت وزارة العمل بتشكيل لجنة مشتركة مع المجلس الأعلى للإسكان لتنظيم جولات تفتيشية على عمالة الأطفال في المناطق الزراعية في الشونة الشمالية والشونة الجنوبية والمفرق، لتظهر تلك الجولات أن الأطفال الذين يعملون في القطاع الزراعي ضمن نطاق الأسرة أكثر من كونه توظيف من خارجها للعمل في المزارع.

 

وضعت وزارة العمل خطة للعام الحالي من خلال اللجنة الوطنية لمكافحة عمل الأطفال تتضمن ثلاث حملات  تفتيشية في عدة مناطق زراعية لحصر أعداد العاملين في الزراعة بشكل شمولي سواء الذكور أو الإناث وللاطلاع على ظروف عمالهم، بحسب الخوالدة.

 

الأمر الذي يلفت له الخوالدة هو "عدم تعاون أصحاب المزارع مع فرق التفتيش"، فضلا عن قلة عدد كوادر الدائرة، وهو ما يزيد من احتماليات وقوع التجاوزات.

 

إساءات ترقى لعبودية

 

إذا كان عمل الكثير من الطفلات لا ينطوي على مخاطرة كبيرة كما تصف فتاة عاملة في قطاف الثمار، فإن الناشطة في مجال مكافحة عمالة الأطفال نهاية دبدوب، تسجل عدة إساءات تتعرض لها الفتيات واصفة واقعهن بـ"عبودية " لا مثيل لها.

 

تترأس دبدوب شبكة "لا لعمالة الأطفال الإنسانية" المعنية بالحد من استغلال الأطفال في سوق العمل، تجد في واقع الطفلات العاملات "واحدة من أسوأ أشكال عمالة الأطفال، والأكثر خطورة نتيجة البيئة الزراعية السيئة". فإضافة إلى استغلال طفلات في العمل، هناك جهل وقلة إدراك في تعليمهن على كيفية التعامل مع المبيدات الكيماوية.

 

فيما يشكل الاطار الوطني لمكافحة عمل الاطفال  الذي يعكف عليه "المجلس الوطني لشؤون الأسرة" منذ العام 2012، وثيقة محلية تحدد مسؤوليات الجهات المعنية من حيث التنسيق وتحويل الحالات بما يتناسب ونوع الخدمة الواجب تقديمها وتفعيل قضايا عمل الأطفال في سياق برامج الوزارات ذات العلاقة.

sdf

وتدعو جمعية معهد تضامن في بيان لها الحكومة لبذل جهد للحد من تشغيل الفتيات، "الطفلات العاملات اللواتي يتعرضن للتمييز والتهميش بشكل يرسخ عدم المساواة بين الجنسين".

 

وعلى المستوى الدولي، فالأردن ملزم بتطبيق بنود اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم (138) لعام 1973، المتعلقة بالحد الأدنى لسن الاستخدام والتي صادق عليها عام 1997، والاتفاقية رقم (182) المتعلقة بالقضاء على أسوأ أشكال عمالة الأطفال، واتفاقية العمل العربية رقم (18) لعام 1966 بشأن عمل الأحداث والتي تشكل إطارا يسمو على القوانين.

 

it

تقترح الناشطة دبدوب كجزء من حل القضية قيام الحكومة بتأهيل الفتيات القاصرات نفسيا واجتماعيا وإعادة دمجهن بالحياة التعليمية كسبيل لإنقاذهن من جديد.

 

فيما تفكر وزارة العمل "بتأمين فرص عمل لأرباب الأسر التي تعمل فيها الطفلات وذلك لخفض الحالات من خلال التعاون مع صندوق التنمية والتشغيل"، كما يقول مدير دائرة التفتيش أيمن الخوالدة.

 

 

*هذه المادة أعدت باشراف مشروع "تعزيز الحوار العام حول قضايا حقوق الانسان من خلال الاعلام"

 

*نفذ الانفوغرافكس ثامر عوايشة وأنس ضمرة