صالونات الزرقاء “الثقافية”.. كثر شاكوها وقل شاكروها
انتقد مثقفون تكاثر “الصالونات الثقافية” في الزرقاء، معتبرين ان كثيرا منها يتم تاسيسه لمجرد “البهرجة.. وتمجيد انصاف المثقفين”، ناهيك عن انه “لا يضيف شيئا للفعل الثقافي” في المحافظة.
وتعود بدايات ظهور الصالونات الثقافية في الزرقاء الى ستينيات القرن الماضي، ويعتقد ان اولها كان صالون القاص عدنان على خالد الذي كان مثقفو المدينة يلتقون فيه، ثم انتقلوا منه الى “نادي اسرة القلم” مع تاسيسه عام 1974.
وربما كان رئيس نادي اسرة القلم الشاعر صلاح ابو لاوي اشد منتقدي ظاهرة تفريخ هذه الصالونات، والتي قال ان الاصل فيها ان تكون “رافدا حقيقيا للحركة الثقافية في اي بلد”، لكنها عندنا “اصبحت تقام للبهرجة التي لا ترجى منها فائدة ثقافية”.
ويرى ابو لاوي ان التهافت على انشاء صالونات الثقافة ادى الى بروز “بعض الصالونات التي تمجد وترفع من شان انصاف المبدعين، بل ترفع من شأن أشخاص غير مبدعين على الاطلاق”، معتبرا ان هذا الامر “يقود الى حركة ثقافية بائسة، حيث سيطفو على السطح في هذه الحركة من لا يستحقون أن يكونوا في المقدمة”.
وتمنى في هذا السياق على مثل تلك الصالونات الكف عن “اصدار شهادات تكريم والتوقف عن اطلاق القاب أدبية مثل شاعر او قاص على من لا يزالون يخطئون في التجهئة والاملاء”.
وعلى صعيد نادي اسرة القلم، فقد اوضح ابو لاوي انه يحتضن صالونا ادبيا تقوم رسالته على رعاية “المواهب ومن هم على طريق الابداع”، مبينا انه يقوم باستضافة “مجموعة من النقاد في كل مرة حيث يقدمون نقدا حقيقيا للاعمال، بهدف تعميم الفائدة للهواة والصاعدين، وهذا اصل العمل في الصالونات الثقافية”.
ومن ناحيته ايضا، انتقد الاعلامي عمر ضمرة العدد الكبير للصالونات الثقافية في الزرقاء، معتبرا ان كثيرا منها “لا يضيف شيئا للفعل الثقافي” في المحافظة. ولا يصنع حركة ثقافية مميزة الا اذا تميزت النشاطات المقدمة من خلالها على مستوى النوع وليس على مستوى الكم”.
وقال ضمرة ان “هناك اكثر من اربعين هيئة ثقافية في محافظة الزرقاء ويتعين علينا ادارك ان هذا العدد الكبير.. وتساءل عما يمنع مؤسسي هذه الصالونات من “الانخراط في الفعل الثقافي والاسهام بدورهم الفاعل والمؤثر كما يعتقدون من خلال الهيئات الثقافية الموجودة والمعروفة للجميع؟”، مستدركا انه “اذا كان هناك، كما يدعي البعض، خلل او تجاوزات في بعض الهيئات (تمنع انضمامهم اليها) فمن الممكن تجاوز (ذلك) عبر الحوار وابداء الاراء والمشاركة في ادارة العمل الثقافي”.
شللية و”خصوصيات”
وفي سياق قريب، انتقد القاص احمد ابو حليوة مؤسس و مدير صالون “البيت الادبي للثقافة والفنون”، ما وصفه ب”الشللية” المهيمنة في بعض الهيئات الثقافية ، مؤكدا ان ذلك كان احد الدوافع لتاسيس صالونه الادبي.
وقال ابو حليوة ان الصالون الذي كان يحمل اسمه الشخصي سابقا “تأسس حتى يكون لنا مكان نستطيع ان نعبر من خلاله عن افكارنا بعيدا عما تعاني منه الاوساط الثقافية من شللية ومن الاعتماد على النخبة”.
واوضح ان اطلاق الصالون جاء غداة تجميد فعاليات فرع رابطة الكتاب في الزرقاء عام 2004، و”تراجع نشاطات نادي اسرة القلم الثقافي”، الامر الذي “أصبح من الضروري والملح معه ان يكون هناك بديل ثقافي”.
واكد ابو حليوة ان صالونه “اتاح للمبتدئين والمحترفين في الكتابة والادب فرصة اطلاع الاخرين على كتاباتهم، واصبح يؤمه الكتاب والمثقفون من كافة مدن ومحافظات المملكة، بل ويقومون بالمشاركة في فعالياته”، مبينا ان شروط العضوية “تختلف عن باقي الهيئات الثقافية، فكل من يحضر فعاليات البيت الادبي لمرتين يصبح عضوا فيه” بشكل تلقائي.
ونوه الى ان “البيت الادبي” “و درج منذ عام 2013 على “اقامة معرض فن تشكيلي شهريا، وفي عام 2012 انطلقت منه فرقة غناء وطني تعنى بالاغنية الملتزمة وهي -فرقة شمس الوطن- وكذلك انبثق عنه صالون الرصيفة الثقافي الذي نعتبره ابنا شرعيا للبيت الادبي في عام 2013″.
ويعقد البيت الادبي كذلك لقاء دوريا في الخميس الأول من كل شهر، يستضيف فيه احد الادباء او الشخصيات السياسيةوقد اصدر ثلاثة كتب كانت بعنوان “اثني عشر” وتحتوي هذه الاصدارات على نتاجات اعضاء صالون البيت الادبي .
عمر قاسم اسعد مدير “صالون الرصيفة الثقافي” التابع ل”جمعية ابناء الرصيفة الثقافية”، قال انه عمد الى تاسيس الصالون بعد رفض “نادي اسرة القلم” في الزرقاء التجاوب مع دعواته للتعاون من اجل تفعيل الحراك الثقافي في المدينة.
واضاف الكاتب السياسي عمر قاسم اسعد ان الاسباب التي تقف وراء تاسيس الصالونات الثقافية في الرصيفة، تكاد تكون هي نفسها، وتتمثل في “البعد الجغرافي عن مدينة الزرقاء وخصوصية العمل في الهيئات الثقافية القائمة، وصعوبة اختراق هذه الخصوصيات”.
واكد انه برغم “ضعف الدعم المادي الذي تتلقاه صالونات الرصيفة من الهيئات الرسمية، الا انهما تمكنت من ايجاد حراك ثقافي في المدينة تعجز عنه الهيئات الثقافية الكبرى، والدليل على ذلك ان صالون الرصيفة الثقافي عقد فعالية -مهرجان العائلة الثقافي- في حديقة حيوانات الرصيفة، وقد تجاوز عدد الحضور اربعة الاف شخص من اهالي المدينة”.
ويقوم صالون الرصيفة الثقافي باستضافة شخصيات اردنية سياسية وفنية وثقافية بشكل مستمر.
“لا تَعارض”
وبدورها، لا ترى عزيزة الدعجة رئيسة “صالون الرصيفة الأدبي” التابع لنادي اتحاد الرصيفة الشبابي الرياضي، اي تعارض في عمل الصالونات الثقافية في المدينة، بل تجد فيها نوعا من التكامل الذي يثري الحراك الثقافي.
وقالت الدعجة وهي ايضا عضو مجلس بلدي الرصيفة.ان الرصيفة هي مدينة كبيرة بحاجة الى هيئات عدة لتغطي مساحتها الجغرافية، وبهذا تم توزيع الحراك الثقافي، ولم يتعارض وجودنا مع وجود اية هيئة سبقت تأسيس نادي الرصيفة الادبي”.
وزادت بان اعتبرت ان “تاسيس هيئات اخرى من شانه زيادة المستوى الثقافي في المدينة وتحريك وتحفيز الغيرة الادبية الموجودة”.
واوضحت الدعجة ان فكرة الصالون “انطلقت من خلال عدة شخصيات من ابناء الرصيفة مهتمة بالشأن الثقافي.. وبدأنا بفعاليات ثقافية بسيطة” مشيرة الى ان “الحضور الكثيف من ابناء الرصيفة لهذه الفعاليات شجعنا على الانتقال بها نحو مقرات الاندية ودواوين العائلات او اي مكان يوفر قاعة تتسع للحضور”.
ولفتت الى ان بعض الاعضاء المسجلين في صالون الرصيفة الادبي هم ايضاأعضاء في نادي اسرة القلم وهيئات ثقافية اخرى.
والى جانب الصالونين السابقين، ينشط “منتدى الرصيفة للثقافة والفنون” في المدينة منذ عام 2012، والذي يضم اعضاء من هيئات ثقافية من بينها اتحاد المؤرخين ونادي اسرة القلم واتحاد الادباء والكتاب العرب وغيرها من الهيئات الثقافية.
وقال رئيس المنتدى محمود الصالح ان انشاءه جاء من اجل “ابراز ابداعات المثقفين الجدد من كتاب وفنانين تشكيلين وشعراء، ونستطيع القول أننا شاركنا المجتمع المحلي في التنمية الثقافية من خلال المحاضرات والمناظرات وعقد ورش العمل”.
ولم يخف الصالح ان النزعة الى الاستقلالية عن الهيئات الثقافية القائمة كان احد الدوافع لتاسيس المنتدى، قائلا في هذا الصدد “أردنا ان يكون هناك طابع ثقافي للرصيفة نستطيع اظهاره من خلال حراكنا النشط، ففي الرصيفة عدد كبير من الكتاب والمثقفين الذين اجد انه من حقهم ان يكون لهم منتدى في مدينتهم التي تضم بين جنباتها ما يزيد عن 600 الف مواطن”.
شكل احتجاجي
وفي ما يراه الناقد محمد المشايخ عضو الهيئة الادارية في رابطة الكتاب الاردنيين، فان انشاء الصالونات الثقافية، يمثل شكلا من “الاحتجاج على عدم تلبية المؤسسات الثقافية القائمة لحاجات المبدعين”، معتبرا في ذات الوقت ان صالون الثقافة يمثل بيت “خبرة ومدرسة لهواة الادب والمبتدئين، (وفيه) استزادة للمبدعين الحقيقين”.
ووصف المشايخ الصالونات بانها “جزء من مؤسسات المجتمع المدني التي لا تتوقف عن تطوير نفسها، آخذة بمبدأ التغيير واعادة التقييم والتقويم، من اجل النهوض بحياتنا الثقافية وفق اسس وقواعد تكفل استمرارية هذا النهوض ودفعه باتجاه الحراك الثقافي الجماهيري بكل مافيه من تنوع وازدهار”.
وبين ان “الصالونات تلتقي فيها الاجناس الفنية والادبية: قصيدة وقصة وخاطرة ونقد وأدب طفل الى الموسيقى والمسرح والغناء الوطني الملتزم الى الفن التشكيلي، وفيها يلتقي أعضاء الهئيات الثقافية العريقة مثل رابطة الكتاب ونادي اسرة القلم ونادي الرواد ورابطة التشكيليين ونقابة الفنانين وغيرها، هذا عدا عن المستقلين وغير المنتسبين لاية هيئة”.
ولفت المشايخ الى ان حقيقة كون “الصالونات الادبية مؤسسات مستقلة ومنفصلة تماما عن المؤسسات الرسمية تغرد وحدها بكل استقلالية، جعلها لا تحظى باي دعم مادي” من تلك المؤسسات.
ومع ذلك، فانه يبدو متفائلا بمستقبلها، ويقول “اعتقد أن هذه الصالونات ستقوى وتشتد، وقد لاحظت ان بعض مؤسسات المجتمع المدني اصبحت تستضيف هذه الصالونات، وكذلك تبادر بعض الشخصيات في مدينة الزرقاء الى التبرع بالدعم المادي من اجل تغطية ما يترتب على الجلسات الادبية والاستضافات” التي تعقدها.
واكد المشايخ ان “هذه الصالونات اصبح لها مرتادون ومريدون، حتى انك قد لا تجد موطئ قدم في بعض أمسياتها”
للاطلاع على تقارير: هنا الزرقاء