"رفض التكفيل" بين الضرورة القضائية والاعتداء على الحرية

"رفض التكفيل" بين الضرورة القضائية والاعتداء على الحرية
الرابط المختصر

عامان من عمر الشاب "محمد" قضاهما خلف القضبان رفضت خلالها محكمة الجنايات الكبرى اطلاق سراحه بكفالة في قضية القتل العمد بالاشتراك والتي أوقف على ذمتها منتصف عام 2012 ثم برء منها عام 2014.

 

قضية احتجاز حرية محمد رغم برائته والتي وثقها مركز عدل للمساعدة القانونية، تجربة عاشها كثيرون غيره بسبب غياب النصوص التشريعية الواضحة لقبول او رفض التكفيل ومنهم ما يعرف بـ"معتقلي الرأي" الذين رفض طلب كفالتهم في بعض الاحيان (15) مرة.

 

 

ولعل قضية "قتل أطفال الأغوار الأربعة" في تسعينيات القرن الماضي من ابرز القضايا التي تؤشر على الخلل التشريعي فيما يتعلق بغياب معايير قبول او رفض الكفالة؛ فبعد توقيف شخصين على ذمة القضية لثماني سنوات رفضت المحكمة خلالها تكفيلهما، تم تبرئتهما في النهاية.

 

المادة 126 من قانون اصول المحاكمات الجزائية: يجوز للمحكمة أو للمدعي العام أو لقاضي الصلح الذي قدم اليه طلب تخلية السبيل بكفالة أن يقرر التخلية أو ان يرفضها أو يعيد النظر في قراره السابق حسب مقتضى الحال.

 

ويتيح القانون الأردني للقاضي أو المدعي العام الذي قدم إليه طلب اخلاء السبيل بكفالة مالية أن يرفضه، دون أن يبين أسباب ذلك، استناداً إلى المادة 126 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.

 

وتعتبر مسألة قبول أو رفض الكفالة تقديرية للمدعي العام أو للقاضي، وحددها قانون أصول المحاكمات الجزائية في القضايا الجنائية فقط، فبحسب المادة 123 أتيح للمحكمة قبول الكفالة في حال "وجدت أن اطلاق سراح المتهم لن يؤثر على سير التحقيق أو يخل بالأمن العام".

 

ويلجأ القاضي أو المدعي العام إلى التقدير للنظر بطلب اخلاء السبيل بناءً على البينات الموجودة لديه، مع أخذه بعين الاعتبار طبيعة القضية الموقوف على ذمتها المتهم.

 

التكفيل يعتمد في كثير من الاحيان على "شعور وإحساس" القاضي أو المدعي العام، فإن شعرا في بعض القضايا أن المتهم قد يهرب من وجه القضاء أو قد يقوم بالتلاعب بالأدلة التي تستند عليها القضية حال خروجه أو إن شعرا أن خروج المتهم قد يشكل خطراً على حياته أو قد يؤدي إلى مضاعفات أمنية، فقد ترفض الكفالة بحسب المحامي الجنائي أحمد النجداوي.

 

المادة 123 من قانون اصول المحاكمات الجزائية: يجوز للمحكمة إخلاء سبيل من أسندت إليه جريمة جنائية إذا وجدت أن ذلك لا يؤثر على سير التحقيق والمحاكمة ولا يخل بالأمن العام

 

ويرى النجداوي أن هذه التقديرات المتعارف عليها قضائياً لا تكفي للاستناد عليها لاتخاذ قرار التكفيل، واصفاً غياب المعايير لاتخاذ قرار الكفالة "بالمجحفة" في حق المتهم "الذي يجب أن يعامل معاملة البريء"، حتى تثبت إدانته.

 

وبينت دراسة لمركز عدل للمساعدة القانونية صدرت عام 2012 إن 38.6% من الموقوفين من مجمل عينت الدراسة التي شملت 1354 موقوفاً، لا تتم إدانتهم بالتهم الموجهة إليهم، عدا أن ما نسبته 20.3% من مجموع القضايا التي خضعت للدراسة كانت فيها مدة التوقيف أطول من فترة الحكم النهائي.

 

ولا يسمح القانون الأردني بإقامة دعوى  قضائية  لكل من أوقف أو اعتقل بطريقة قانونية أو غير قانونية لجبر الضرر الذي لحق به، رغم أن "العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية" يلزم بذلك بحسب المادة التاسعة من العهد التي تقول الفقرة الخامسة فيه "لكل شخص كان ضحية توقيف أو اعتقال غير قانوني حق في الحصول على تعويض"، بحسب المحامي في القانون الدولي محمد الموسى.

 

دراسة مركز عدل للمساعدة القانونية: 1- 38.6% من الموقوفين لا تتم إدانتهم بالتهم الموجهة إليهم
2- 20.3 % من القضايا مدة التوقيف فيها أطول من فترة الحكم النهائي

 

أمام أمن الدولة والحاكم الإداري  .. المهمة أصعب

 

في قضايا أمن الدولة وبخاصة التي تكون ذات خلفية سياسية "كتقويض نظام الحكم" تعتبر مسألة التكفيل "شاقة" للمتهم، بحسب محامين مختصين بقضايا أمن الدولة.

 

فقد لزم المحامي حكمت الرواشدة الذي ترافع عن الناشط باسم الروابدة المتهم "بتقويض نظام الحكم" نحو 5 شهور
وتقديم نحو 15 طلب تكفيل حتى توافق أمن الدولة على تكفيل موكله.

 

وحال الروابدة ينطبق على عدد من الناشطين السياسيين الذين اعتقلوا خلال الثلاثة أعوام الماضية، والذين لطالما رفضت محكمة أمن الدولة تكفيلهم  كما حصل مع الناشط سعود العجارمة والناشط طارق خضر.

 

أما الموقوفون إدارياً عملاً بقانون منع الجرائم الموجود في الأردن منذ عام 1952م  فيصف المحامي المختص في قضايا حقوق الإنسان معاذ المومني مسألة تكفيلهم بالـ"صعبة جداً".

 

ويغيب عن قانون منع الجرائم المعمول معايير قبول الكفالة أو رفضها، كما يعتبر المومني هذا القانون تعدياً على عمل السلطة القضائية.

 

عدد الموقوفين ادارياً :
1- 12 ألفاً و410 موقوفاً خلال عام 2012
2- 11 ألفاً و345 موقوفاً خلال عام 2011

وكان المركز الوطني لحقوق الإنسان قد أوصى بإلغاء قانون منع الجرائم بشكل نهائي، والذي اعتبره "لا يحترم القرارات القضائية والاحكام النهائية بالبراءة"، حيث من الممكن أن يقوم الحاكم الإداري كالمتصرف بإعادة توقيف إنسان ومنع تكفيله مع أنه قد برئ قضائياً.

 

ويقوم بعض الحكام الإداريين بحسب تقرير المركز الوطني، بتمديد توقيف بعض الاشخاص إلى أسبوع دون عرضهم على جهة قضائية، مع أن المادة  112 من قانون أصول المحاكمات تحدد التوقيف بـ24   ساعة.

 

وتعتبر المادة 113 من ذات القانون كل من يقوم بتوقيف شخص بموجب مذكرة وحبسه لأكثر من 24 ساعة، دون التحقيق معه، "عملاً تعسفياً" يجب أن يلاحق المسؤول عنه بجريمة حبس الحرية استنادً إلى قانون العقوبات.

 

المادة 178 من قانون العقوبات : كل موظف أوقف او حبس شخصاً في غير الحالات التي ينص عليها القانون يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر الى سنة.

وصدر عن المركز الوطني تقريراً في شهر تموز الماضي عن مراكز التوقيف الإدارية رصد فيها تعرض عدد من المحتجزين إلى سوء المعاملة والتعرض للإكراه البدني والنفسي.

 

 مطالبة بإعادة "قاضي التحقيق"

 

يطالب حقوقيون ومحامون بإعادة وظيفة "قاضي التحقيق" التي دمجت بوظائف المدعي العام في خمسينيات القرن الماضي، رغم أنه معتمد في عدد من دول العالم.

 

وكان من مهام قاضي التحقيق أن يضع يده على القضية بعد أن تحولها النيابة ويحقق فيها ويوقف المتهمين على ذمتها ثم يحدد موعداً للنظر في طلب الكفالة منذ لحظة القبض على المتهم، خلال أيام قليلة، بحسب النجداوي.

 

ويرى النجداوي إن وجود قاضي التحقيق "مهم جداً" لمسار العدالة وخاصة لأنه يتحكم في المراحل الأولى من التحقيق، ويطلع على بياناتها ويكون الأقدر على تقدير إن كان اخلاء سبيل المتهم قد يتسبب بـ"مضاعفات أمنية" أو لا.

 

وإعادة قاضي التحقيق  سيسحب من المدعي العام صلاحيات التوقيف والتحقيق واخلاء السبيل.

 

وغياب قاضي التحقيق في الأردن يضع المتهم في المراحل الأولى من التحقيق أمام خصمه القضائي مباشرة والذي يمثله المدعي العام، ويصف النجداوي غياب قاضي التحقيق بـ"أكبر مطعن في القضاء الأردني".

 

ولا تقتصر المطالبات بإعادة مهام "قاضي التحقيق"، حيث تطالب منظمات حقوقية بإجراء تعديلات على قوانين وأسس التقاضي عامة، بما يتلاءم مع معايير حقوق الإنسان، ويكفل الحريات الأساسية.