رحلة في ذاكرة زياد عودة “شيخ” أدباء الزرقاء

رحلة في ذاكرة زياد عودة “شيخ” أدباء الزرقاء
الرابط المختصر

“نادي اسرة القلم” انتهى دوره الثقافي واصبح ناديا للاحزاب السياسية

 

انشاء “المكتبة الثقافية” كان حلما تحقق ولا تزال صامدة منذ 43 عاما

 

الحياة الالكترونية وتكالب الاحداث العربية والدولية المؤلمة حجبت معظم الناس عن القراءة

 

لا غرو في ان يوصف كاتب واديب عصامي في مثل قامة زياد عودة بـ”شيخ” أدباء الزرقاء، وهو احد الاباء المؤسسين لجناحي الثقافة في المدينة: “نادي اسرة القلم الثقافي ” وفرع “رابطة الكتاب الاردنيين “، ورأس اولهما لدورتين والثاني لاكثر من عشرين عاما.

 

كما انه لا يذكر زياد عودة ابن قرية ذنابة قضاء طولكرم، الا وتذكر معه “المكتبة الثقافية” العريقة، التي انشأها قبل 43 عاما، وحجت اليها ونهلت منها الاجيال المتعاقبة من مثقفي وكتاب وادباء المدينة، من ظل منهم فيها ومن غادر او رحل.

 

وفي رصيد شيخنا الذي لا يستهويه الثناء، ويحبذ ان تتحدث عنه اعماله، 17 مؤلفا صادرا وعشر مخطوطات في ادب التراجم وسير الشخوص والاماكن والنثر والخاطرة، فضلا عن مئات المقالات المنشورة في كبريات الصحف والمجلات.

 

والاهم، ان في رصيده الكثير من الذكريات التي فتح بعض صفحات كتابها لـ”هنا الزرقاء” على امتداد مقابلة اجرتها معه بين جنبات مكتبته العتيقة، والتي تجاور قصر شبيب الاثري، احد ابرز معالم المدينة وربما اقدمها.

 

في هذه المكتبة، يمضي زياد عودة وقته، بما تبقى له من قوة البصر، والعجيب انه تعمد قلب الكتب بحيث يصعب على الرائي التكهن باسمائها وعناوينها، وكأنما يعز عليه ان تُعرف فتباع. وهو يجلس متوسطا ارففها من ساعات الصباح الاولى وحتى وقت العشاء، حيث يتحسس بعده الطريق قافلا الى بيته.

 

* لو فتحنا الصفحة الاولى في كتاب ذكريات زياد عودة، فماذا يمكننا ان نقرأ؟

 

– كنت اسكن مع والدي في مدينة يافا منذ ولادتي (عام 1943) الى ان رحلنا عنها ابان سقوطها عام النكبة 1948، وعدنا الى قريتنا الاصل ذنابة، وكنت في الخامسة من عمري، وقد ادخلني والدي في الروضة الموجودة في قريتنا، وهي روضة اهلية كانت صاحبتها ومديرتها ليلى حنون يرحمها الله.

 

والسنة الثانية للروضة درستها في روضة اخرى ايضا في ذنابة صاحبها ومديرها المرحوم احمد ابو القرن.

 

وكانت القرية متميزة لقربها من مدينة طولكرم. وفي عام 1951 تم تسجيلي في مدرستها الحكومية، وهي مدرسة ذنابة الابتدائية للذكور، وكان مديرها انذاك الاستاذ المرحوم صدقي ياسين، وكان مربيا فاضلا ادى رسالة التعليم مع زملائه من المعلمين بكل اخلاص. وخلال دراستي فيها وقع لي حادث وهو انفجار فتيل قنبلة ادى الى بتر ثلاثة من اصابع يدي اليمني.

 

بعدها رحلنا الى مدينة الزرقاء طلبا الرزق، حيث كانت الظروف الاقتصادية بعد الاحتلال الاسرائيلي لمدن فلسطين صعبة وقاسية على معظم الناس الذين ظلوا صامدين في اراضيهم.

 

وعلى ما اذكر انني سجلت حينها في احدى المدارس الابتدائية في الزرقاء، وكنت في الصف الرابع، فدرست سنتين ثم اضطررت الى ترك المدرسة بسبب تاخري دراسيا نتيجة الحادث الذي تسبب في بتر اصابع يدي واصابتي بثقل في السمع. وكان ذلك اخر عهدي بالدراسة المنتظمة.

 

*مرحلة التعلق بالقراءة ثم رحلة الكتابة والتاليف، كيف ومتى بدأت بذورها تنمو لديك؟

 

– منذ الروضة، واقبالي على القراءة جعلني ابحث دائما عن كتب اخرى (خارج المنهاج المدرسي) لزيادة معلوماتي الثقافية، واول كتاب قرأته كان “كتاب كليلة ودمنة”، وكنت في الثانية عشرة من عمري حيث سهرت ليلة كاملة لقراءته قراءة متانية.

 

وحتى اعوض ما فقدته من الدراسة كنت احرص على قراءة جميع ما هو مطروح في السوق من كتب المغامرات “ارسين لوبين” و”شيرلوك هولمز”، واشتري كل اسبوع مجلات “السندباد” و”سمير” و”ميكي”.

 

وهذا الجو جعلني افكر ان اتوجه الى الكتابة حيث بدأت بالفعل وانا في الخامسة عشرة من عمري، واذكر ان اول مقالة لي نشرتها وانا في الثامنة عشرة في مجلة “الشريعة” التي تصدر الى الان في عمان، وكان يرأس تحريرها (حينذاك) الاستاذ المرحوم تيسير ربيع.

 

وبعدها صرت اكتب في جريدة “الجهاد” المقدسية، ثم بدأ المشوار الكتابي لدي، وبداية كنت انظم الشعر وكتبت العديد من القصائد التي نشرت في اكثر من مجلة وصحيفة، ثم كتبت في القضايا الاجتماعية والدينية، الى ان رأيت ان الخاطرة هي اقرب الى فهم الناس من الشعر، وانذاك كتبت العشرات من الخواطر.

 

* كثير من مؤلفاتك كانت في تراجم شخصيات ابرزها قيادات فلسطينية قضت اثناء مقارعتها الاحتلال الاسرائيلي، فهل ولد التوجه الى هذا النوع من الكتابة في سنوات متقدمة من مسيرتك الادبية، ام انه ايضا رافق البدايات؟

 

– اذكر انني نشرت مقالتي الاولى في عام 1963، وابانه عقد مؤتمر القمة العربية الاول، وطبعا كتبت عنه بعد ان هدد اليهود بضرب سد “المخيبة “، وقد هز اسرائيل حينها ان يتم خزن المياه القادمة من لبنان وسوريا في هذا السد، واعلنت شبه الحرب على الامة العربية.

 

وهذا شجعني على ان اعود الى الكتابة عن قادة فلسطين وعن شهدائها، والسبب في ذلك ان احد قادة الثورة الين استشهدوا كان من بلدتي ذنابة وهو عبدالرحيم الحاج محمد.

 

وبالفعل حصلت على الوثائق اللازمة التي تسجل سير المعارك العسكرية منذ ثورة عام 1936 حتى عام 1989، ونشرت ما قمت بكتابته في الصحف والمجلات. وفي عام 1984 اصدرت كتابي الاول وهو عن الثورة الفلسطينية وكان اسمه “بطل وثورة القائد عبد الرحيم الحاج محمد”، تحدثت فيه عن تاريخ الثورة في فلسطين ونشرت الوثائق والاوراق التي كانت تصدر اثر كل معركة في ساحات فسطين.

 

ثم عدت لتأليف كتاب عن خمسين شخصية نضالية معروفة وغير معروفة وعلى راسهم الشيخ الشهيد القائد عزالدين القسام، وبرهان السعدي ومحمد صالح الحمد وخالد ابو خالد الشاعر الفلسطيني الذي يعيش في سوريا، وعبد القادر الحسيني احد ابرز القادة المناضلين في فلسطين وابراهيم ابو دية، حيث شكل ذلك عندي ما يوازي ثلاثة كتب اصدرتها تحت عنوان “من رواد النضال في فلسطين” و”فلسطين في الوجدان”، وهذه الكتب تحمل سمة البحث والدراسة.

 

* يعرف عنك غزارة انتاجك من المقالات التي تكتبها في الصحف، لو تحدثنا عن ذلك.

 

كتبت في الصحافة الاردنية، في الصحف الكبرى (الراي والدستور وصوت الشعب)، مئات الخواطر التي كانت تاخذ منحى فلسفيا، ثم اصدرتها في ثلاثة كتب : “اشارات على درب طويل” و”الكتابة على جدران الزمن”و ” اشارات على درب طويل”.

 

ثم تابعت الكتابة بعدها في جريدة “الوحدة” التي تاسست عام 2002 وتصدر حاليا بطبعهتا الالكترونية، حيث كان اول رئيس تحرير لها هو فخري قعوار، وضمت نخبة من الكتاب والشعراء ومنهم هشام عودة ومصطفى الجعيدي، وقد واصلت الكتابة فيها حتى عام 2008 عن شخصيات فلسطينية من كتاب وشعراء ومجاهيدن.

 

واعترف ان هذه الصحيفة فتحت امامي مجالا واسعا لان اكتب بكل ثقة وقوة. وقد كانت لدي مساحة ضوء كافية ان ابصر الورقة والقلم واكتب قبل ان يقضي مرض السكري على عيني اليمنى.

 

ثم تابعت الكتابة في جريدة الدستور وكتبت عن معظم الشخصيات الادبية وقمت بتحليل لشخصياتهم، وكتبت عن الشاعر الراحل الياس جريس وهو شاعر من الزرقاء وكان يعتني معي باحياء النشاط الثقافي في “نادي اسرة القلم” و”رابطة الكتاب الاردنيين فرع الزرقاء”.

 

وكذلك كتبت عن القاص خليل السواحري والشاعر عبد الرحيم عمر والشاعر خالد ابو خالد والشاعر عبد الرحيم محمود،. وكان الاستاذ موسى حوامدة المشرف على الصفحة الثقافية يبرز هذه المواضيع بشكل جيد وجميل.

 

* نادرا ما يطعم الادب خبزا في عالمنا العربي، فما هي الاعمال التي اشتغلت بها حتى انشائك للمكتبة، ثم ما هي قصتك مع هذه المكتبة؟

 

– منذ وعيت على الدنيا عملت في اكثر من مكان، وعملت في وظيفة عامل لاجل ان اساعد والدي في المعيشة بعد ان لجأنا الى الزرقاء من فلسطين. كما عملت في مهنة مراقب لماتورات الكهرباء وكنت اعمل مدة 24 ساعة، واستريح 48 ساعة مقابلها، واملأ الوقت سواء خلال العمل او الاستراحة بالقراءة.

 

وكنت كذلك اذهب الى الجامعة الاردنية برفقة اصدقائي لاحضر مساقات الادب واللغة دون ان اكون مسجلا، وهذا الكلام حصل في ستينيات القرن الماضي، ومن اصدقائي الذين كنت ارافقهم في حضور هذه الدروس وليد سيف وجاسر ابو صفية ووليلى عريقات ومريم الصيفي.

 

وكانت ميزة الدراسة ان ذاك انها تاخذ منحى جادا وقويا، وكان يحاضر في ذلك الوقت الدكتور احمد فؤاد الاغواني والدكتور محمود ابراهيم والدكتور شوقي ضيف والدكتور محمود السمرة واساتذة كبار استفدت منهم كثيرا، وشجعني هذا على ممارسة الكتابة والقراءة واختيار الكتب المناسبة .

 

وطوال الوقت كنت احلم بإنشاء مكتبة ثقافية حيث كنت يوميا اعرج على اكثر من مكتبة واقتني المجلات الثقافية “الهلال” و”العربي” و”المعرفة السورية” و”الاداب” وما شابه ذلك. ثم افتتحت مكتبتي التي اعتنت بالادب اكثر من التجارة، وكان ذلك عام 1972، وعمرها الان 43 عاما.

 

وهذه المكتبة حققت فيها حلمي حيث كنت احرص على جلب الكتب الجديدة والصحف والمجلات حيث كانت المكتبة الثقافية البوابة الرئيسة التي تفتح عقلي من خلالها على ثقافات فلسفات العالم، وما زالت المكتبة قائمة الى الان..

 

ومن خلالها تعرفت الى اكثر من اديب وشاعر من سكان مدينة الزرقاء، ومنهم الشاعر سميح الشريف وهو اول رئيس واحد المؤسسين لنادي اسرة القلم، والشاعر محمد سمحان والقاص عدنان على خالد صاحب اول صالون ثقافي ادبي في الزرقاء، والمرحوم بدر عبد الحق وفخري قعوار ومجموعة من الشعراء والفنانين ايضا.

 

كانت الزرقاء انذاك خلية نحل تعج بالادباء والشعراء والمثقفين،ومر عليها عصر ذهبي، ومع رحيل المثقفين من الزرقاء الى عمان ودول الجوار بدأ الاهتمام بشراء الكتب يقل، اضافة الى ان وجود الحياة الالكترونية بشكل مكثف ومن جهة اخرى تكالب الاحداث العربية والدولية المؤلمة، قد حجبت معظم الناس عن القراءة. والمكتبة الان اعتبرها مستودعا فيها كتبي الخاصة، وفيها اعود الى الكتب القديمة وامضي معها وقتا طويلا.

 

* نادي اسرة القلم وفرع رابطة الكتاب، كنت من مؤسسيهما وتصديت لادارتهما عدة مرات، فكيف كانت البدايات وما هو رايك في ما وصلته الان من مآلات؟

 

– في عام 1974 تم تأسيس نادي اسرة القلم الثقافي، فانتقل المثقفون اليه من صالون القاص عدنان على خالد الذي كانوا يجتمعون فيه الى نادي اسرة القلم، وعدنان كان حلاقا ومع هذا فصالونه كان مفتوحا للجميع للتبادل الثقافي والمعرفي من الزرقاء ومن عمان، حيث كان يحضره الشاعر عبد الرحيم عمر والدكتور عبد الرحيم بدر وخليل السواحري.

 

اصبح المثقفون يلتقون في نادي اسرة القلم الثقافي ومن هذا النادي برزت اسماء كثيرة من كتاب وفنانين تشكيبليين مثل هيام اباظة وفي مجال المسرح اشرف اباظة. ونستطيع ان نقول ان هذا النادي خرج العشرات من المبدعين ومعظمهم رحل من الزرقاء الى عمان او الى البلدان الخليجية للعمل، وبقيت في الزرقاء مجموعة لا تكاد تعد على اصابع اليد من اعضاء النادي القدامى.

 

ونسنيطع القول ان هذا النادي قد انتهى دوره الثقافي مع بدء السماح بالعمل الحزبي من خلاله وانشاء مقرات لكل حزب داخل النادي، ولسوء الحظ ان نادي اسرة القلم كان الضحية الاولى لها حيث لم يعد يحمل اسمه الثقافي كما كان متعارفا عليه بل اسميه الان نادي الاحزاب السياسية.

 

اما رابطة الكتاب الاردنيين فقد تأسس فرعها في الزرقاء عام 1984 وقد بدأت بداية متعثرة ماليا، واستاجرنا مقرا من غرفتين صغيرتين حتى نتمكن من دفع اجرة المقر.

 

وتلك الايام في عام 1986 حصل خلاف بين الزميلين الدكتور ابراهيم خليل والمرحوم عبدالله رضوان وكانت اسباب الصراع حزبية، ما تسبب في تاخير مسيرة الرابطة. ثم طلبت منهما ان يفسحا المجال لي لاستلام رئاسة الفرع، ومنذ اللحظة الاولى لتسلمي لها في عام 1986، عملت على الانتقال الى مقر اكبر وافضل، وكان في حي النزهة قرب المحكمة الشرعية القديمة.

 

ومن هناك، مارسنا النشاط الثقافي بشكل ممتاز، وقد تسلمت ادراة فرع الرابطة وكنت الرئيس الرابع وقتها، فيما كان الرئيس الاول مأمون حسن والثاني محمد ضمرة ثم ابراهيم خليل، وبقيت رئيسا بالتزكية اكثر من عشرين عاما.

 

اعمال منشورة للاديب والكاتب زياد عودة

 

صدرت لزياد عودة العديد من المؤلفات، كما ان لديه عشر مخطوطات لم تجد بعد طريقها الى النشر لمصاعب مالية، وتاليا مؤلفاته الصادرة:

 

“عبد الرحيم الحاج محمد: بطل وثورة”، تراجم، الوكالة العربية للنشر والتوزيع، الزرقاء، 1984.

 

“شهداء وشعراء”، تراجم، دار الدليل الوطني، عمّان، 1991.

 

“فلسطين في الوجدان

 

“، تراجم، المكتبة الثقافية، الزرقاء، 1992.

 

“الكتابة على جدران الزمن”، نصوص وخواطر أدبية، المكتبة الثقافية، الزرقاء، 1997.

 

“إشارات على درب طويل”، مقالات أدبية، المكتبة الثقافية، الزرقاء، 1999.

 

“نجوم في سماء فلسطين.. ثائران من جبل النار: عبد الرحيم الحاج محمّد وعبد الرحيم محمود”، أدب السيرة، المكتبة الثقافية، الزرقاء، 2010.

 

“إلياس جريس: شاعر الألم والأمل”، أدب السيرة، المكتبة الثقافية، الزرقاء، 2010.

 

“حروف على دروب العشق”، نصوص أدبية، المكتبة الثقافية، الزرقاء، 2010.

 

“الكتابة فوق أمواج البحر”، نصوص أدبية، وزارة الثقافة، عمّان، 2010.

 

“من رواد النضال في فلسطين” (الكتاب الأول)، دار الجليل، عمّان، 1978.

 

“من رواد النضال في فلسطين” (الكتاب الثاني)، دار الجليل، عمّان، 1988.

 

“من رواد النضال في فلسطين (1929-1948)” (الكتاب الثالث)، المكتبة الثقافية، الزرقاء، 1991.

 

“القرية الفلسطينية ذنابة”، سيرة مكان، المكتبة الثقافية، الزرقاء، 1994.

 

“الصهيونية تاريخ طويل في العدوان”، المكتبة الثقافية، الزرقاء، 2009.

 

وقد حصل الكاتب عودة على عدة دروع تكريمية، من درع نادي اسرة القلم عام 2002، ودرع مدرسة حليمة الخليفي في طولكرم ( فلسطين)، ودرع مديرية ثقافة الزرقاء، ورع مدينة الثقافة (الزرقاء مدينة الثقافة الاردنية 2010).

للاطلاع على تقارير: هنا الزرقاء

أضف تعليقك