ناقش منتدون في لقاء منتدى الفكر العربي، مساء الأحد، كتاب "الربيع العربي: الثورات والارتدادات" لمؤلفه أ.د. عبدالله النقرش عميد كلية الأمير حسين بن عبدالله الثاني للدراسات الدولية في الجامعة الأردنية، والصادر حديثاً عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت. ويتناول الكتاب بالتحليل النظري والمتابعة التاريخية السياسية ثورات الربيع العربي والتطورات التي تلتها، سواء على شكل ثورات مضادة، أو عن طريق احتوائها أو التكيف معها، وذلك من خلال وضعها في سياقها الدولي والإقليمي، ونسبتها للمرجعيات النظرية من حيث المفاهيم والمتابعة التاريخية
أدار اللقاء وشارك فيه الأمين العام لمنتدى الفكر العربي د. محمد أبوحمور، الذي وصف الكتاب بأنه دراسة راصدة وتحليل موضوعي شامل لمختلف جوانب "الربيع العربي"، يتعمق في حقيقة الأحداث ومؤشراتها ومحمولاتها من التغيرات والتحديات، وبالتالي فهو محاولة لتشخيص الأوضاع العربية سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً فكرياً، ورسم مشهد واضح – ما أمكن – لما حدث وما يتوقع حدوثه مستقبلاً.
وأضاف د. أبوحمور أن التفسيرات المختلفة لأسباب وأبعاد الحراكات الشعبية العربية تؤكد دور العامل الاقتصاديوأثره في تشوهات البنى والهياكل الاجتماعية على مدى عقود طويلة، منذ عهود الاستعمار وتكريس التقسيم والشرذمة وفجوات التنمية العرجاء، التي أدت إلى ضعف مريع في الإنتاجية، وتفاقم معدلات الفقر والبطالة، والإقصاء والتهميش، وقصور التعليم عن تلبية متطلبات الحداثة والتطوير، وعدم توافر شروط دخول عصر المعرفة؛ فضلاً عن صراع القوى الاستغلالية على المكتسبات وسوء توزيع الثروات ما أدى إلى تمكن الاستبداد وانتفاء العدالة الاجتماعية، وإضعاف الشراكة الاقتصادية المجتمعية بين القطاعين العام والخاص، والحيلولة دون نجاح الاستثمار وتعديل التشريعات بما يدعم الدور الاستثماري، والذي يوفر فرص العمل ويساعد الانفتاح فيه على تطوير التعليم ومخرجاته لصالح تطوير الإنتاج وتكنولوجياته، وبالتالي سدّ فجوات الفقر ورفع مستوى المشاركة والتكامل بين القوى المجتمعية.
وقال د. أبوحمور: إن الأزمة الفكرية العربية الناشئة من الصراع الطويل والمرير بين القوى السياسية الداخلية ومشروعاتها، وانتفاء الحوار الموضوعي الهادف بين هذه القوى، مما ساهم في إيجاد حالة من التفتت والفُرقة على المستوى الداخلي العربي، وزيادة العقبات أمام المشروع العربي المطلوب الذي يحفظ أمن الأمة ويعزز من ركائز حماية كيانها، ويجنب شعوبها أخطار التطرف والإرهاب وكل ما ينبثق عنهما من تدمير اجتماعي واقتصادي.
وأشار د. أبوحمور إلى أن منتدى الفكر العربي بادر منذ بداية الربيع العربي إلى الدعوة للمشروع العربي الذي ينقذ الأمة من ضبابية المصير، فأطلق "الميثاق الاجتماعي العربي" في عام 2012، و"الميثاق الاقتصادي العربي" عام 2015، وهو في سبيله إلى إعلان "الميثاق الثقافي العربي"، ومن بعده الميثاق السياسي، والبيئي، وعقد 18 جلسة حوارية حول الأوراق النقاشية الملكية لجلالة الملك عبدالله الثاني – حفظه الله ورعاه – التي أبرزت النموذج الأردني وحكمة القيادة الأردنية في التعاطي مع الحراك الشعبي ووعي المتغيرات الإقليمية والدولية، مما يستحق معه هذا النموذج أن يُستفاد منه لدى الآخرين في صون الوحدة الوطنية، والتعاضد بين القيادة والشعب للحفاظ على السلم والاستقرار، والسير إلى المستقبل برؤية تشاركية وثقة واطمئنان.
من جهته، قال د. جواد العناني نائب رئيس الوزراء السابق في تعقيبه على الكتاب: إن المؤلِّف د. عبدالله النقرشيقارب الأمور من ناحية فلسفية تحليليه، ويستخدم التاريخ والحدث لكي يدلل على النتائج، ويسعى في أسلوبه إلى أن يحيط بجميع الجوانب المتعلقة بالموضوع، سواءً ما اتفق مع تفكيره أم اختلف. ولكنه بأسلوب حواريات أفلاطون يختزل مالا يتفق معه بسلاسه حتى يصل إلى ما ينسجم مع رأيه، وهذا الأسلوب التحليلي الاختزالي ليس أمراً سهلاً، بل يحتاج إلى أستاذ مجرِّب، وخبرة متميزة، ودربه عالية حتى يتمكن صاحب القلم من إتقانها وإيصالها لقرائه بأسلوب مقنع يحترم العقول.
وأضاف د. العناني أن كتاب "الربيع العربي: الثورات والارتدادات" يقدم تذكيراً بمجريات الثورات الشعبية في تونس ومصر واللتين اعتبرهما حالتين غير دمويتين، والثورات الشعبية في ليبيا واليمن وسوريا والتي يعتبرها ثورات عنيفة دمويه. كما أن الكتاب يستبعد أن تكون هذه الثورات الشعبية مجرد مؤامرة على العرب لاستنزاف قوتهم ومصادرها وثرواتهم، ويعتبرها حركات لها مبرراتها في البنية السياسية والثقافية والاجتماعية للوطن العربي عامة، وداخل كل قطر خاصة. وكذلك فهو يطرح في عرض متَّسق إشكاليات كبرى مثل جبروت السلطة وسلطة الجبابرة، أو إشكالية السلطة. ويثير موضوع الدولة الأمنية والحياة والسياسة، ويقارن بين الخطاب الرسمي والخطاب الشعبي، ويؤكد على التباين الكبير بينهما، وأزمة الثقة بينهما، ويحلِّل البعد الإسلامي والبعد اليساري ودورهما في الثورة العربية الراهنة.
وأوضح د. العناني أنأسلوب الكتاب يتسم بالتحليل الدينامي في معظم الأحيان وبخاصة في معالجة موضوع الارتدادات للثورة الشعبية في العالم العربي،فيما القسم الأول من الكتاب يعتمد على تحليل الحركة. أما تعبيراته فهي حديثة وعاكسة للحالة، والمؤلفيقدم لنا في الوقت المناسب وجهة نظر قوية، وهي أن ارتدادات وتبعات الثورة لم تنته بعد. ومن المبكر جداً القول إن الثورات قد انتهت لأن الثورة والارتدادات المضادة لها لم تحسم الأمور، وإن المشهد العربي ما يزال ينتظر تطورات خطيرة ومتشابكة. وبدون برنامج عربي متفق عليه، فإن النتائج تكون وخيمة، ولكن ليست دائمة.
وقال أستاذ العلوم السياسية والدراسات الدولية في الجامعة الأردنية سابقاً أ.د. حسني الشياب: إن المؤلِّف يصبغ على الربيع العربي صفة الثورة القومية العربية، وقد يكون هذا الوصف مبرراً نظراً لتتالي قيام الحركات الشعبية المتشابهة في مطالبها في العديد من الدول العربية، نظراً لتشابه الظروف والعوامل التي أدت لانطلاقها وكذلك تشابه المعاناة التاريخية للقوى التي باشرتها.
وأضاف د. الشياب إن مصطلح الثورة العربية يثير إشكالية العلاقة بين الدولة القطرية التي قد تنجح ثورتها ومثيلاتها من الدول الأخرى، بمعنى ألا يؤدي نجاح الثورة في كل قطر على حدة إلى بناء الدولة القطرية على أسس متينة، وبالتالي إما يكرس الانفصال وإما أنه يكون مقدمة للوحدة بين مختلف الأقطار.
وأشار د. الشياب إلى أن مؤلف الكتاب د. النقرش يرى أن للربيع العربي ارتدادات كالزلازل شأنه شأن كل الثورات في التاريخ، وأن حدوث هذه الارتدادات هو دليل على قيام الثورة مما لا يلغي مسبقاً تحقيق هدفها، بل يبقي العملية قيد التفاعل لحين الاستقرار على مآلات معينة. كما يصنف المؤلف الارتدادات في ثلاث حالات: الثورة المضادة كما حدث في مصر وسوريا وليبيا واليمن والبحرين، وحالة الاحتواء، وحالة التكيف.
أشار مؤلف الكتاب د. عبدالله نقرش إلى أن الربيع العربي حركة اجتماعية شعبية عبرت عن محاولة إعادة تموضع الأمة العربية في سياق حركة التاريخ الحديث، بعد سلسلة من حالات الفشل والإحباط على صعيد بناء دولة المواطنة والأمن القومي الاجتماعي الشامل ، وتحقيق التنمية والتقدم ، وكان تبني شعارات الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية قمة جبل الجليد الذي يمثل نزوع الإنسان العربي نحو الحداثة والرقي.
وأضاف د. النقرش أن الشباب العربي كان هو المحرك الأساسي للثورات، ولحقت به بعض القوى السياسية الاجتماعية التقليدية والمستحدثة؛ ونظرا لافتقار الحراك إلى التصور المشترك والمبرمج، والقيادات الضرورية ، اختلفت مآلات الربيع العربي، وكان من نتائج ذلك أن سعت قوى الاستبداد لإعادة السيطرة على مسارات الحراك واحتمالات التغير، فمنها من واجه الثورات بثورات مضادة، وأخرى عمل على احتوائها وتوجيهها وضبط مفاعيلها، كما سعت القوى الدولية وحلفاؤها الإقليميون والمحليون لاستثمار الأوضاع المتفاعلة في الساحة العربية من أجل توظيفها في سبيل تحقيق مصالحها ومشاريعها، وإعادة تقسيم مناطق النفوذ بما يتفق وخططها الاستراتيجية المتنافسة.