حق المرأة والطفل بالنفقة يشوبه غياب العدالة (انفوجرافيك)

حق المرأة والطفل بالنفقة يشوبه غياب العدالة (انفوجرافيك)

لم تكن غيداء -اسم مستعار-  تعلم أن قصة حبها الجميلة طوال سنوات الجامعة الأربعة ستنتهي بها بالوقوف في المحكمة.

 

كانت تظن انها تزوجت  فارس أحلامها الذي انجبت منه طفلين، إلا أنها، وبحسبها، دخلت دوامة امتدت من العام 2009 وحتى صيف 2016 لانتزاع الطلاق مقابل الإبراء "خلع"، وفي النهاية  تقول  غيداء :"إنه حكم لأطفالها بنفقة غير عادلة قدرت بـ 150 دينارا شهرياً على اعتبار أن الأب يعمل في دولة خليجية".

 

تعد النفقة من وجهة نظر نساء و خبراء قانون وناشطين "غير عادلة"، لانها لاتناسب الظروف المعيشية الحالية، ورغم أنها من الحقوق التي بينها الشرع و نص عليها القانون والاتفاقيات الدولية إلا ان الانصاف غير متحقق للمرأة والطفل.

 

"غير عادلة"

المحامية والناشطة بالدفاع عن حقوق المرأة المحامية نهيل الزعبي قالت :"إن النفقة الممنوحة للنساء ليست عادلة نظراً لارتفاع تكاليف المعيشة ولا تفي باحتياجات النساء وأطفالهن. فالحد الأعلى لنفقة الزوجة في عمان 100 دينار بينما تقل عن ذلك في المحافظات لتصل لنحو 55 دينارا ،علماً بأن خط الفقر الرسمي المبني على ارقام عام 2010  يبلغ 68 دينارا للفرد شهريا ".

 

وتؤكد أن الكثير من النساء تضطر بعد طلاقها لإعادة الكرة بالوقوف في" بيروقراطيات" المحاكم  وتعقيدات القوانين  للمطالبة بنفقة الأطفال والتي" لا تكفي في الغالب ثمناً  للحليب والحفاظات" .

 

ونبهت إلى أن النفقة تقدر من قبل القاضي وفقاً للحالة المالية المعلنة للزوج وهو يتطلب مزيداً من الوقت للنفي والإثبات وإحضار الشهود مما يسهم في طول أمد التقاضي،ويحمل المرأة أعباء مادية إضافية كتوكيل المحامين ورفع الدعاوى وحضور الجلسات ،وتزداد المشكلة في حال كانت المرأة غير عاملة.

 

وأشارت إلى أن القانون الأردني ينص على النفقة لكنه لا يحدد قيمتها أو حدودها، ويتركها للقاضي  ويتم الحكم فيها بالتراضي أو بانتخاب خبراء لتحديد الخبرة حسب الوضع المالي للزوج وهو ما يسهم في طول أمد التقاضي.

 

ولفتت الزعبي  إلى أن صندوق تسليف النفقة يتكفل بصرف قيمة النفقة المقدرة للمرأة المحكوم لها وتسجيل المبالغ كديون على الزوج لحين السداد ،بيد أن هذه المبالغ "غير كافية" بمختلف الأحوال وهو ما يعني أنها "غير عادلة".

 

ويسهم الصندوق بتجاوز العديد من الصعوبات والإجراءات البيروقراطية التي تواجه المرأة، بحسب الزعبي ، كتركها لبيتها وحاجتها للأموال وعدم دفع الزوج للنفقة وانتظار الدور في المحكمة وتكرار الجلسات وطول أمد التقاضي والتكلفة المالية المرتفعة لاستمرار الدعاوى ويمنح الزوجة والأبناء نوعاً من الأمان المالي لحين الانتهاء من القضية.

 

لا تتناسب والأوضاع الاقتصادية..

جمعية معهد تضامن النساء الأردني (تضامن) أكدت عدم تناسب متوسط النفقة بأنواعها مع الظروف الحالية لأسباب عديدة أهمها صعوبة إثبات دخل الأزواج ومشاكل التنفيذ والتحصيل بعد الحصول على الأحكام القضائية.

 

وشددت (تضامن) على ضرورة زيادة متوسط النفقة بشكل أكبر من جهة لتتناسب والحالة الاقتصادية للمجتمع ، وتمكين النساء إقتصادياً من حيث إعطائهن حقوقهن في الميراث وزيادة تملكهن للأراضي والعقارات وتوفير فرص عمل لهن والعمل على توعيتهن بحقوقهن القانونية والشرعية من جهة أخرى.

 

وتشير (تضامن) الى أن متوسط النفقة التي تحكم بها المحاكم الشرعية البالغ نحو 66 دينارا "لا يتناسب والظروف المعيشية والأوضاع الإقتصادية الحالية".

 

وتؤكد أن النساء والأطفال بشكل خاص يعانون خلال الرحلة الطويلة الممتدة من إقامة الدعوى الى إثبات دخل الزوج وإنتهاءاً بتحصيل النفقة هذا من جهة، كما ويعانون من ضعف المبالغ المحكوم بها وعدم تناسبها وكفايتها لتلبية الإحتياجات المعيشية الأساسية من مأكل وملبس وتعليم وصحة من جهة أخرى.

 

وشددت  (تضامن) على أن الاشكاليات التي تواجهها المرأة في تحصيل النفقة  تعكس بشكل أو بآخر الأوضاع الإقتصادية الصعبة في المحافظات المختلفة والتي أثرت سلباً على متوسط النفقة بأنواعها.

 

امتيازات دينية.. و"مساواة" سيداو

المحامية والناشطة في حقوق الانسان سميرة زيتون أكدت  أن التشريع الإسلامي منح المرأة امتيازات تفوق ما جاءت به الاتفاقيات والتشريعات الوطنية،حيث منح الزوجة حق النفقة طالما حبست على ذمة الرجل"بقاء الزوجية" وإن كانت موسرة أو لها مال.

 

وبينت أن هذا الحق يكفل للزوجة المسكن والمأكل والملبس والعلاج وحتى الخادمة إن كانت لدى مثلها طالما الزوجية قائمة ،ومنحها استقلالية مالية ولم يربطها بإلزامها بالإنفاق على نفسها موجباً نفقتها على الزوج .

 

غير أن اتفاقية سيداو والعهدين الدوليين طالبا بمساوات المرأة والرجل في كافة الحقوق بما فيها النفقة والمواريث ،والتماثل التام بينهما في التشريع وفي المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفي التعليم والعمل والحقوق القانونية،ولم يلزما الرجل بالانفاق عليها.

 

 

 

وفيما يتعلق بالأولاد فقد أكد المشرع أن نفقتهم واجبة على الأب بالحدود المنصوص عليها وهي التعليم الجامعي الأول للذكور وبقاء الأنثى في رعاية والدها دون زواج وقد اشترطت الحدود المالية للنفقة على الزوجة والأولاد بالقدرة المالية للزوج واليُسر.

 

وتروي زيتون قضية لإحدى موكلاتها وكانت تقطن  في محافظة مأدبا برفقة أطفالها الأربعة وكيف استغل زوجها القانون للإضرار بها بتسليم النفقة في صندوق محكمة ضمن محافظة أخرى بعد طول أمد للجلسات ومحاولات التهرب والإلتفاف على حقها في ظل عدم وجود نص قانوني يجبره على وضع النفقة في محكمة قريبة منها عقب زواجه من أخرى وتركه لها وأطفالها دون نفقة ومحاولتة الضغط عليها لإخراجها من منزل العائلة.

 

 

وتستكمل حديثها بالقول أنة وبعد جلسات عديدة وغيابات متكررة له عن الجلسات ومحاولته التأثير عليها من خلال الوسطاء والأقارب لثنيها عن مواصلة القضية، حكم للزوجة وأولادها بالبقاء في المنزل و 250 دينارا نفقة،عقب تقديم الإقرار المالي للزوج "يقدم عند الزواج بزوجة أخرى" كبينة لقدرتة المالية حكم لها بالنفقة باعتباره مقتدر مالياً بعد استثناء قرض بنكي.

 

 

فبادر الزوج لتسليم النفقة في عمان باعتباره مركز عمله، للضغط عليها وتكبيدها مصاريف إضافية نظراً لبعد المسافة واضطرارها للحضور للمحكمة لاستلام النفقة ،علماً بأنها لم تكن عاملة، وماتزال منذ العام 2011 تعاني ذات المعاناة كل شهر.

 

 

وهو ما يضعنا أمام جزء يسير، بحسب زيتون، من إشكاليات تحصيل النفقة المرتبطة بإثبات الحالة المالية للزوج والتحايل بتقديم حجج إعالة لذويه أو كفالات بنوك ..الخ ،و التي تعانيها المرأة على الرغم من وجود نصوص شرعية وقانونية تؤيد حقها في الحصول على نفقة عادلة وفورية لضمان حياة كريمة لها ولأولادها.

 

 

وترتكز اتفاقية سيداو التي  اشتملت  على ستة أجزاء تفرعت منها ثلاثون مادة، على مبدأ المساواة" المطلقة والتماثل التام" بين المرأة و الرجل في التشريع وفي المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفي التعليم والعمل والحقوق القانونية، وكافة الأنشطة.

 

 

وتنص الاتفاقية في المادة 16 إلى قضية الزواج والعلاقات الأسرية مؤكدة على الحقوق والالتزامات المتساوية للمرأة والرجل فيما يتعلق باختيار الزوج وحقها كوالدة والحقوق الشخصية والسيطرة على الملكية.

 

 

تؤكد ديباجة الاتفاقية على "أنّ تحقيق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة يتطلب إحداث تغيير في الدور التقليدي للرجل وكذلك في دور المرأة في المجتمع والأسرة".

 

أما المـادة 3 فتؤكد  بشكل قاطع على مبدأ المساواة بين المرأة والرجل عن طريق مطالبتها الدول الأطراف باتخاذ "جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريع لكفالة تطور المرأة وتقدمها الكاملين، لتضمن لها ممارسة حقوق الإنسان والحريات الأساسية والتمتع بها على أساس المساواة مع الرجل".

 

في حين تنص المادة 23 العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن الأسرة هي الوحدة الجماعية الطبيعية والأساسية في المجتمع، وتتخذ الدول الأطراف في هذا العهد التدابير المناسبة لكفالة تساوي حقوق الزوجين وواجباتهما لدى التزوج وخلال قيام الزواج ولدى انحلاله. وفي حالة الانحلال يتوجب اتخاذ تدابير لكفالة الحماية الضرورية للأولاد في حالة وجودهم.

 

أما العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ينص في  المادة 3 على أن تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد بضمان مساواة الذكور والإناث في حق التمتع بجميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المنصوص عليها في هذا العهد.

 

كما تلزم المادة 11 في هذا العهد بحق كل شخص في مستوى معيشي كاف له ولأسرته، يوفر ما يفي بحاجتهم من الغذاء والكساء والمأوى، وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية.

 

إذن تعد النفقة "غير عادلة"، بحكم الظروف المعيشية وما يفاقم من الامر أن القانون والاتفاقيات الدولية لا تسهم في  انصاف فئتين (الاطفال والنساء) من اكثر الفئات حاجة للحماية، مايستدعي النظر في الاجراءات والتشريعات.

 

 

 

*انفوعربي

أضف تعليقك